الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 13:01

ليدي- مجدلة حنا مشرقي من حيفا: كتابي يعبّر عن عبوري إلى ضفّة الحقيقة!

لقاء خاص بمجلة
نُشر: 17/09/15 16:01,  حُتلن: 09:43

الشاعرة مجدلة حنا مشرقي: 

الموهبة برأيي تتبلور من مسارين الأوّل هو جذر الموهبة هو أنتَ والمسار الثّاني فهو غذاء الموهبة التي تنمو مع تذويت عدّة مفاهيم كالتواصل الناضج مع اللّغة لترجمة الذات التغذية الثقافية الأدبيّة المتنوعة

أحرص على قراءة القصص والكتب والرّوايات وأوّل ما خطّه قلمي كان قصيدة لبلدي إقرث! هذا التّصريح هو ما يجعلني مدركة تمامًا بأنّ الموهبة وحدها تخلق أحيانًا حالة استثنائيّة من الكاتب

أرى أنّ النّساء في الشّرق تحديدًا هنّ محاربات مرفوضات على السّاحة الأدبيّة الفكريّة والاجتماعية وهذا لا يعني أنهنّ فشلن بل العكس تمامًا

السّاحة الأدبيّة هي أقوى المعارك وأكثرها تهديدًا للجهل والكبت والقيود الفكر هو سلاح النّهضة الاجتماعية والذي لا يأخذ حقّه بالعموم من التّعاون الاجتماعي لأسباب عدّة لن نخوض بها الآن

ليدي- أصدرت الشاعرة مجدلة حنا مشرقي ابنة حيفا مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان "ساعة لأحصي الحصى" وهي عبارة عن ديوان يحتوي على 25 قصيدة نثرية تتنوع بين الوجودي، الإنساني، العاطفي، الوجداني والوطني. تعتبر مجدلة الحاصلة على اللقب الأول في اللغة العربية وآدابها من جامعة حيفا، إنّ الساحة الأدبية هي أقوى المعارك وأكثرها تهديدًا للجهل والكبت والقيود، وتقول أنّ الفكر هو سلاح النّهضة الإجتماعية. في هذا اللقاء نتعرف على تفاصيل ديوانها الأول وطموحها وسلامها الداخلي.


الشاعرة مجدلة حما مشرقي 

ليدي: متى بدأت الموهبة الشعرية للشاعرة مجدلة حنا مشرقي ؟
مجدلة: من الصّعب تحديد خط البداية، فالموهبة برأيي تتبلور من مسارين: الأوّل هو جذر الموهبة. هو أنتَ، كإنسان، لا تشبه غيرك في شيء ولكنّك جزء من ذاكرة جماعية تمثل الجانب المكاني، الزّمانيّ للهويّة الأدبيّة وتشكّل منعطفًا أدبيّا فكريّا لفئة منها. أمّا المسار الثّاني فهو غذاء الموهبة التي تنمو مع تذويت عدّة مفاهيم، كالتواصل الناضج مع اللّغة لترجمة الذات، التغذية الثقافية الأدبيّة المتنوعة، هذه أمور تساهم في بلورة الشخصية "المتوازنة" إذا صحّ التعبير، كتبتُ أوّل قصيدة في سن السادسة عشرة، ولم أشعر باكتفاء أو زخم روحي مما أكتب إلاّ في الفترة الاخيرة، بل ولا زالت الحاجة إلى الارتقاء ومواكبة الذات المتطورة، تجتاحني في كل لحظة.

ليدي: في بداياتك الشعرية هل هناك من كان لك عوناً في الاستشارة ؟
مجدلة: من منطلق إيماني بأنّ الكتابة الشّعريّة، النّثريّة بالذّات المتحررة من نُظم الشّعر الكلاسيكي، إمتدادًا إلى شعر التّفعيلة والخواطر، فإنّ هذا التحرر قد لا يُظهر جمال اللغة بقدر جمال الفكرة، الّتي بحث عنها الكاتب في مساره التدريجي مع خط الزّمن، وفي تزاحم النهضة الفكريّة لدى الجيل الشّاب النّاشئ. هذا التّحرّر برأيي يوظّف صيغة فكريّة حصريّة للكاتب في ساحته الإبداعيّة، فهل ستكون لي استشارة عندما تكون كلماتي وأفكاري حصريّة لشخصي المتبلور من جِناتي، من رؤيتي، من ذاكرتي، ومن حنيني؟
أنا يا صديقي أقدّم كتاباتي للحياة، قد يبحث عنها قارئ يشبهني!

