ما يسمى باليسار الإسرائيلي لم يعد قادراً على المشاركة في رسم السياسة الإسرائيلية العامة كما كان في السابق. فهذا اليسار يشهد منذ سنوات حالة قوية من التقهقر، ونراجعت أحزابه جماهيرياً في الوقت الذي يصعد فيه اليمين الإسرائيلي بشكل ملحوظ. وقد أكدت نتائج الدورات الانتخابية الماضية ولا سيما الإنتخابات التي جرت مرتين في العام الماضي وانتخابات الكنيست التي جرت في الثاني من هذا الشهر، أن"اليسار الإسرائيلي" قد انهار كلياً.فالأصوات التي حصدتها أحزاب اليسار كانت قليلة جدا قياسا بأصوات قوى اليمين واليمين المتطرف، بشقيه: العلماني والتوراتي.
وقد أكدت الأحداث التي مرت أن لا فرق بين سياسة اليمين وسياسة اليسار وكلاهما في خط واحد إذا كان الأمر يتعلق بإسرائيل بشكل عام، ولا فرق بين الأفعى السوداء والأفعى الصفراء فكلتاهما سامتان. المعروف في كل دول العالم أن أحزاب اليسار ضد أحزاب اليمين في النهج السياسي والممارسة، ليس فقط على الصعيد المحلي إنما على كل الأصعدة. لكن في إسرائيل يختلف الأمر تماماً، لأن الخلاف بين اليمين واليسار هو فقط على الكراسي ولا خلاف بينهما بشكل عام حول الشأن الفلسطيني ، والتجارب علمتنا ذلك خلال تولي الجانبين سدة الحكم.
حزب ""العمل" المحسوب زوراً وبهتاناً على اليسار، اقاده في السابق جنرالات لهم تاريخ أسود بحق الفلسطينيين مثل اسحاق رابين، شيمون بيريز وإيهود باراك. وقد استطاع هذا الحزب أن يهيمن على الساحة السياسية الإسرائيلية لفترة طويلة، هذا الحزب له تاريخ مليء بممارسات الإجرام ضد الفلسطينيين ولا يتسع هذا المقال لذكرها، ورغم ذلك يعتبره بعض المحللين والسياسيين الفلسطينيين حزباً يساريا، ولا أدري ماذا يحمل من (يسار) في سياساته السابقة واللاحقة، هنا لا بد من الإشارة إلى أن حزب العمل الذي قاد إسرائيل حتى العام 1977 وبدأ بالتراجع بشكل كبير خصوصاً أنه حصل فقط في الكنيست الثامنة عشرة على ثلاثة مقاعد فقط، أصبح على ما يبدو مهدداً بالزوال استناداً إلى رصيده الشعبي، بسبب سياساته الرعناء.
يقولون أيضاً ان حركة "ميرتس" هي حركة يسارية، وقد بلغت ميرتس أوج نجاحها في العام 1992، حين حصلت على 12 مقعدا في الكنيست والعديد من الحقائب الوزارية. لكن مواقفها السياسية المتقلبة جعلتها تتراجع بشكل كبير لدرجة أن النحالف الذي أبرمته الحركة مع حزب "العمل" ومجموعة "غيشر" لم يحصل سوى على ستة مقاعد فقط في الإنتخابات الأخيرة.
تصوروا أن أحد قادة حركة "ميرتس" يحمّل الفلسطينيين مسؤولية فشل ما يسمى باليسار الإسرائيلي، ويحمل فلسطينيي الداخل مسؤولية تردي أوضاعه ككل داخل إسرائيل،البروفيسور امنون روبنشتاين، من حزب "ميرتس" يدعي في مقابلة مع صحيفة (يسرائيل هيوم) أن للفلسطينيين دورا في انهيار "اليسار الإسرائيلي" في الانتخابات. فقد ذكر روبنشتاين إن "الموضوع الأمني والسيادة بالغ الأهمية بالنسبة للناخبين الإسرائيليين، ويسبق كل شيء، وفي الانتخابات القطرية يُعبّر الجمهور عن الحاجة للدفاع عما لنا، وعن عدم ثقة الجمهور بالفلسطينيين". وقال: "لقد ساهم الفلسطينيون في هزيمة اليسار، فالحركة الليبرالية في إسرائيل، واليسار بشكل خاص، تبنوا نظرية الأرض مقابل السلام، ورد الفلسطينيون بالأرض ليس في مقابل السلام، وإنما مقابل المزيد من الأرض، وأصروا على حق العودة كأمر مقدس".
ويبدو واضحاً من كلام روبنشتاين، أنه ضد حق العودة. وليس هذا فقط. فقد وصلت به الوقاحة إلى مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة وعلى القبول بالإقتراحات المطروحة إسرائيلياً للتسوية. وإلاّ كيف نفهم قوله:" وأصرّوا على حق العودة كأمر مقدس".
هذا الموقف السياسي، يمثل بشكل عام نهج حركة "ميرتس" كون البروفسور روبنشتاين أحد قادتها. وهذا الموقف أيضاً يتلاقى مع موقف اليمين الإسرائيلي الذي يتزعمه حزب الليكود بقيادة نتنياهو. وفي هذه الحالة لا يوجد أي فرق بين ما يسمى اليسار وبين اليمين.
المحلل الإسرائيلي جدعون ليفي،ذكر في مقال له في صحيفة "هآرتس"، في الثالث من شهر شباط/فبراير العام الماضي، أن حزبي العمل وميرتس خانا دورهما، وبسبب أدائهما في العشرين عاماً الأخيرة، يجدر بهما أن يختفيا، وأفول هذين الحزبين بدأ عندما قرر هذا الحزبان طمس وتذويب مواقفهما وخيانة رسالتهما. " وهذا يعني بكل وضوح أن لا يسارية في هذين الحزبين، فهل أصبح اليسار في إسرائيل مهدداً بالزوال؟
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com