الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 09:02

صيام شهر رمضان في عصر فيروس كورونا- د. سعيد القريناوي- رهط

د. سعيد القريناوي
نُشر: 20/04/20 03:44,  حُتلن: 10:29

صيام شهر رمضان في عصر فيروس كورونا الجديد (SARS-CoV-2): هل سيغلب فيروس كورونا الضعيف جهاز المناعة ام جهاز الايمان في شهر رمضان؟ وهل هنالك مخاطر على الصائمين من هذا الفيروس؟

إعداد: د. سعيد القريناوي - أخصائي - أخصائي الأمراض الصدريَّة /الرِّئة والأمراض الباطنية، قسم الرئتين مستشفى سوروكا واستشاري في عيادات كلاليت ومكابي

يقول الله جل في علاه وهو اعلم بخلقه من انفسهم في كتابه الكريم: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" سورة البقرة (184). إن الله سبحانه وتعالى لم يشرع لعباده امرا إلا ما فيه مصلحة لهم في عاجل الأمر او آجله, فهو الحكيم العليم, وهو أعلم بحال خلقه وأرحم بهم من أنفسهم, وشأن المسلم الانقياد لشرع الله والتسليم له في جميع الأحوال لان الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم طرق الخير والنجاة.

في الوقت الراهن يمر العالم بلحظة ومحطة تاريخية مفصلية, بحيث ان تاريخ البشرية المعاصر لم يواجه مثل هذا الموقف المعبر والمحير من قبل. تتحدث الدول والمجتمعات عن فيروس كورونا والوباء الناتج عنه "كوفيد-19" من غير ان يتيقنوا العبر من هذه الحادثة العالمية وان المقصود الأساسي من هذا الحادثة التاريخية التي شلت حركة العالم على كوكب الارض; هو ادراك وجود الله وقوته المطلقة التي تتمثل في اصغر المخلوقات الميكروبية, لأن البشرية الحديثة اصبحت ترى بان العرض الزائف والتنافس للقوة هوعن طريق صنع وعرض الطائرات الكبرى والسفن القتالية العظمى.

ايضا اصبحت الدول والمجتمعات المعاصرة يتحدثون بخلاف ما يفعلون, ويمارسون عكس ما يقولون; وغاب عن حياتهم الإصلاح الاجتماعي الذي يهدف لرعاية وسلامة الجميع. فمعظم الدول العظمى الحديثة اصبحت حواضن استبداد وطغيان يحكمها المستبد, ويسود فيها الفساد والجهل وانعدمت فيها روح الانسانية. في رصيف الحياة اليومي اصبح الفساد والعنف الدولي والمجتمعي هو ما يميز العصر البشري الحديث وتزداد وحشيته من يوم الى اخر. ازدادت في هذا العصر الهيمنة والغطرسة الطائفية والإقليمية. فجاء فيروس كورونا وهو لربما ابتلاء من الله ليكون "الجزاء من جنس العمل" للبشرية التي افتقدت الرحمة وطفح فسادها وظلمها. فيروس كورونا جاء ليغير مفهوم النظام العالمي لمطلق القوة حتى لربما تتراجع الدول والمجتمعات وتعزز مفهوم الرحمة والانسانية, والاستسلام الى منهاج الله.

بلا شك فيروس كورونا الجديد جعل العالمَ أمام تحدٍّ وحيرة كبيرة, وساقها إلى تهرول اجتماعي سادة الرعب النفسي وتعمل المجتمعات بكل ما اتيح لها من قوة وتقنيات لمحاربة هذا الجرثوم والحد من آثاره المدمرة. فهو العدو الذي لا تراه العين ولا مكانة "للأخطاء", لأن شواهد وجوده وآثاره المدمرة على الحياة والاقتصاد والاجتماع لا يمكن لأحد ان يتخطاها كمر الكرام.

