الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 17 / مايو 15:01

هل ذقتم كرز الجولان؟


نُشر: 23/06/06 12:16

1- انه الجولان السوري الذي لن يظل محتلا بل سيزول الاحتلال الرابض على صدره قريبا بإذن الله تعالى لأن سنن الله تعالى قد علمتنا أنه ما من احتلال كان أو سيكون مهما كانت قوته وجبروته ومهما كانت أسلحته وجيوشه ومهما كانت مخابراته وسجونه فهو زائل ومندثر وكذلك الاحتلال الاسرائيلي للجولان السوري سيزول وسيندثر وسيعود الجولان الى سوريا عودة الفرع الى الأصل وعودة الابن الى أمه وعودة اللاجئ الى بيته، ( انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) .
2- إنه الجولان السوري الخلاب بجماله والخطاف للعيون بنضرته والسالب للعقول ببهائه ، وكيف لا يكون كذلك وكل من زار الجولان وساح برهة من الزمن بين سفوحه وسهوله وأوديته سيجد نفسه محفوفا بهذا الجمال والنضرة والبهاء ، فهنا سيجد نفسه محفوفا ببساتين التفاح التي فاح مسك زهرها وتدلت حبيباتها منتشرة بين الأغصان كانتشار النجوم في السماء ، وهناك سيجد نفسه محفوفا ببساتين الكرز الأحمر القاني والكرز الأصفر الشفاف والكرز متعدد الألوان وقد تلاحمت آلاف من هذه الثمار الشهية مع منابت أغصانها وانحنت محدودبة في الهواء وكأني بها أذرع أهل الجولان قد امتدت مرحبة بكل من زارهم ومرددة : أهلا وسهلا ومرحبا بمن حل علينا من أهلنا من كل مكان ، ومن ساح أكثر في ربوع هضاب الجولان سيجد نفسه محفوفا بكروم العنب التي تدلت بأوراقها وعناقيدها منحنية مع انحناءات الهضاب اللطيفة الأبية وكأني بها انحناء تواضع المضيف بهامته بعض الشيء إبتهاجا بقدوم زواره عليه ، وما أجمل هذه الكروم لمن نجح أن يتعقبها جيدا فسيجد أنها قد غطت بصمت وحنان سلاسل الصخور الطويلة والكثيرة التي تحيط بتلك البساتين وكأني بهذه الكروم يد ام سهرت ليلها وباتت تربت بعطف وحب ورحمة على وجه إبنها تمده بالحفظ والعناية ، وفوق كل ذلك إن من ساح بين هذه الهضاب الخضراء سيجد نفسه محفوفا بهامات اشجار السفرجل العملاقة وكأني بها قد انتصبت هذه الانتصابة الحرة عن سبق إصرار في وجه الاحتلال كل الاحتلال الاسرائيلي بمدرعاته ومستوطناته وأزلامه وأحلامه ، وكأني بها تصرخ فيه ليل نهار : مكانك نحن هنا ... نحن هنا أبد الدهر وأنت الطارئ المؤقت المندثر.
3- لذلك لن أبالغ ولن أغالي إذا قلت ان الجولان السوري بات بهذه اللوحة الجمالية الدائمة محط ترحال كل رسام مبدع بات يرسم لفجر الحرية القريب عقيب ليل الاحتلال الاسود ، وبات بهذه اللوحة المورقة المشرقة محط ترحال كل شاعر أصيل ادرك منذ اول بيت شعر جادت به أخيلته ان للشاعر مهمة في الحياة وهي مقاومة الظلم ونصر المستضعفين وإلا فهو شاعر شعير وبلاط ودولار، وبات بهذه اللوحة الأصيلة الخاشعة محط ترحال كل ذي لب سليم وقلب مرهف يطيب له دائما وأبدا ان يسبح الله تعالى وان يرى بديع صنعه من خلال خلق السموات والأرض وإختلاف الليل والنهار وانتصاب الجبال وحفيف أوراق الأشجار وزقزقة الطيور بألف لغة ولغة وتلاحم التراب مع ينابيع المياه ومع جهد الإنسان الصامد والمكافح .
