في إحدى الممالك البعيدة والجميلة , عاش ملكٌ عادل , أحبَّهُ شعبه حُبّاً جمّاً , ممّا زادَ من سعادته..
وما كان ينقص هذا الملك شيء إلا أن يمُنَّ الله عليه وعلى زوجته بطفلٍ يملأ القصر بهجةً وسعادة , خاصّةً أنّه وزوجته الملكة أضحيا كبيرين في السّن.
وكان الملك والملكة يصلّيان في كل ليلة لله أن يرزقهما ولداً.
في إحدى الليالي , ظهر ملاك للملك في المنام وأخبره أنّ الله استجاب لصلاتهما, وأنّ الدليل على ذالك سيكون قلادة فِضيّة جميلة مطروحة عند البوّابة الخارجية للقصر , وتابع الملاك حديثه قائلاً : "احتفظ بهذه القلادة حتّى تلد زوجتك أميرة جميلة , فقلّدها ايّاها , ولكن احذر من ضياعها , لأن في ذالك هلاك الاميرة التدريجي"
وكانَ ما كان , فولدت الملكة بعد شهور تسعة طفلةً جميلة , شقراء الشّعر , زرقاء العينين , أسمياها جلّنار.
فرحّ الملك وزوجته فرحاً كبيراً, ورقصَ الشعبُ وغنّى ابتهاجاً, ولم ينسَ الملك فقلّدَ الأميرة القلادة الفضيّة منذ اليوم الأول لولادتها.
مرّت الأيام والقلادة الفضيّة تُزيّن عُنُقَ الأميرة , وهي تحظى برقابة واهتمامٍ كبيريْن ومع الأيام كبرت الأميرة جلّنار وأضحت صبيّةً كقلب الصباح , فأسرت قلوب جميع شبّان المملكة , وتهافت الامراء والنبلاء من شتّى الممالك يطلبون يدها , وهي تتمنّع وترفض قائلةً : "لم يحن ِ الوقتُ بعد ! "
وفي إحدى الليالي الربيعيّة الجميلة , أقام القصر احتفاءً بعيد ميلاد الاميرة جلّنار الثامن عشر حفلةً حفلاء , دُعيَ إليها الامراء والنبلاء من المملكة وخارجها , فرقصت الاميرة جلّنار وغنّت بصوتها الشجي, فسحرت كل الحاضرين .
استمرت الحفلة حتى الساعات الصّغرى من الليل . ولمّا انفضّ عقد المدعوين أصاب الوهن والضعف الاميرة جلّنار , فاعتقد الجميع أنّ التعب هو السبب , ولكن الملك كان له رأي آخر , فقد أسرع وفتّشَ عن القلادة الفضية في عنق الاميرة , ولشدّ ما كان حزنه كبيراً حين تأكدَ له أنّ القلادة قد ضاعت.
مرَّ يومٌ ويومان والاميرة ترقد في أتون من الحُمّى , والملك والملكة والشعب في حزن شديد , يُفتّشون في كلّ زاوية من زوايا القصر والمملكة لعلهم يقعون على أثر لهذه القلادة الفضيّة , ولكن بدون جدوى .
لم يجد الملك بُدّاً من الإعلان للشعب بأنّه سيُزوّج الاميرة جلّنار لمن يجد القلادة , بل وسيعطيه نصف مملكته .
طار الخبر إلى أقاصي الأرض , وجاء الأمراء من كل البلدان للبحث عن القلادة الفضيّة , في حين استمرت حالة الاميرة تسوء يوماً بعد يوم .
وفي أحد الايام والاميرة تحتضر , والحزن يُخيّمُ على القصر وأهله , جاء شابٌ وسيم , يرتدي الملابس الرّثة البالية , وأراد أن يدخل القصر , فمنعه الجنود , فأخبرهم أنه غريب الديار جاء هذه المملكة يبحث عن عمل, فوجد قبل مدة قصيرة عند البوابة الخارجية للقصر قلادة فضيّة , يعتقد أنها لأحد سكّان القصر !!.
طار الحُرّاس من الفرح , وحملوا الشاب الغريب إلى الداخل , حيث الاميرة ومن حولها الملك والملكة يبكيان, وما أن رأى الملك وزوجته القلادة , حتّى هبّا فرحيْن , وأسرع الملك فوضع القلادة في عنق الاميرة جلّنار .
ويا للعجب!! ...لقد بدأت الحياة تدُبُّ رويداً رويداً بأوصال الاميرة, وعادت حُمرة الشّفَق تُلوّن خدّيْها, وأخذت الابتسامة تُزيّن مُحيّاها الجميل .
لم يعرف الشاب الغريب ما يجري حوله ,فالكلّ يرقص ويغنّي , فانسلّ من بين الجموع دون أن يراه احد.
وعندما استفاق القوم من فرحتهم , فتّشوا عن الشاب الوسيم , صاحب الملابس الرّثة , فلم يجدوه....
وما زالوا يبحثون عنه حتى اليوم, والاميرة جلّنار تنتظر وتنتظر .
فان صادفتم يا أحبائي الاطفال في طريقكم الى المدرسة شابّاً وسيماً , رثّ الثياب , فربما يكون هو الغريب , فالاميرة جلّنار تنتظره وتنتظركم !!