الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 11:02

وفاءً لروح معلمتنا ولكل معلمينا/بقلم: ابتسام حنا المعلم

ابتسام حنا المعلم
نُشر: 24/10/19 13:47,  حُتلن: 13:51

الفلسطيني، وحيثما وُجِدَ، بإمكانه ان يكتب كل يوم وكل ساعة مقالات ومقالات عن كل ما يعيشه من أمور صعبة، مرهقة وغير انسانية، ويمكنه أحيانا أن يصمت ويتأمل ويستخلص العِبَر من كل حدثٍ يمرُّ به.
والسؤال: هل الكتابة ما تزال تنفع في هذه الظروف ؟ ماذا ينقصها لتصبح ناجعة ولِتَصِلَ بالقارئ الى الهدف الذي يريده الكاتب ؟ ما الذي تغيّر أوبالأحرى ما الذي لم يتغيّر ؟ وهل أكتب أم لا أكتب ؟
لكن اليومَ لن أطرح على نفسي السؤال، بل سأكتب، لأن الكتابة هي آخر ما تبقى لنا لِنُقَدّمَ واجب الوفاء الى معلمة وراهبة كان لها تأثير كبير على كل من عرفها، ومن خلالها نقدم كلمة شكر وعرفان بالجميل لكل معلم ومعلمة.
الراهبة، الأخت رفائيل مخائيل من راهبات مار يوسف رحلت عن عالمنا قبل شهر تقريبا، بعد أن أمضت حياة ملؤها العطاء والتضحية. قَضَتْ سنواتٍ في التعليم في مدرسة مار يوسف في عدة مدن ومنها الناصرة، حيث درّست ثم أصبحت مديرة المدرسة لسنوات، فعرفها الكثيرون من اهل الناصرة والجليل.
عندما وصَلْنا الصفَ التاسع أو العاشر، وحتى نهاية دراستنا الثانوية، علَّمَتنا الأخت رفائيل، وهي ابنة رام الله، علَّمتنا اللغة العبرية ، وكانت تتقنها جيدا ، وأظن انها درستها أثناء مكوثها وعملها في القدس . لكن ما كان ملفتاً للانتباه ليس إتقانها للغة العبرية فقط ، بل رغبتها الشديدة في نقل كل معرفتها لتلميذاتها . كانت إنسانة تحترم الدقة والوضوح في كل شيء تفعله، الاستقامة والصدق والعدل والرحمة كانت من المكوّنات الأساسية لشخصيتها ، نعم فاستقامتها وتقواها كانت ظاهرة في كل عمل وكل كلمة تصدر عنها .
كانت تريدنا ان نفكر ، فَعِندَ دخولها الصف وقبل ان تبدأ بالتعليم ، كانت تخطُّ ُعلى اللوح فكرةً أو عبارةً مأخوذة من الكتاب المقدّس أو من أقوال حكيمٍ أو فيلسوف. أرادَتْنا ان نفكرَ بعمق ، ان نقرأ العبارةَ المكتوبة على اللوح ، أن نفكرَ بها ونفهمَها . لكن لا أظن ان إحدانا كانت تفهمُ بالفعل عمقَ تلك العبارات ، إما لِصِغَرِ سننا وإما لأننا لم نرَ في تلك العبارات سوى مهرباً لِبضع دقائق من درس العبرية .
الى جانب الانضباط والتقيّد بالقوانين والأعراف ، جمعت الأخت رفائيل في شخصيتها انفتاحاً فكرياً واجتماعياً جعلَها قريبةً من تلميذاتها وعائلاتهن ، فمشاعرُ الصداقة والاحترام ربطَتْ أهلَنا بهذه الراهبة والمعلمة ، وربطتنا ، نحن تلميذاتها ، بها الى أخر يوم في حياتها .
الأخت رفائيل كانت مثالاً يُحتذى به وستبقى كذلك حتى بعد رحيلها.
ان كتابتي لهذه السطور هي فعلُ شكرٍ وتقدير ليس لهذه الراهبة وحسب ، بل لكل معلمٍ ومعلمة ، ولكل انسان يتممُ رسالتَه في عمله بتفانٍ وصدق ٍوتضحية. فعندما نكون تلامذة في المدرسة ، لا ندرك تضحيةَ معلمينا وصعوبة عملهم ، لا نشكر ولا نهتم بتقدير ما يقدمه الآخرون لنا ، وكأن هذا الإخلاص وهذه التضحيات هي أمورٌ مفهومةٌ ضمناً . لكن آن الأوان لنا ولمجتمعنا ان نكبر عن مرحلة "التلامذة" ، ان ندرك أهمية وضرورة اعتماد ثقافة الشكر لكل من يقدم لنا عمل خير ، صغيرا كان أو كبيرا خاصة للذين يستمرّون بعمل الخير ، ولا ييأسون من تكراره. وكلّي ثقة انه لو بادرنا لقول كلمة شكر وتقدير صادقة لتجنبنا صراعاتٍ كثيرة، على كل المستويات والعلاقات ،الشخصية والعائلية والاجتماعية والسياسية أيضا . ولهذا ألسبب أكتب .

الناصرة

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com


مقالات متعلقة