4- إنه الجولان السوري الذي بات لسان حال كل ذرة تراب فيه تنادي وتنادي بهمس المحب الحريص : يا أهلي ويا احبابي إن من تقرب إليّ بالأشتال تقربت إليه بالأشجار ، ومن تقرب إليّ بالفسائل تقربت إليه بالخمائل ، ومن تقرب إليّ بالبذار تقربت إليه بالثمار ، ومن تقرب إلي بسواقي المياه الملاح تقربت إليه بالكرز والعنب والسفرجل والتفاح !! يا أهلي ويا أحبابي هذا انا بكم ولكم ومنكم وإليكم وهكذا انا معكم أبد الدهر لن أرضى عنكم بديلا ، كالأم مع أبنائها فهل رأيتم أُماً ترضى بديلا عن ابنها ، وكالجسد مع الروح فهل رأيتم جسدا يعيش بلا روح ، وكالسمك مع الماء فهل رأيتم سمكاً يسبح بدون ماء ، وكالشمس مع الفجر الصادق فهل رأيتم فجرا صادقا بدون شمس تتململ للشروق !! نعم يا أهلي ويا أحبابي هذا أنا وهذا أنتم ، فإن كنتم العين فانا جفون هذه العين ، وان كنتم الصدر الكبير فأنا القلب النابض فيه بالحياة ، وان كنتم الهامة المنتصبة في وجه الظلم فأنا غرة هذه الهامة !! نعم يا أهلي ويا أحبابي هذا هو العهد الذي بيننا فالعهد العهد والوفاء الوفاء .
5- نعم هذا هو خطاب كل ذرة تراب من الجولان السوري وما أصدق هذا الخطاب ، فإن من يشد رحاله إليه في موسم التفاح فسيظن ان كل تفاح الدنيا قد انبته الله تعالى في الجولان السوري ، ثم اذا ذاق هذا الزائر الكريم حلاوة تفاحة من هذا التفاح فسيوقن أنه لا تفاح بعد اليوم إلا في الجولان ، ويوقن ان الجولان كفاه فخرا بتفاحه ، ولكن هذا الزائر الكريم ان شد الرحال الى الجولان في موسم الكرز فسيظن ان كل كرز اهل الأرض قد خص الله تعالى به الجولان السوري ، ثم اذا ذاق عصارة كرزة واحدة فسيوقن انه لا أحلى ولا أطيب ولا أصفى ولا ألذ من كرز الجولان ، ويخطئ من يظن ان مفاجآت الجولان تقف عند هذا القدر حيث ان الزائر الكريم ان شد الرحال الى الجولان في موسم العنب فسيجد انه قد ولد لعنب الخليل أخ شقيق ألا وهو عنب الجولان ، وان شد الزائر الكريم الرحال الى الجولان في موسم السفرجل فسيكتشف ان كل اهل الأرض عالة على سفرجل الجولان ، ثم ماذا ؟! سيكتشف هذا الزائر الكريم ان الجولان عطاء وليس ككل عطاء !! فهو عطاء بلا توقف يرفد أهله بالخير والبركة والأرزاق في كل فصل من فصول السنة وكأني بثماره المختلفة قد تقاسمت الأيام بينها وتناوبت تملأ كل الفصول بظل ظليل وزهر فواح وثمر يانع ونضرة دائمة أبد الدنيا ، وهو عطاء من لا يخشى الفاقة حيث انه ما خص قرية دون قرية في رحاب الجولان السوري ، بل ان هذا العطاء بهذه الخصائص تلقاه منذ ان تطأ قدماك أول بقعة في الجولان السوري حتى آخر بقعة فيه !! نعم هو عطاء تلقاه بل يلقاك في مجدل شمس وفي بقعاثا وفي عين قينيا وفي بقية نجوع الجولان السوري وضيعاته وأريافه .