ليدي: هل تأثرتِ بشاعرة معينه ام شاعر وهل ترين أن التأثّر ظاهره صحية ؟
مجدلة: قد يُخيّل لك بأنّ ما سأقوله غريب بعض الشّيء، في الواقع أنا لا أذكر متى قرأت آخر قصيدة أو مجموعة شعريّة ولكن أذكر أنّها كانت لبدر شاكر السّيّاب. أنا أحرص على قراءة القصص والكتب والرّوايات، وأوّل ما خطّه قلمي كان قصيدة لبلدي إقرث! هذا التّصريح هو ما يجعلني مدركة تمامًا بأنّ الموهبة وحدها تخلق أحيانًا حالة استثنائيّة من الكاتب، غير مرهونة بأي مدرسة. لا أرى في التّأثّر ظاهرة سلبيّة طالما أنّ القضايا والمواضيع تُطرح في أسلوب يميّز كاتبها.

ليدي: لكل شاعر وشاعرة نمطٌّ معين في كتابة الشِّعر ،ما هو نمط او اتجاه كتابتك، وما يميز " ساعة لأحصي الحصى "؟
مجدلة: أنا أكتب النّثر، ولا أتقيّد بالقافية. وهذا النّمط يساعدني بإطلاق العنان لفكرتي دون تحكّم القافية والقيود الشّعرية في كلماتي، "ساعةٌ لأحصي الحصى" هو محصول عدّة جوانب نضجت في داخلي ولم أرد الفصل بينها. في المجموعة أنت تقرأ الحب، وتقرأ الوطن، والإنسان الحالم، الغامض والباحث عن نفسه، في كل فكرة أطرحها أحاول أن أضع اصبعي على نبض القارئ، أن أترجم أحاسيسه، الكاتب هو الكلمة التي يعجز الإنسان العادي أن يعبّر عنها، وهو القلم الّذي يخط أسراره.



ليدي: ما هي القصيدة التي تعتبر اقرب القصائد الى قلبك؟
مجدلة: سؤالك صعب فأنا أحب غالبيّة ما كتبت، أو بمعنى أصح أتواصل مع كل ما أكتب ولكل قصيدة كتبتها مكانة معينة في بُنيتي الفكريّة الانسانية، فكما قلت لك، لم أستطع التّركيز على أحد الجوانب وإلا كنت سأفقد مصداقيّتي مع نفسي لأن الحب الطّاغي في روح الكتاب هو حب الأم والمرأة والطّفلة والانسان المتألّم، الفوضوي، المشاكس، الطّموح...
لقد قلت في بداية كتابي من قصيدة ساعة لأحصي الحصى :
ساعة ٌ هبني
فالنّفس ترتوي من جدول القصيدة
هيّا تشقُّ الكحلَ
بين الجفن ِ والجفاء
لا فرق
بين من يجمعُ الحصى
ومن يجفّف يديه بالثّرى
لقد اخترت هذا المشهد لأبدأ به كتابي، لأعبّر به عن انطلاقي، عن عبوري إلى ضفّة الحقيقة، إلى ذاتي، نحن نحتاج إلى مواجهة الحقيقة لنصل إلى الأعماق ومن ثم إلى الاكتفاء.