بات واضحاً أن فيروس كورونا الجديد اثر الكثير على مناحي الحياة الاجتماعية وهيمن ايضا على الشعائر الدينية الجماعية في معظم دول العالم واخفى حركتها في الأسابيع الأخيرة. للمرّة الأولى في التاريخ الحديث, تخلو ساحات الحرم المكّي بالكامل من المصلّين, وتعلّق صلوات الجمعة بل الصلوات كلها في المساجد خوفا من انتشار هذا الفيروس خلال تجمعاتهم.

هل الصيام في شهر رمضان حقا يزيد من احتمال الإصابة بعدوى فيروس كورونا؟

شهر رمضان هو شهر الإصلاح مع الله لمن ابتعدوا عن دين الله وذوي جهاز المناعة الضعيفة, وفيه يزداد ويقوى "جهاز الأيمان" لمن ارتبطوا بحبل الله في كل زمان ومكان. بينما فيروس كورونا الجديد يواصل انتشاره عبر الحدود والمحيطات والقارات, ازدادت معه حيرة المسلمين الذين قريبا سيحل لديهم شهر الصيام, وانتشرت مؤخرا المعتقدات الخاطئة والشائعات على ان الصيام يعرض الصائمين للخطر ويزيد من انتشار فيروس كورونا.

مع اقتراب شهر رمضان الكريم, بدأت تظهر ايضا بعض الفتاوى المتناسقة مع الدعاوى والشائعات بان الصيام يرفع من خطورة انتشار فيروس كورونا, ومنهم من افتى بجواز الافطار وعدم الصوم للأصحاء والمرضى على حدا سواء. تلك "الدعاوى" التي تدعو إلى إباحة الفطر للعامة في شهر رمضان المقبل علينا بعد ايام, بحجة تأثير الصيام المحتمل في تخفيض المناعة وزيادة خطر العدوى بهذا الفيروس للصائمين; ما هي الا فتاوى "شارعيه" وليس بالشرعية لأنها لم تنطلق من قواعد ثابتة, وحقائق راسخة, بحيث غلب فيها الضن والاحتمال بغير المعلوم على ما هو مؤكد ومعلوم. اننا ناكد بان الصيام لا يرفع من احتمال الاصابة بفيروس كورونا وسندخل في تفاصيل الامور الطبية الموثوقة لاحقا.

هل الصيام حقا يضعف جهاز المناعة؟

ما هو مؤكد أن الصوم, يحفز الجهاز المناعي ويزيد عملية الالتهام الذاتي لكل الزوائد والعناصر الضارة والميكروبات والفيروسات من الجسم. أيضا ما هو مؤكد ان جهاز المناعة يتأثر سلبيا مع تقدم السن, وبوجود الأمراض المزمنة, وحالات القلق والتوتر, وقلة النوم, وبعض الأدوية التي تخفض مناعة الجسم.
جهاز المناعة (Immune System) عبارة عن شبكة من الخلايا والأعضاء والبروتينات والأجسام المضادة التي تعمل على حماية الجسم من البكتيريا والفيروسات والطفيليات, وينقسم جهاز المناعة الى قسمين مركزيين: المناعة الفطرية (Innate Immunity) والمناعة المكتسبة (Acquired Immunity).

المناعة الفطرية تعمل على معرفة وتميز ما هي الخلايا "الصديقة" في الجسم ومن هم الغزاة او "الأعداء" الجدد وتحاول التخلص من الغزاة, ما يجعلنا احياننا نشعر بالحمى أو السعال. اما المناعة المكتسبة تصبح نتيجة تعرضنا لفيروس او ميكروب مسبقا ويتذكر جهاز المناعة لدينا تلك "الغزاة" القدماء ويرسل جيش من "خلايا المقاومة" لقتالهم. ايضا ما هو معلوم ان الدماغ والجهاز المناعي في اتصال مستمر, وعندما يشعر الانسان بالتوتر, ينتج الدماغ كميات كثيرة من الكورتيزول (Cortisol) ليعد الجسم لحالات الطوارئ, ولكن هذا الامر له تأثير سلبي ويخفض من المقاومة المناعية; فيجب ان نبتعد كل البعد عن القلق والتوتر الزائد في كل الاوقات بشكل عام وخلال فترة المرض بشكل خاص, من خلال الاكثار من التفائل والتأمل الايجابي وممارسة رياضة الاسترخاء.