6- ومن العدل ان نقول ومن الحق ان نصرح ان الجولان السوري ان جسد لكل زائر كريم هذه اللوحة الجمالية الخلابة فإن الجولان السوري في نفس الوقت لا يزال يجسد مدرسة العربي السوري العاض على حقه بأسنانه والمتشبث بكل ارضه بأظافره والمنزرع فيها كطول إنزراع الجذور في التراب بل أطول ، نعم انه ذاك العربي السوري الذي اصطدم بالصخور العملاقة تغطي ارضه في بداية العهد معها فحطم تلك الصخور وأحالها إلى تراب ينعم بالحياة !! وهو ذاك العربي السوري الذي سعى الإحتلال الاسرائيلي ان يتحايل عليه وان يسلب منه ينابيع مياه الجولان الغزيرة المتدفقة ، فلم تنكسر المعنويات ولم تتهلهل العزائم ولم تستسلم الهمم لجبروت الاحتلال ولا لكل ممارساته الظالمة ، بل سارع هذا العربي السوري وأقام لنفسه وأرضه مئات الخزانات الحافظة لما تجود به السماء باذن الله تعالى من غيث كل عام وهكذا مضى هذا العربي السوري يروي أرضه تاركا خلفه الاحتلال الاسرائيلي يصلى نارا خبيثة ، وهو العربي السوري الذي بات يجمع بين استثمار الأرض والمال والقدرات العلمية الذاتية ، فادخل ولا يزال يدخل الى ارضه كل جديد من زرع يصلح أن ينمو ويثمر في الجولان السوري ، وادخل ولا يزال يدخل الى ارضه كل جديد من وسائل الري الحديثة ، ومن وسائل حفظ ثمار الارض ، ومن وسائل صيانة الأرض وتعقيمها .
7- وفي نفس الوقت فإن الاهتمام بالارض وصيانتها لم تله هذا العربي السوري عن ذكر حاضره الاسلامي العربي الجريح ولم تلهه ولا للحظة واحدة عن ذكر الحنين الدائم للأم سورية ، سورية التاريخ الاسلامي العربي المجيد والحاضر الصابر والمجد القادم المنتظر ، ولم تلهه ولا لطرفة عين وإنتباهتها عن الاهتمام الدائم بآلام وآمال البيت الفلسطيني والمسيرة الفلسطينية وخاصة حال القدس الدامية والأقصى الاسير ، ولقد أكرمني الله تعالى وكنت في زيارة الأهل هناك في مطلع هذا الاسبوع وكنت كلما دخلت بيتا من بيوت الأهل هناك وجدت مئات الصور لمئات الشخصيات من أمتنا الاسلامية وعالمنا العربي قد قاموا بتعليقها على استار جدران بيوتهم الداخلية ، حتى ليخيل لك انك كلما دخلت بيتا فانت في معرض صور لثوار أحرار قد وقفوا في وجه الاحتلال الفرنسي والبريطاني والاسرائيلي ، وأنت في معرض صور لأسرى الحرية الذين لا يزالون يدفعون ضريبة العزة مع كل اشراقة شمس وغروبها نهارا وليلا قابعين خلف القضبان في السجون الاسرائيلية ، وأنت في معرض صور لمشاهد من مواقف مصيرية مرت على أمتنا الاسلامية وعالمنا العربي .
