النائب ابراهيم صرصور في مقاله:
الانجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الاسرائيلي يواجه تحديات من الداخل ومن الخارج
العدو الأول للشعب الفلسطيني وقضيته هو الاحتلال الاسرائيلي وهو الذي يقود تحالفا عالميا مصابا بالعمى ينحاز اليها دون تردد رغم ما يرتكبه من انتهاكات
الانقلاب الدموي في مصر بقيادة السفاح السيسي على الشرعية جاء ليصب الزيت على نار الانقسام الفلسطيني خصوصا وأن السلطة الفلسطينية في رام الله انحازت الى الانقلاب علنا
لن تخيف جرائم اسرائيل البربرية شعبنا الفلسطيني الذي قرر الانتصار مهما كلفه ذلك من تضحيات وعليه فمن مصلحة العالم ان يبدأ بالتحرك الفوري للجم الحكومة الاسرائيلية ووقف حربها الدموية على غزة
تَعْبُرُ سفينة القضية الفلسطينية في هذه الايام في مرحلة دقيقة، الانجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الاسرائيلي، يواجه تحديات من الداخل ومن الخارج، يمكن ان يكون الانجاز الذي تحقق في غزة بكل المعايير وبالرغم من النتائج المأساوية للعدوان الاسرائيلي الوحشي عليها، رافعة لمزيد من الوحدة الفلسطينية والانجازات السياسية والميدانية، ويمكنه ايضا ان يكون سببا في انتكاسة جديدة تعيد الملف الفلسطيني إلى الدائرة المفرغة ودوامة اللاحل التي تسعى إسرائيل لتكريسها في فلسطين المحتلة سواء كان ذلك في القطاع او الضفة أو القدس.
كل شيء متوقف على مدى استيعاب القيادة الفلسطينية في رام الله أساسا لضرورة التمسك بالمطالب الفلسطينية المشروعة بعيدا عن الاعتبارات الفصائلية والصراع على السلطة الذي يُغَذِّيِهِ عداءُ المُكَوِّن العلماني غير المبرر في شعوبنا العربية والاسلامية ضد الاتجاه الاسلامي الذي يسعى للمساهمة في البناء والتنمية من خلال قناعاته وبرامجه، وفي إطار اللعبة الديموقراطية التي من المفروض ان يحتكم اليها الجميع دون غيرها على اعتبارها الأداة الوحيدة لتداول السلطة السلمي لمصلحة الكل الفلسطيني والعربي والاسلامي.
هذه المطالب المشروعة تتحدد في انهاء الحصار نهائيا وبشكل كامل عن القطاع، وفتح المعابر دون استثناء بما في ذلك معبر رفح، وضمان حركة الأشخاص والبضائع من غزة واليها وفي كل الاتجاهات بما في ذلك الضفة والقدس، وبناء المطار والميناء، ومنع أية صورة من صور العدوان الاسرائيلي الساخن او البارد، المباشر وغير المباشر على شعبنا في قطاع غزة، وتحرير الأسرى من سجون الاحتلال، ومعاقبة المعتدين في محاكم جرائم الحرب الدولية. هذا على المستوى الفوري والمرحلي، تمهيدا لبناء صف وطني واحد يدفع بالقضية الفلسطينية الى الأمام على جميع الصعد والمستويات في المرحلة التي تليها.
كلنا يعرف أن العدو الأول للشعب الفلسطيني وقضيته هو الاحتلال الاسرائيلي، وهو الذي يقود تحالفا عالميا مصابا بالعمى ينحاز اليها دون تردد رغم ما يرتكبه من انتهاكات سافرة للقانون والشرعية الدولية، وما يرتكبه من جرائم بشعة في حق الشعب الفلسطيني منذ العام1948 وحتى الآن.
لإسرائيل وسائلها واساليبها الخبيثة وغير الذكية لتفتيت الصف الفلسطيني، لعل ما أعلن عنه جهاز المخابرات الاسرائيلي ( الشاباك ) مؤخرا من اكتشافه المزعوم لخلية من حماس في الضفة والقدس خططت ( لقلب نظام الحكم !! ) في الضفة، وفي هذا التوقيت بالذات، اكبر دليل على محاولات اسرائيل المفضوحة لدق الأسافين بين الاشقاء الفلسطينيين بعدما راوا منهم لُحمةً غيرَ مسبوقة في إطار المفاوضات لوقف العدوان على غزة.
مسارعة ( ابو مازن ) إن صَحَّ ما ورد من أخبار حول هذه المسألة، للطلب بفتح تحقيق حول مزاعم اجهزة المخابرات الاسرائيلية رغم تفاهتها بخصوص ما قالت انه محاولة (انقلاب! ) حمساوية في الضفة، تشير إلى أزمة اتمنى ان تتخلص منها السلطة الفلسطينية، وهي صاحبة الخبرة الطويلة مع إسرائيل وتغذيتها الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني الداخلي دائما، والذي كان بارزا منذ انتخابات 2006 التي فازت فيها حماس بالأغلبية المريحة في الانتخابات البرلمانية، حيث توحدت قوى الاستكبار العالمي ( الرباعية الدولية ) لتحريض الطرف الخاسر في الانتخابات وأذرعه المختلفة ( السلطة/الدولة العميقة ) على قبول النتائج شكلا وعلى حربها بلا هوادة سرا من جهة، واعلان عدم اعترافها بالحكومة الجديدة المنتخبة ديموقراطيا ما لم تعترف بشروطها المعروفة التي كانت سببا في ضياع الحق الفلسطيني لسنوات طويلة من الجهة الأخرى، هذا الواقع دفع ببعض من ثبت لاحقا من خلال مضابط حركة ( فتح ) ومحاكمها انهم كانوا اعداء للشعب الفلسطيني ومصالحه العليا كمحمد دعلان وعصابته، الى التخطيط لانقلاب على الشرعية في فلسطين الأمر الذي أحبطته الحكومة الشرعية في العام 2007، مما أحدث شرخا في المجتمع الفلسطيني سمي ( بالانقسام ) بين غزة والضفة.
جاء الانقلاب الدموي في مصر بقيادة السفاح السيسي على الشرعية ليصب الزيت على نار الانقسام الفلسطيني خصوصا وأن السلطة الفلسطينية في رام الله انحازت الى الانقلاب علنا، ولعبت دورا مأساويا في تحريض الانقلاب على ( خصمها !! ) في قطاع غزة مما كبد الشعب الفلسطيني في غزة خسائر فادحة على المستويين البشري والمادي بسبب سياسة الحصار المشددة التي مارسها نظام الانقلاب بدعم من السعودية ودولة الامارات المتحدة، طمعا في دفع حماس الى اعلان الاستسلام والانسحاب من التاريخ، الا ان المفاجأة كانت صاعقة لكل من راهن على أبدية الانقسام الفلسطيني، حيث سعت حماس بذكاء شديد لتفويت الفرصة على المتصيدين لها والمتربصين بها في الداخل والخارج، بتوقيعها على ( اتفاق الشاطئ ) الذي مهد الطريق لإقامة حكومة الوفاق الوطني وحل حكومتي رام الله وغزة، ليتوحد بذلك شقا الوطن الجنوبي والشمالي تحت مظلة واحدة تمهيدا لمرحلة جديدة تسودها روح جديدة على المستويين السياسي والميداني.
