الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 10:02

من يُدخل الى بيته ثعبان من اجل اصطياد فأر؟/ بقلم: بكر عواودة

كل العرب
نُشر: 29/11/16 14:37,  حُتلن: 17:16

بكر عواودة في مقاله:

ليس صدفة أنه من بين اكثر من 1143 حالة قتل بسبب العنف في المجتمع العربي منذ عام 2000، في 85% من الجرائم لم تقم الشرطة بحلها

اقامة مراكز للشرطة بدون موافقة الناس لن يخدم الاهداف المعلنة للشرطة على الاقل، وسيزيد من حالة عدم الثقة لانها ستكون مفروضة بالقوة وستكون جسما غير طبيعي وستبقى الشكوك تدور حولها

أعلنت وزارة الأمن الداخلي قبل عدة اشهر عن مشروعها في اقامة 12 مركز شرطة في عدة قرى وبلدات عربية وتجنيد 1350 شرطي عربي، وتم التداول في هذا الأمر بين قيادات الشرطة ورؤساء المجالس. البعض وافق سرا ورفض بالعلن وآخرون اختبأوا خلف تعابير طلاسمية تحوي الأمر ونقيضه في نفس الجملة. مما خلق حالة بلبلة، وفتح النقاش بين معارض ومؤيد. بعض النقاشات سقطت للأسف الى مستويات شخصانية بالية ومهترئة لا تخلو من التسخيف والعنف الكلامي.

وكأن معارضة المشروع هي معارضة للسلطة المحلية ومن يرأسها او من يعمل بفلكها. متناسين وغير مقدرين لحالة عدم الثقة والهوة الموجودة بين جهاز الشرطة والمجتمع العربي تاريخيا ومتعامين عن خوف وشكوك الناس، في أن الشرطة تستغل حالة الفوضى وانعدام الأمان بهدف الدخول من جديد الى القرى العربية وإعادة تشكيل المجتمع العربي بحسب رغباتها وأجنداتها بعيدا عن احتياجاته الحقيقية وبناء مخاتير جدد يتوسطون بينها وبين الناس لحل قضاياهم.

البعض يضع الناس في معضلة أخلاقية من خلال تحميلهم المسؤولية بقولهم "اعطونا بديلا ً". الامر شبيه بشخص تورط في قرض في السوق السوداء مع فائدة غالية ورهن بيته وعندما عجز عن التسديد وأصبح الامر صعبا وبات البيت في خطر الحجز، فيعرض صاحب الدّين عليه قرضا جديد مع فوائد اكبر واخطر ستصادر البيت والأرض لاحقا. لا يجوز الآن تناسي اسباب المشكلة وتوجيه اللوم للضحايا بأنه ليس أمامنا مهرب ولا يوجد بديل. نعم هناك بديل لا اريد قرض جديد بهذه الشروط وسأحافظ على ما تبقى.

بحسب بعض الباحثين انتهجت الشرطة حتى سنة 2000 استراتيجية Over policing وهي استراتيجية معروفة تتمحور في تنفيذ اعمال شرطوية انتقائية مكثفة بشكل قاسي وتصادمي، هذه الاستراتجية بشكل عام متبعة ضد الاقليات ومرتبطة بعدم احترام المواطن وحقوقه وبأنماط تفكير عنصرية وأفكار مسبقة تحكم العلاقة بين الطرفين. فكل لقاء مع الشرطة ينتهي بصدام، مثلما يحدث مثلا مع الأثيوبيين ومع العرب أو مع الشرطة الأمريكية والسود في امريكيا. هذه الاستراتيجية أدّت الى فقدان الثقة بين الناس وبين الشرطة. وفي سنة 2000 أُستُنفِذت هذه الاستراتيجية بشكل غير مسبوق عندما تعاملت الشرطة مع العرب كأعداء وقتلتهم بالجملة ولم تجد الشرطة حتى اليوم حاجة لتسأل نفسها عن ضرورة قتل مواطنين.