بالإضافة لذألك, اصبح مثبت من دراسات طبية كثيرة موثوقة نشرت سابقا بان هنالك العديد من الفوائد للصيام على صحة الإنسان, ومن أبرزه هذه الفوائد: انعاش جهاز المناعة ومقاومة الميكروبات, وتعزيز وظائف الدماغ, والمساهمة في خفض مستويات الكولسترول في الجسم, والمحافظة على مستويات السكر في الدم, والحفاظ على صحة القلب, وتحسين الامراض المتعلقة بالجهاز الهضمي, وتعزيز صحة ومناعة الجلد.

قبل ان اخوض في الدراسات وعرض نتائجها على مدى تأثير الصيام على جهاز المناعة, يجب ان نذكر ونبرز الإشارة إلى أن شهر رمضان ليس شهر صيام فقط, بل هو شهر تعبّدي يرتفع فيه منسوب الايمان والتعلق بالله, وترتقي فيه السلوكيات الشخصية والاجتماعية. التحدي الاكبر خلال شهر رمضان هو ليس الانشغال بكيف سيؤثر الصوم سلبيا على جهاز المناعة لدينا, بل كيف سيكون التأثير الايجابي على "جهاز الايمان" لدينا وكيف ستتغير السلوكيات الشخصية والمجتمعية في هذا الشهر بشكل ايجابي بارز والى الافضل.

ما هو معلوم ومثبت ان هنالك علاقة صلة بين الصيام وتقوية الجهاز المناعي, وهنالك دراسات كثيرة أكدت أن الامتناع عن الطعام لمدة ساعات طويلة تؤدي إلى تجديد جهاز المناعة, وتساعد الجسم على مكافحة العدوى وتجديد خلايا الدم البيضاء من الخلايا الجذعية. ايضا الكثير من الدراسات أشارت الى أن الجسم يساعد على محاربة الفيروسات أثناء الصيام, ويتخلص من أجزاء النظام التي قد تكون تالفة أو قديمة, الأجزاء غير الفعالة, وإن الصيام يمكن أن يولد نظام مناعة جديد تمامًا. لكن الصيام ممكن ان تكون له بعض الاثار السلبية على كبار السن والأشخاص الذين يعانون من تلف جهاز المناعة, مثل مرضى السرطان, واخرين مع وامراض مزمنة متقدمة .

هنالك الكثير من الدراسات العلمية التي أجريت على صيام شهر رمضان على الأصحاء والمرضى البالغين, ونعرض هنا بعض اهم هذه الدراسات.

في ديسمبر 2019 نشر نتائج دراسة في المجلة الطبية المرموقة(New England Journal of Medicine) مشيرة إلى أن الصيام المتقطع (لمدة 18- 16 ساعة) والإفطار (لمدة 8-6 ساعات) يساهم في تغيير الأيض وبالتالي الوقاية من الشيخوخة والسرطان والضغط والسكر. وايضا اشارت هذه الدراسة العلمية أن الصيام يُحافظ على قوة الجهاز المناعي ولا يضعفه.

أفادت تقارير طبية نشرت في يونيو 2014 في دورية (Cell Stem Cell) عن وجود علاقة صلة قوية بين الصيام وتقوية الجهاز المناعي, وفي هذه الدراسة التي اجريت في كاليفورنيا بالولايات المتحدة أوضحت أن الامتناع عن الطعام لمدة متواصلة لا تزيد عن يومين (حتى ٧٢ ساعة) تؤدي إلى انعاش وتجديد جهاز المناعة, بالإضافة إلى أن الصيام لمدة يومين إلى أربعة أيام يساعد الجسم على مكافحة العدوى وتجديد خلايا الدم البيضاء من اصل الخلايا الجذعية (Stem Cells). ايضا أشارت الدراسة الى أن الجسم يساعد على محاربة الفيروسات أثناء الصيام, ويتخلص من أجزاء النظام التي قد تكون تالفة أو قديمة والغير الفعالة, فبذألك تصبح دورات الصيام ذات فوائد عظيمة وتولد نظام مناعة جديد تمامًا.