لم تنقشع غيوم التجاذبات بين رام وغزة بالرغم من الاتفاق، وبرزت قضية الموظفين في غزة وعدم دعوة الرئيس (ابو مازن) المجلس التشريعي للانعقاد خلال شهر حسبما نصت عليه بنود الاتفاق، كواحدة من أعراض المرض الذي ما زل يلقي بظلاله السوداء على المشهد الفلسطيني. الا ان حملة اسرائيل على الخليل بدعوى اختطاف وقتل ثلاثة من المستوطنين، دفعت بالشعب الفلسطيني الى الاصطفاف والوحدة من جديد في مواجهة العدوان رغم خطاب الرئيس محمود عباس المثير للجدل في اجتماع وزراء خارجية دول ( مؤتمر التعاون الاسلامي ) في جدة في حينه...
نذكر جميعا الأهداف التي حددتها حكومة نتنياهو منذ بداية الحملة على الخليل والتي تجاوزت بكثير جزئية إرجاع المستوطنين المختطفين إلى حرب شاملة ذات اجندة سياسية تسعى الى إحداث تغيير جذري على مجمل الوضع الفلسطيني. اهداف اسرائيل كما تحددت رسميا على لسان اكثر من وزير . أولا، ارجاع المختطفين . ثانيا، القضاء على حماس والتي تتمتع بثقل كبير في قطاع غزة اكثر من الضفة والقدس . ثالثا، إسقاط حكومة الوفاق الوطني . رابعا، إعادة قوة الردع الاسرائيلية،
القراءة الموضوعية والحيادية لصورة ما حققته إسرائيل من حملتها على الخليل والضفة وحربها الدموية على قطاع غزة والتي ما زالت مستمرة حتى الآن رغم فترات التهدئة المتقطعة، تفيد بأن اسرائيل لم تحقق أيا من اهدافها التي حددتها مما دفع الكثير من الخبراء والمحللين الاسرائيليين اتهام حكومة نتنياهو بالفشل الذريع، والاعتراف بانتصار حماس.
ارجعت اسرائيل مختطفيها قتلى، لم تقضِ على حماس بل زادتها قوة وزادت من التفاف الشعب الفلسطيني والأمة العربية والاسلامية وكثير من شعوب العالم واحراره حولها، لم تُسْقِط حكومة الوفاق الوطني، بل عززت اللحمة بين مكونات الشعب الفلسطيني الذي يدير معركة المفاوضات لوقف عدوان اسرائيل من خلال وفد واحد وموحد، لم تنجح ابدا في تعزيز قوة الردع لجيشها، بل ازدادت هذه القوة تدهورا حيث حول المقاومون نخبة جيش الاحتلال إلى اضحوكة العالم، بل صرح خبراء عالميون ان مقاتلي حماس من افضل المقاتلين على مستوى العالم.
حماس من جهتها تصرفت بصلابة في ميدان المواجهة مع اسرائيل، وبذكاء في ادارة المسار السياسي : القبول بوفد مشترك، القبول بتعيين ابو مازن للوفد بمرسوم، القبول برئاسة عزام الاحمد الفتحاوي للوفد، العمل على صياغة ورقة مشتركة تمثل الاجماع الفلسطيني. رفض المبادرة المصرية الأولى، الحرص على وحدة الموقف الفلسطيني طوال مدة المفاوضات. الخ . حققت بهذا حماس أعظم الانجازات التي لا تقل اهمية عن الانجاز العسكري، وفوتت على المتصيدين في المياه العكرة من الداخل والخارج فرصة اللعب على حبل التناقضات بين أخوة النضال الفلسطيني ومن جميع الفصائل.