بعد سنة 2000 فقدت الشرطة الحيز الصغير الذي كانت تتحرك فيه في القرى العربية. فاعتمدت الشرطة استراتيجية اخطر بكثير من سابقتها وهي Lack of policing وتتمحور اساسا في الابتعاد وعدم التدخل وترك القرى العربية لحال سبيلها على مثال " فخار يطبش بعضه" وفعلا لم تتدخل الشرطة إلا بالحالات القصوى وغالبا بعد فوات الأوان، مما ولد حالة خطيرة من فراغ فظهر قانون الغاب باسمى تجلياته من خلال تفشي العنف، وتجارة السلاح والخاوة وعائلات اجرام وزعران وانعدام الحكم، ففقد المجتمع الشعور بالأمن والأمان. ليس صدفة أنه من بين اكثر من 1143 حالة قتل بسبب العنف في المجتمع العربي منذ عام 2000، في 85% من الجرائم لم تقم الشرطة بحلها، وبحسب مركز أمان هناك 300 قاتل يتجولون بيننا طلقاء.

في كثير من الحالات والقضايا تركت الشرطة الساحة الى جاهات الصلح المحلية والى اطراف ذات مصالح ضيقة والى عائلات الاجرام لتقوم بحل النزاعات بطرق التفافية يدفع فيها الضعيف الثمن حتى لو كان هو الضحية، وبأحسن الحالات تكتفي الشرطة بورقة صلح ولا تهتم بتحصيل الحق العام. ناهيك عن عدم تدخلها بقضايا الفساد المالي والإداري في المؤسسات العامة. هذه الاستراتيجية أدّت الى فوضى عارمة نتائجها كانت معروفة ومتوقعة مسبقا لدي مصممي الاستراتيجيات.

وما دامت هذه هي العقيدة وهذه هي الاستراتيجيات المعتمدة فلا يمكن القول ان وجود مراكز شرطة سيحسن الاوضاع بل على العكس من الممكن ان تصبح اكثر تدهورا. والنماذج الموجودة حتى الآن في القرى العربية التي تتواجد فيها مراكز شرطة لا تبشر بالخير ولم تخلق حالة جديدة من الأمن والأمان ولم تمنع تفشي الجريمة ولم تقلل من انتشار السلاح بل زادت من حالات التفكك الاجتماعي وقللت من الانتماء. مع العلم أن المجرمين معروفون وباعة السلاح معروفون ومُركزي الاستخبارات في كل بلدة وقرية يعلمون من هم. ناهيك عن قدرة الشرطة استعمال التكنولوجيا لتقصي الحقائق وضبط الامور والتقصي ولكن الشرطة غير معنية باستثمار حقيقي لمكافحة الجريمة.

هذه مخاوف حقيقة وليست مناكفات سياسية ومؤسف جدا أن بعض المؤيدين يقومون بتسطيح النقاش فلا يتحدثون حتى عن شروط لتعامل الشرطة. هذه المخاوف المؤسسة على عدم ثقة موجه للشرطة اولا لتعلم ان قفزها عن القيادات التمثيلية للمجتمع العربي متمثلة بلجنة المتابعة العليا هو خطأ جسيم لن يساعد في بناء الثقة. وطبعا فإن اقامة مراكز للشرطة بدون موافقة الناس لن يخدم الاهداف المعلنة للشرطة على الاقل، وسيزيد من حالة عدم الثقة لانها ستكون مفروضة بالقوة وستكون جسما غير طبيعي وستبقى الشكوك تدور حولها. لذا من المهم اولا أن تقوم الشرطة بإعادة التفكير في الاستراتيجيات المنتهجة في مجتمعنا وفي طرح الشراكة مع المجتمع والا تحاول فرض أمر واقع والا تقفز عن مشاركة القيادات القطرية التمثيلية.

اثبات حسن النية ملقى على الشرطة، اذا كانت الشرطة صادقة في نواياها فلتبدأ بخطوات بناء ثقة اولية. لتقوم بقراءة تقرير اور من جديد لتخرج الينا باستنتاجات جديدة. لنسمع لماذا لم يتم القضاء على الاجرام المنظم كما حدث في المجتمع اليهودي؟ ولماذا لم تحل اكثر من 85% من قضايا القتل؟ والاهم لتشرح بماذا تختلف عن شرطة عام 2000 ؟

لا احد يرفض أن يحصل على خدمات شرطة مدنية عادلة وغير منحازة ولكننا سنرفض ان ندخل الى قرانا من يرانا اعداء. عندما تتغير الشرطة ونرى انها غيرت من عقيدتها ونظرتها للعرب بشكل حقيقي عندها فقط يمكن البدء ببناء تصور لدخول الشرطة لتقديم خدمات نحن في امس الحاجة اليها. ولكننا علينا الحذر من ادخال ثعبان الى بيتنا من اجل اصطياد فأر.

فانتم ايها المشجعون والمصفقون احذروا فهذا بيت الجميع!!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة