من المهم جدًا أن ندرك قيادة حزب الله في لبنان أنه هناك آراء عامة لبنانية أكثرية ترفض إشراك البلاد في حرب لا دخل لها بلبنان. هذا يعتبر رأيًا صريحًا. بغض النظر عن العواطف والأخلاق والقومية والدين التي تسكن الوعي اللبناني المؤيد للقضية الفلسطينية، فإننا لا نبالغ إن قلنا إن توريط لبنان في حرب إقليمية يتم رفضه، لأن ذلك سيؤدي إلى تدمير ما تبقى من البلد المتضرر بالفعل، وزيادة معاناة الشعب اللبناني الذي يعاني من أزمات سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية هائلة. كما أن لبنان يتحمل عبئًا كبيرًا نتيجة الحرب في سوريا، وأزمة اللاجئين السوريين المتفاقمة والتي تمثل تهديدًا ديموغرافيًا واقتصاديًا وأمنيًا كبيرًا للبنان.
إذا نظرنا إلى الحروب السابقة مع إسرائيل، يمكننا أن نقول بثقة أن الحرب التي تلوح في الأفق ستسبب دمارًا وخرابًا وأضرارًا، ولن نجد أحدًا بجانبنا لمساعدتنا في مسح آثارها. هذه المرة، لن يهب لمساعدتنا أحدًا كما حدث في عام ٢٠٠٦. لبنان مصنف هذه المرة كقاعدة متقدمة للمشروع الإيراني الذي ينفذه "حزب الله" على الأرض. والعالم العربي الذي كان يقف معنا في الملمات، اليوم ينظر إلى لبنان كبلد مخضع للاحتلال الإيراني. فمعظم الطاقم السياسي اللبناني إما متواطئ مع المندوب الإيراني المحلي أو مستسلم بأشكال مختلفة.
باختصار، لا يوجد أي شخص في العالم سيسارع لتقديم مساعدات كبيرة للبنان لإعادة إعماره بعد أي حرب محتملة. وذلك بسبب الظروف الراهنة في لبنان التي تمنع التمويل الخارجي لإيران التي تسيطر على الدولة من خلال "حزب الله". لا أحد يرغب في تمويل "حزب الله" بشكل غير مباشر. حتى مسألة النفط، حيث ألمح نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب في مقابلة تلفزيونية، أن عمليات البحث والتنقيب في حقل قانا توقفت بسبب أسباب سياسية وليس تقنية. فقد تم حفر بئر بعمق 3900 متر تحت سطح البحر قبل التوقف، في حين ينص العقد الموقع مع لبنان على أن يصل مستوى الحفر إلى 4400 متر تحت سطح البحر قبل أن يتم تقييم البئر. بالطبع، ستتم استئناف عمليات البحث والحفر بعد انتهاء الأزمة الحالية. ولكن تقديرنا هو أن لبنان و"حزب الله" لن يستفيدوا من ثمار النفط والغاز قبل تغير المعادلة في المنطقة وداخل لبنان.
كلام غالانت هو دليل واضح واعتراف بما ارتكبه في القطاع وأن نواياهم بتوسيع رقعة المعارك هي جدية، بعدما أصبح لبنان الكلمة المفتاحة لأي تصريح من قادة الكيان والذي يصاحبه توسيع دائرة الهجمات لتشمل المدنيين، وكان آخرها استهداف سيارة تحمل عائلة مدنية أسفرت عن استشهاد 3 فتيات تم العثور عليهن، وصولاً إلى مقرات قوات حفظ السلام العاملة في جنوب لبنان.
هذه هي الواقعية للوضع في لبنان الذي سقط تحت سيطرة "حزب الله" ويلقى معه قلة قوى سياسية نشطة تحاول مقاومة القوة القهرية الجارفة التي تفرض سيطرتها على الحياة العامة والخاصة في البلاد.
يمكن أن تتحول الأمور في لبنان إلى وضع خطير يشبه الوضع في غزة، مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية واستخدام الهجمات الانتحارية والصواريخ البعيدة المدى بدلاً من الرد على إطلاق النيران فقط. ومع ذلك، لا يمكن أن تنجح إسرائيل في تجاوز اللعبة الجديدة بعدما أظهرت حزب الله قدرات قتالية قوية في غزة وتسبب في خسائر هائلة للاحتلال. وقد دفعت التهديدات العربية والخليجية بإسرائيل لعدم تنفيذ تهديداتها وعدم الاستجابة للضغوط المحيطة بها. تم دمج قمتي الدول العربية والتعاون الإسلامي في قمة واحدة في الرياض، حيث أصدر بيان تدين فيه إسرائيل وتجاوزاتها في الحرب والمجازر غير الإنسانية ورفض وصفها بأعمال الدفاع عن النفس. وأكثر ما لفت الانتباه في البيان هو تأكيد أنه لا يمكن أن تتمتع إسرائيل أو أي دولة أخرى في المنطقة بالأمن والسلام.
لا يزال هناك تصعيد في الوضع مع فشل المفاوضات التي كانت تجري سراً بخصوص عملية تبادل الرهائن. يبدو أن هذه العملية فقدت أهميتها بسبب ارتفاع عدد ضحايا المعارك. لم يعد الوضع والجهود واضحة، مما يشير إلى أن الأمور قد تكون مفتوحة لكافة الاحتمالات، دون وجود أي رادع للجهاز الإسرائيلي للقتل.
تبين من المعادلة التي رسمها حزب الله لتموقعه ومن تصريحات وخطابات قيادته أنه يعمل على جبهتين. يلعب دورًا خارجيًا بالتعاون مع إيران وبوجود دفاعي، ويعمل في الجبهة الداخلية في لبنان بصورة منفردة ويسيطر عليها. عندما يعلن الحزب أنه في وضع دفاعي تجاه إسرائيل وأمريكا، فإنه يتمكن بسهولة من السيطرة على الوضع الداخلي بشكل أكبر. إذا قرر الحزب خوض حرب هجومية مع إسرائيل ، ستضعف قدرته على مواجهة المعارضة الداخلية لديه ، ولن يكون قادرًا على السيطرة تمامًا على المناطق في لبنان ، خاصةً إذا قرر العدو دعم القوى الداخلية ضده. لا يمكن للحزب أن يواجه خصمين معًا وأن يحارب في جبهتين. لذلك يجب أن يختار أولوياته. يتضح من خطابه أن الخطاب العلني سيوجه للعدو الخارجي ، بينما سيوجه نشاطه الميداني ضد العدو الداخلي الأضعف. ولكن هذا المعارضة ستستمر حتى يقرر طهران إرسال كل قواتها إلى القتال مع إسرائيل أو إذا قررت أن تكتفي بما يحدث في غزة. هذا هو قرار القيادة الإيرانية.
والتلخيص هو أن الحزب سيستفيد من مرحلة توتر العلاقات مع العدو الخارجي لتجنب خيانته، ولكن الغير معروف هو ما سيحدث خلال هذه الفترة، حيث يمكن أن تحدث ثلاثة تطورات، إما دخول إيران في الحرب، أو ضربة استباقية من إسرائيل، أو انهيار داخلي في لبنان يتسبب في انتفاضة ضد الحزب.
وبالتالي، يتم التحكم في المعادلة حالياً من قبل الحزب حتى ينتهي، ولا نعرف من سيكون المسؤول عن ذلك.
* عبد المنعم فياض سعدون - كاتب صحفي وباحث سياسي فلسطيني
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com