الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 17 / مايو 06:02

محمود درويش.."انت منذ الآن,غيرك"...


نُشر: 30/12/07 07:45

غارة صهيونية يسقط خلالها إنسان فلسطيني، مدنياً كان أو مقاتلاً، وعلي الفور يحصل هذا الإنسان الفلسطيني علي لقب شهيد أما حين يسقط إنسان فلسطيني آخر برصاص "فتح" أو برصاص "حماس" فإنه يحرم من لقب شهيد ولا يحصل إلا علي لقب قتيل وبالطبع فإن اللقب، أيا كان، لا يستطيع أن يعيد الحياة لمن فقدها بثمن غالٍ أو رخيص أو بالمجان؟ 

يستطيع المتابع لروائع محمود درويش الشعرية أو لكتاباته النثرية علي حد سواء أن يرصد مرحلتين متعاقبتين، الاولى: مرحلة - مواجهة الإنسان الفلسطيني للاحتلال الاسرائيلي الذي أقام دولة عنصرية استيطانية، وخلال تصوير محمود درويش لهذه المرحلة الأولى، كنا نجده متشبثاً بالأمل، ومؤمنا بأن آخر الليل نهار، وأن أرض الوطن لابد أن تستعاد ممن اغتصبوها، وهم العابرون في كلام عابر .. أما المرحلة الثانية التالية: فهي مرحلة مواجهة الإنسان الفلسطيني للاحتلال الاسرائيلي وللأنظمة العربية الشقيقة في آن واحد، حيث تأتي النار من اتجاهين وليس من اتجاه واحد، من اتجاه الصهاينة، ومن اتجاه الأشقاء وفي هذه المرحلة كنا نجد محمود درويش معاتباً لهؤلاء الأشقاء الذين لم يكتفوا بالتفرج على ما يجري أو بالصمت على ما يرتكب من جرائم أمام عيونهم، وإنما بالمشاركة في القتل من خلال التواطؤ أو التحريض السري، وكان العتاب الموجه - في هذه المرحلة - يبدو هادئاً وناعماً أحياناً، كما كان يبدو قاسياً وجارحاً في أحيان أخرى..!

بعد هاتين المرحلتين المتعاقبتين اللتين يمكن رصدهما عبر روائع محمود درويش الشعرية وكتاباته النثرية، تواجهنا الآن مرحلة جديدة، لا أعتقد أن الشاعر العظيم نفسه كان يتوقع حدوثها، ففي المرحلتين السابقتين كان هناك إيمان لا يتزعزع بالنقاء الثوري الفلسطيني، لكن هذا الإيمان سرعان ما تزعزع، بل تقوض وانهار، منذ أن أقدم الفلسطيني على قتل أخيه لمجرد الاختلاف في الرؤية وفي التوجه، وهذا ما أوضحه محمود درويش في مستهل مقاله البديع: هل كان علينا أن نسقط من علو شاهق، ونرى دمنا على أيدينا.. لندرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟

أمر مخجل ما حدث ويحدث في اراضينا الفلسطينية المحتلة. ليس أن يقتل الأخ أخاه فقط، بل أن يستعين بعض الفلسطينيين بأعدائهم للإنتصار (ولو بالظاهر) على أخوتهم - بمعنى آخر، الإنتصار على أنفسهم، مع أن هذا "الإنتصار" هو ليس اكثر من هزيمة للذات. ففي حين أن الطائرات والدبابات والصواريخ لم تهزمهم، هزمتهم ذاتهم العمياء المريضة وأخذتهم نشوة "الهزيمة" فتراهم يحتفلون بالنصر المؤزر المدعوم بدولارات ومساعدات الغرب "السخية" التي لا تظهر سوى في مصائب الشعوب. هذه الدولارات غير المرئية حين تحتاجها الشعوب في نصرة الحق والعدالة. إنه لمن المخجل ان اقوم بكتابة هذا المقال بصورته هذه لأني لن أستحمل شماتة العدو بنا لما آلت إليه أحوال الشعب الفلسطيني مع أني لا أشك أن الشماتة لن تأتي من الغريب فقط، بل أتوقعها من الإخوة العرب على السواء، ولن ألومهم في ذلك. نعم، فليس في الحكاية إلا المذلة والهوان، والشمس لا تحجب بغربال. بعد أن هانت على أنفس القادة المعظمين في "فتح" و"حماس" والسلطة الوطنية الفاسدة - عذابات الأرض المغتصبة والأمهات الثكلى. منذ متى كان لون العلم الفلسطيني أخضر اللون؟ وهنا استذكر مقولة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش "إلى أن صحوت من الغيبوبة على علم بلون واحد يسحق علماً بأربعة الوان .. على أسرى بلباس عسكري يسوقون أسرى عراة, فيا لنا من ضحايا في زي جلادين"..!

ومنذ متي أصبحت مقاومة الفساد إنقلاب على الشرعية؟ وأي شرعية يتكلم عنها السيد الرئيس الفلسطيني صاحب الكتاب ذو الصفحات الـ 600 التي كتبها بعد أوسلو ولم تتضمن كلمة "الإحتلال" ولو لمرة واحدة؟ هل اصبح اللون الأخضر هو رمز النضال؟ وهل أصبحت الشرعية ما شرع البيت الأبيض وليس ما شرعه الشعب الفلسطيني وجميع المواثيق الدينية والدنيوية؟ هل أصبحت عصابات "القوة التنفيذية" هي الشرعية وجميع أجهزة السلطة الأمنية (الشريف والوطني منها كما العميل والفاسد) مرغمة على إطلاق اللحية وتقصير الجلباب حتى يرضى عنها شيخنا؟ هل اصبح "جهاز الأمن الوقائي" هي الدرع الواقي من الإحتلال وكل ما عداها إنقلاب على الشرعية والسلطة؟ وأي سلطة هذه التي يتحاربون عليها؟ سلطة المال والدولة المنهوبة؟ أم سلطة الحق والقانون الحاضر الغائب في كل المناسبات؟ أم سلطة الدين والشريعة والشيخ الذي لا يفرق بين "الجامع والجامعة" - كما قال شاعرنا محمود درويش؟ ستون عاما مضت منذ نكبة فلسطين، وأربعون عاما منذ النكسة، لم تهزم فيها إرادة الشعب الفلسطيني من أعدائها، هزمتها الرايات الخضر من جانب، والفساد المستشري في أروقة السلطة الفلسطينية الهرمة من جانب آخر. في الماضي كان الهدف هو تحرير الأرض، كل الأرض، ثم تنازلنا وإكتفينا بقبول الضفة الغربية وغزة، أما اليوم فقد اصبح الهدف هو البقاء في السلطة بغض النظر إن كانت هذه "السلطة" لا تتجاوز غرف المكاتب التي يقبع بها هذا النظام. فأي سلطة، وأي شرعية وأي دولة يتحدث عنها هؤلاء المساكين؟ هل يتوقعون أن يقبل الإحتلال بسلطتهم التي يحلمون بها؟ وإذا إفترضنا أن إسرائيل قبلت، هل يحلمون بأن الشعب سيقبل بها ويغفر لهم؟ وبأي ثمن تشترى الشرعية؟ هل ثمنها بضع مئات ملايين من الدولارات التي ستقبضها الحكومة المؤقتة - إن قبضت دولارا منها؟ وهل سيكون عمر الوزارة الجديدة "المؤقتة" بعمر المجلس الوطني الفلسطيني "الأزلي"؟ وماذا عن غزة وأهل غزة؟ ترى كم سيكون ثمنهم؟ وماذا عن الملايين الستة من فلسطينيي الشتات، كم ثمنهم؟ من يمثلهم؟ ومن يحميهم؟ ومن يدافع عن حقوقهم؟ وماذا بإخواننا "الحماسيين"؟ أين ذهب تاريخ النضال الشعبي المراق في شوارع غزة؟ هل إرتداء المذيعات الفلسطينيات في تلفزيون فلسطين أهم من ستر عورات ورؤوس اللاجئين في الداخل والشتات؟ من سوى "المجاهدين" من "حماس" يدنس علم بلاده ويستبدله بخرق خضراء؟ رمز الأمة الذي ضحي الألاف من الشهداء بحياتهم حتي يبقي هذا العلم خفاقا بين كل الرايات وفي كل الميادين... أصبح اليوم مداسا لأحذية الأخوة الحماسيين ويطلبون نصرة من شعبهم بعد أن نجسوا دم شهدائهم بفعلتهم. ولكن لا غرابة فيمن إتخذوا من كابول طريقا لتحرير الأقصى. أن تأخذ غزة وأهلها رهينة لتساوم عليها، وتساوم من؟ تساوم خاطف غادر آخر لا يقل عن "حماس" بالغطرسة والتعالي – "السلطة الشرعية" وحكومة عباس؟. مجرمان والضحية واحدة: تاريخ وشعب ومستقبل واحد. المنتصر منهم خاسر، والخاسر منهم خاسر أيضا. اليوم غزة وغدا رام الله وبعدها الخليل وبعدها جنين، إلى ما لا نهاية، بل النهاية قد بدأت، ولكن ليس لضياع الأرض، بل النهاية بدأت للفاسدين من هذا الشعب والتائهين على طرق كابول. إن الشعب الفلسطيني لم يكن يوما جبانا ولا ضعيفا حتى يساق للذبح، والتاريخ شاهد. إن ما حدث ويحدث اليوم هو أفضل ما جناه الشعب منذ عشرات السنين. قبل أقل من عامين، لفظ الشعب الفلسطيني الفاسدين منه بالإنتخابات الحرة وكشف عنهم الغطاء وإستبدلهم بمن ظن أنهم أجدر، ولكن، اليوم تكشفت كل الرؤس الصلعاء (مع إحترامي للصلع) وحان قطافها...!! التاريخ لا يرحم، والمستقبل لا يؤجل، ومصير الزمرتين في مزابل التاريخ. إن تاريخ الشعوب لا يباع ولا يشترى، وكذلك المستقبل. إن ما بني على خطأ لا يصلح إلا بالهدم والبناء من جديد.