8- واما عن كرم الأهل في الجولان فهو جزء من كرم ارض الجولان وجبالها وسهولها وأوديتها ، ومن يدري لعل هذا الكرم اللا محدود لأرض الجولان وجبالها وسهولها وأوديتها هو جزء من كرم الأهل هناك ، لأنك إن زرت أي بيت هناك فستدخل هذا البيت بسهولة ولكنك لن تخرج منه إلا بشق الأنفس ، حيث ستجد نفسك أنك مضطر حتى تنجح بالخروج من البيت أن تقطع محطات من الكرم المتواصل التي كلما ظننتها انقضت تمادت ، ولا أقصد كرم المأكولات والمشروبات فقط ، بل هو كرم طلاقة الوجه وطيب الكلام وحسن الضيافة ودماثة الخلق وصفاء المعاملة ودوام الترحاب وتواصل الإبتسامة ثم ماذا ؟! أنا انصح من يريد أن يزور الأهل في الجولان انه ان كان قد وضع لنفسه زيارة خمسة بيوت هناك فليأخذ بعين الاعتبار ان هذا الرقم سيتضاعف لا محالة ولن ينفع الزائر الكريم أي عذر كان ، وسيجد نفسه اسيرا بكل أدب وغبطة للعشرات الذين يصرون عليه أن يزور بيوتهم بعد ان يتضاعف عدد الزيارات أصلا !!نعم هذا هو كرم الأهل في الجولان ترحابا بضيفهم ، وفوق ذلك هم كرام مع قضيتهم المصيرية وهي مستقبل الجولان ، لذلك هناك العشرات من اسرى الحرية ومن اسيرات الحرية من الأهل في الجولان الذين لا يزالون يقبعون خلف القضبان في السجون وقد مرت على بعض منهم عشرات السنوات ولا يزالون يحملون في صدورهم اليقين بعودة الجولان الى سوريا الأم وعودتهم الى الجولان البيت .
9- ولعل ما مَيَّز هذه الزيارة التي أكرمني الله تعالى بها للأهل في الجولان في مطلع هذا الاسبوع والتي كنت فيها من ضمن وفد ضم الأستاذ محمد زيدان ابو فيصل رئيس هيئة الوفاق الوطني في الداخل الفلسطيني والاستاذ محيي الدين خلايلة ، لعل ما مَيَّزها هو الشيء الكثير ولكن كان من ضمن هذه الزيارات الرفيعة زيارة الاسيرة المحررة أمال مصطفى محمود من قرية مجدل شمس والتي تحررت من أسرها قبل أيام بعد ان قضت في السجون الاسرائيلية قرابة الخمس سنوات ، نعم زرنا تلك الاسيرة المحررة وجلسنا معها وسمعنا منها ، فوجدناها تلك الاسيرة التي تتجمل بالصمت إلا عند الضرورة وان تكلمت سمعت منها حديثا يعبر بكل كلمة فيه عن معاني صفاء الانتماء الى الأم سورية والى هذا المحيط الاسلامي العربي الكبير ، ويعبر بكل كلمة فيه عن إعتزازها بالدور الذي قامت به وبالثمن الذي دفعته مناصرة لقضية الجولان الاساس والمصيرية !! وكم كانت فرحتي عندما قدمت لي هدية كتبت عليها ما يلي :" اهداء الى فضيلة الشيخ المناضل رائد صلاح مع خالص التحية والاحترام ، الأسيرة امال محمود الجولان السوري المحتل . حزيران - 2006م" أتدرون ماذا كانت تلك الهدية ؟! لقد كانت سبحة او كما نسميها في بلادنا "مسبحة" ، ولكنها مسبحة ذهبية تتكون من ثلاث وأربعين حبة وخرزة بيضاء وأوراق معدنية مذهبة ، وعندما قدمت هذه الاسيرة المناضلة هذه الهدية قالت بكل افتخار واعتزاز : لقد صنعتها في سجني !! وأنا بدوري أقول اسأل الله تعالى أن يوفقني وان يوفقك يا أخت امال مصطفى محمود الى كل ما يحب ويرضى . والسلام على ارض الجولان والسلام على الأهل في الجولان ، ولن يطول الوقت حتى نزوركم مباركين بعودة الجولان المحررة الى الام سورية ، وسنبقى على موعد دائم مع كرز الجولان ومع تفاحه وعنبه وسفرجله ، وخسر الكثير من لم يذق كرز الجولان فهل ذقتم كرز الجولان ؟!

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.71
USD
4.03
EUR
4.71
GBP
246889.50
BTC
0.51
CNY