ليدي: بوجهة نظرك هل الشاعرات محاربات اجتماعياً؟
مجدلة: جدًّا! أوّلا للأسف الشّديد حتّى يومنا هذا، أرى أنّ النّساء في الشّرق تحديدًا هنّ محاربات مرفوضات على السّاحة الأدبيّة، الفكريّة والاجتماعية، وهذا لا يعني أنهنّ فشلن بل العكس تمامًا. السّاحة الأدبيّة هي أقوى المعارك وأكثرها تهديدًا للجهل والكبت والقيود، الفكر هو سلاح النّهضة الاجتماعية والذي لا يأخذ حقّه بالعموم من التّعاون الاجتماعي لأسباب عدّة لن نخوض بها الآن، فما بالك لو كان هذا الفكر نابع من محاربات ولدنَ القضايا من بطونهنّ ويصرخن وحيدات في هذا الشّرق التّعيس؟ لا يمكننا توقّع الكثير في وقتٍ لا تزال المرأة فيه تصارع مجتمعًا ذكوريّا لا يرى بها شريكًا حقيقيّا في معترك الحياة، المرأة العربية في معظم زوايا شرقنا ما زالت تعاني من تهميشها كإنسان أصلا يملك أدنى الحقوق الأساسية في الحياة كالحريّة واتّخاذ القرار!
د. نوال السّعداوي في دراستها "عن المرأة" والّذي هو عمليّا دراسة حول مكانة المرأة في الماضي والتّغيّرات التي حصلت إلى يومنا، نرى تراجعًا حقيقّيّا في قضايا عديدة تخصّها كالعمل، والأمر يعود لعدّة عوامل فكرية اجتماعية ودينيّة أحدثت هذه التّغيّرات. برأيي، نحن أمام حرب حقيقيّة مع الجهل على المستوى الإنساني أوّلا، نحن لا نحترم فكر الآخر ولا نستوعبه، نحن نخاف من الالتحام مع انفسنا، مع طبيعتنا الانسانية، نخجل من الحريّة، من الحب، ومن الجنس.هذا هو شرقنا.

ليدي: كامرأة عندما تبحرين في بحور خيال الشعر هل هناك حدود وخطوط حمراء ام الشعر لا حدود له ؟
مجدلة: قبل أن أتعامل مع نفسي كامرأة، أنا أتعامل مع نفسي كإنسان. والإنسان هو واحد، رجل وامرأة. أعتقد أن إحدى ميزات الكتابة أنها لا تحب القيود. إنها وكما ذكرتَ أنت، عمليّة إبحار لا نهائية، كلّما تعمّقت أكثر، اكتشفت المزيد. إذا شعرتُ يومًا بأني أتقيّد، أعدك بأني سأتوقف عن الكتابة! ما هي الخطوط الحمراء؟ من يضعها؟ نحن نكتب لنستكشف، لنتواصل، لنسبر أغوار الحياة. لا مجتمع ولا سياسية ولا دين يحاصر في العمليّة الكتابيّة.

ليدي: ماهي مقومات القصيدة الناجحة برأيك؟ ومن هم الشعراء الذين تحرصين على قراءة ما يكتبون؟
مجدلة: أن يكون لها مكانة في عقل وقلب القارئ، أن تنجح في محاكاة واقعهِ. لا أحب القصائد لأجل القصائد،
لأجل المواجهة مع اللغة، تعجبني القصيدة التي يعتريها الطّرح الجميل والشيّق للفكرة، القصيدة التي تتعرّى من المساحيق وتنساب في سريالية وهرمونيا إلى النفس المتعطّشة.
قد تفاجأ، أنا أحرص في الواقع على قراءة كل ما يُكتب، كل جديد وكل ما يُضع في يدي، لا أفضليّة لدي لأي نوع أدبيّ. لكن بالطّبع، هناك من أعيد قراءتهم مرارًا كشعراء، كتّاب وروائيين، وأشعر بأنًني متعطّشة لكتاباتهم لما فيها مضامين تجدّد إدراك الإنسان القارئ في مختلف الجوانب منهم: جبران خليل جبران، د. نوال السّعداوي، أدونيس، محمود درويش، ابراهيم نصرالله ، محمد شكري وغيرهم...

ليدي: حلم؟
مجدلة: لا أحب الأحلام، أسمّيها طموحًا. درب الطّموحات قد يكون شائكًا وسالكًا في ذات الوقت لكنه ليس معلّبا في ذهننا، في كلّ خطوة أخطوها أشعر بأني قطعت شوطا في تحقيق الذات الّتي أبحث عنها. أهم أهداف حياتنا تبدأ من سلامنا الدّاخلي، من إيماننا بأنفسنا، أرفض أن أكون مسيّرة في طابور المسلّمات ودائرة المفهوم ضمنًا! حلم؟؟ من منطلق إيماني بأن الأحلام لا تتحقق ما دمنا نسمّيها أحلامًا، وأنّنا بحاجة لشركاء حقيقيين لنفض الغيبوبة عن جدار الحلم، فحلمي أن تجف دمعة الأطفال في العالم إلى الأبد، أن تتوقّف عبوديًة الإنسان عامّة والمرأة على وجه الخصوص، أن نحارب الزواج المبكر، الختان، القتل، الجوع، المتاجرة بالدين، الجهل وكل ما يبعدنا عن لب الانسانيّة.

مقالات متعلقة