وأختم بما قاله شاعرنا الكبير، محمود درويش تحت عنوان "يوميات"، قال: هل كان علينا أن نسقط من علو شاهق، ونرى دمنا على أيدينا… لندرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ وهل كان علينا أيضا أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقي حقيقتنا عذراء؟ كم كذبنا حين قلنا: نحن إستثناء! أن تصدق نفسك أسوأ من أن تكذب على غيرك! أن نكون ودودين مع من يكرهوننا، وقساة مع من يحبوننا - تلك هي دونية المتعالي، وغطرسة الوضيع! أيها الماضي! لا تغيرنا… كلما إبتعدنا عنك! أيها المستقبل: لا تسألنا من أنتم؟ وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضا لا نعرف. أيها الحاضر! تحملنا قليلا، فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل! الهوية هي: ما نُروث لا ما نَرث. ما نخترع لا ما نتذكر. الهوية هي فساد المرآة التي يجب أن نكسرها كلما أعجبتنا الصورة! تَقَنّع وتشَجَع، وقتل أمه.. لأنها هي ما تيسَر له من الطرائد.. ولأن جندية أوقفته وكشفت له عن نهديها قائلة: هل لأمك، مثلهما؟ لولا الحياء والظلام، لزرت غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد، ولا اسم النبي الجديد! ولولا أن محمدا هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابة نبي، ولكل صحابي ميليشيا! أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين إن لم نجد من يهزمنا ثانية هزمنا انفسنا بأيدينا لئلا ننسي! مهما نظرت في عيني.. فلن تجد نظرتي هناك خطفتها فضيحة! قلبي ليس لي… ولا لأحد. لقد استقل عني، دون أن يصبح حجرا. هل يعرف من يهتف على جثة ضحيته - أخيه “الله أكبر”. أنه كافر إذ يري الله على صورته هو: أصغر من كائن بشري سوي التكوين؟ أخفي السجين، الطامح إلى وراثة السجن، ابتسامة النصر عن الكاميرا. لكنه لم يفلح في كبح السعادة السائلة من عينيه. ربما لأن النص المتعجل كان أقوى من الممثل. ما حاجتنا للنرجس، ما دُمنا فلسطينيين. وما دُمنا لا نعرف الفرق بين الجامع والجامعة، لأنهما من جذر لغوي واحد، فما حاجتنا للدولة… ما دامت هي والأيام إلى مصير واحد؟ لافته كبيرة على باب ناد ليلي: نرحب بالفلسطينيين العائدين من المعركة. الدخول مجانا! وخمرتنا… لا تسكر!. لا أستطيع الدفاع عن حقي في العمل، ماسح أحذية على الأرصفة. لأن من حق زبائني أن يعتبروني لص أحذية - هكذا قال لي أستاذ جامعة! "أنا والغريب على ابن عمي. وأنا وابن عمي على أخي. وأنا وشيخي على". هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة، في أقبية الظلام. من يدخل الجنة أولا؟ من مات برصاص العدو، أم من مات برصاص الأخ؟ بعض الفقهاء يقول: رب عدو لك ولدته أمك!. لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة. ولكن، يغيظني أنصارهم العلمانيون، وأنصارهم الملحدون الذين لا يؤمنون ألا بدين وحيد: صورهم في التلفزيون!. سألني: هل يدافع حارس جائع عن دار سافر صاحبها، لقضاء إجازته الصيفية في الريفيرا الفرنسية أو الايطالية… لا فرق؟ قلت: لا يدافع!. وسألني: هل أنا + أنا = اثنين؟ قلت: أنت وأنت أقل من واحد!. لا أخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد التأليف. ولكني أخجل من بعض ما جاء في مقدمة ابن خلدون. أنت منذ الآن، غيرك..! 

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.69
USD
4.01
EUR
4.68
GBP
242689.76
BTC
0.51
CNY