نشرت دراسة في ديسمبر2012 في دورية أبحاث التغذية (Nutrition Research): في هذه الدراسة تم مراجعة 45 دراسة علمية محكمة. أظهرت تلك المراجعة العلمية لمجموع الدراسات المنشورة غياب أي أثر سلبي للصيام على المؤشرات المناعية لدى الأفراد الأصحاء, وأنه لا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالعدوى أو الاضطرابات المناعية. كما أظهرت هذه الدراسة العلمية غياب أي أثر سلبي للصيام في شهر رمضان على المؤشرات المناعية لدى مرضى الأزمة الصدرية التنفسية, فإذا كان الحال هذا مع المرضى ذوي الامراض التنفسية المزمنة, فكيف سيكون مع الأصحاء الذين لا يعانون من مشاكل تنفسية أو مناعية.

من هنا نقدر ان نستنبط ونقر بان الدراسات العلمية المؤكدة تظهر علاقة ايجابية وثيقة بين الصوم وتقوية جهاز المناعة عند الإنسان. إذ إنّ الصيام يساعد على تقوية مناعة الجسم عبر إفراز بروتينات وتجديد خلايا مناعية جديدة في الدم. تساعد هذه الخلايا المناعية الجديدة على تعزيز وظائف جهاز المناعة لمكافحة العدوى وتطهير الجسم من الفيروسات والبكتيريا بشكل افضل وبطريقة اكثر فعالة.

هل جفاف الحلق نتيجة الصيام يزيد من احتمال الاصابة بعدوى فيروس كورونا؟

في الأسابيع الأخيرة انتشرت بعض الشائعات التي تتدعي ان الصيام وجفاف الحلق يزيد من احتمال الاصابة بعدوى فيروس كورونا ومضاعفاته. حتى الآن, لا يوجد دراسات علميّة موثقة يمكن الاستناد اليها للقول بأن ترطيب الفم بالسوائل يمكن أن يؤثر على احتمال الاصابة بفيروس كورونا الجديد, سلباً أو إيجاباً. بحسب خبراء في مجال الصحّة والغذاء واستنادا على تقارير "منظمة الصحّة العالمية" لم يثبت حتى الان أنّ ترطيب الفم يقي من عدوى كورونا, لذلك هذا لا يعتبر مبرر للإفطار في شهر رمضان وشرعا "لا يجوز" الإفطار في رمضان بغياب الدليل العلمي الثابت الذي يقر الضرر الصحي على الصائمين.

شرب المياه بكميات كبيرة لا يساعد على تجنب او منع اكتساب الفيروس الى الحلق او اي مكان اخر في الجسم, فالجسم وخاصة الكلى تتأقلم مع وجود نقص الماء لتعيد للجسد توازنه خلال فترة الصيام. ايضا, شرب المياه لا يساعد في قتل الفيروسات, أو التخلص منها في الحلق, وكذألك ما أشيع في الآونة الاخيرة على الغرغرة بالملح ولليمون, وغيرها من الطرق التي قيل إنها تقي من الإصابة بفيروس كورونا. ان السوائل الدافئة تساعد في حالات التهابات الحلق الجرثومية ولكن هذا ليس صحيح بالنسبة لفيروس كورونا ووفقا لما نشرته منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا لا تقضي عليه السوائل الدافئة.

لربما فيروس كورونا احدث حاله تاريخية خاصة وانتهزها العلمانيون وبعض ضعيفي النفوس الذين يستغلون الشائعات لكي يدخلوا مفاهيم خاطئة لتخويف الناس ويحاولوا ان ينالوا من دينهم. فلعيب فينا نحن وفي الاشخاص الذين يبحرون في اخذ الفتاوى والترخيصات الغير موثوقة, وليس العيب في ديننا. اصبحت بعض المجتمعات الاسلامية في هذه الايام تعيش حالات مترددة ومتقلبة ولا تثبت على حال الاستقامة الذي ارتضاه الله لخلقة, كما قال الله في القران المجيد: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" سورة هود(112) .