يبقى السؤال: هل ستقدم حركة ( فتح ) هي الأخرى نموذجا يسمو الى مستوى تضحيات الشعب الفلسطيني في غزة، فتنسى هي أيضا الصراعات على سلطة وهمية لتصب جهودها إلى جانب أخواتها من فصائل النضال الفلسطيني وعلى رأسها حماس، دفاعا عن القضية الفلسطينية في وجه حكومة إسرائيلية مجرمة تعرف ( فتح ) اكثر من غيرها انها تسعى دائما لتكريس الشرخ في الصف الفلسطيني، وتفريغ السلطة الوطنية الفلسطينية من كل صلاحياتها لتتحول إلى اداة لخدمة إسرائيل وأمنها، ولتعزيز احتلالها لفلسطين دون ان تضطر لدفع فاتورة هذا الاحتلال ؟!!!!،
اثبت العدوان على غزة ان اسرائيل ليست أكثر من دولة فاشية دموية لا تحتكم لا في حرب ولا في سلم إلى المواثيق والقوانين الدولية، وإنما تحتكم لنزعات العدوان والكراهية وحب القتل التي تسكنها، كما تثبت أيضا أن جيشها لا علاقة له بشرف السلاح ولا بأخلاقيات الحرب، وإنما هو أداة فتك تحصد الأبرياء دون تمييز وتزرع الدمار والخراب بشكل وحشي يذكر بأنظمة فاشية قديمة وحديثة.
تظن إسرائيل ان وحشيتها ستدفع الشعب الفلسطيني إلى الركوع. العكس هو الصحيح فقد أثبتت التجربة أن الشعب الفلسطيني أقوى من كل بطش إسرائيل، وإن إرادته في إنجاز الاستقلال وكنس الاحتلال ستنتصر في النهاية مهما كانت التضحيات، وإن الدماء الزكية التي تسفكها إسرائيل لهي وقود الخلاص والتحرير، وهذا ما حصل فعلا، حيث اعترف نتنياهو نفسه ان الجيش فشل في تحقيق النصر.
على العالم ان يفهم انه لا استقرار أو أمن لإسرائيل ولا للعالم، ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه الوطنية. لن تخيف جرائم اسرائيل البربرية شعبنا الفلسطيني الذي قرر الانتصار مهما كلفه ذلك من تضحيات، وعليه فمن مصلحة العالم ان يبدأ بالتحرك الفوري للجم الحكومة الاسرائيلية ووقف حربها الدموية على غزة، والعمل الفوري ايضا على انهاء الحصار وفتح المعابر وعودة الحياة الى مليوني فلسطيني في غزة والى الشعب الفلسطيني في كل ارجاء الوطن، أسوة بباقي شعوب الارض...
لن يفعل العالم ذلك ما لم ير تعاظم الوحدة الفلسطينية، والتي تعني ببساطة ابتعاد الجميع وخصوصا من يمثلون السلطة الفلسطينية وحركة فتح عن السقوط في شباك اسرائيل وحلفائها من انظمة العرب والعالم، ورفض أية مساومة مهما كانت الظروف يمكن ان تضيع فرصة الانطلاق بالملف الفلسطيني الى آفاق جديدة على ضوء الانجاز الكبير الذي حققته المقاومة، أية تجارة بهذا الانجاز لتحقيق مكاسب للسلطة وخيار أوسلو، ولتصفية حسابات مع المقاومة وفصائلها يعني مزيدا من الفشل للقضية الفلسطينية.
قد يسأل سائل وبحق: لماذا تفتح جروح الماضي، لما لا ننظر الى المستقبل، خصوصا ونحن نرى الاصطفاف الفلسطيني في المفاوضات وفي دعم المقاومة وحق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس في وجه الوحشية الاسرائيلية؟
هذا سؤال مشروع، والاجابة عليه بسيطة، الجروح التي افتحها ليست من الماضي ولكنها من الحاضر القريب، هذا اولا، اما ثانيا، فقد يكون من المفيد فتح الجروح مخافة الوقوع فيما كان سببا في وجودها ..... الوضع الفلسطيني لم يعد يحتمل الهزل واللعب، إنه بحاجة الى رجال لا يقبلون الضيم، ولا ينزلون على رأي الفسدة، ولا يعطون الدنية لا في دينهم ولا في وطنهم ولا في شرعيتهم، فهل هذا كثير؟!
* الكاتب رئيس القائمة العربية الموحدة/الحركة الاسلامية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net