ورحم الله الإمام الشافعي الذي قال:
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا ... وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ ... وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

اننا نؤكد هنا بأن صيام الأفراد الأصحّاء, لا يشكل سبباً لزيادة مخاطر انتشار كورونا, وأن الصيام لا يضعف المناعة, بل على العكس, يساهم في تعزيز المناعة وانعاش قواها من جديد. اما المرضى المؤكدين من الإصابة الفعالة بفيروس كورونا ويعانون من الحمى وضيق التنفس, وخاصة كبار السن وممن يعانون من مشاكل صحية مزمنة, ننصحه بالإفطار في ايام المرض الفعالة واخذ الأدوية الازمة وشرب الكميات الكافي من السوائل للمحافظة على سلامة النفس, ومنع الضرر عنها; ومن ثم قضاء ما فاتهم من أيام الصيام في وقت لاحق بعد امتثالهم للشفاء, وفقا لما احله الله.

ما هي الفتاوى المتصدرة والموثوق بها على صيام شهر رمضان القريب في عصر عدوى فيروس كورونا الجديد؟

من الجانب الطبي والموثوق, ان ما نوصي به على أن الصوم فرض على كل مؤمن ويجب على كل من يتمتّع بالصحة الالتزام به ويعقد النية على صيام هذا الشهر من غير خوف ولا وهن. اما من يعانون من امراض مزمنة ومتقدمة وذوي الأعذار الشرعية اباح الله لهم الإفطار في رمضان, ويفضل استشارة الطبيب الخاص ودوائر الافتاء المعتمدة لكل الحالات المرضية الخاصة.

يقول الله تعالى: " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " سورة الحج ( 78 ).
الإسلام يمنح المريض رخصة الإفطار في رمضان اذا اثبت ان الصيام يلحق بالضرر, لكن الطب لم يثبت حتى الآن أي تأثير سلبي للصيام على انتشار الفيروسات او الإصابة بالعدوى. فواجب كل مسلم بالغ ومهتم لمرضاة الله ان يأخذ الفتاوى من المصادر الموثوق بها على منهج اهل السنة والجماعة. فافتت لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف, بعدم وجود دليل علمي على وجود ارتباط بين الصيام والإصابة بفيروس كورونا. وبناء عليه, "فإن أحكام الصيام تبقى على حالها من وجوب الصيام على المسلمين إلا أصحاب الأعذار المرخصة لهم في الإفطار, وأنه لا رخصة في الإفطار بسب الخوف من الإصابة بالوباء." أما بالنسبة لصلاة التراويح والاعتكاف في المساجد, فأن معظم مراكز الافتاء الاسلامية الموثوقة وبناء على قرارات المؤسسات الصحية ومنضمة الصحة العالمية: قررت تعليق كافة الأمور والأنشطة الجماعية في رمضان بما في ذألك صلاة التراويح والاعتكاف في المساجد, وحظر إقامة موائد الافطار الجماعية في محيط المساجد.
وايضا اصدر بيان من مجلس الإسلامي للإفتاء في بلادنا (برئاسة د . مشهور فواز رئيس المجلس) قائلا: ان ما اشيع عن ترطيب الحلق ليس سوى دعوى عارية عن الصحّة وقد نفى أهل الخبرة والاختصاص ذلك بل أكّدوا على أنّ الصّوم يعمل على تقوية جهاز المناعة وبناءً عليه: "يحرم الإفطار في رمضان بدعوى خشية الإصابة بفيروس كورونا كما يتوهمه البعض. ولكن من كان مصاباً بوباء كورونا فإنّه يجوز له الإفطار إذا أرشده لذلك الطبيب الثقة المختص."


ما هو التغير السلوكي والاجتماعي المطلوب منا جميعا في شهر رمضان القريب في عصر عدوى فيروس كورونا الجديد؟

إن ديننا الإسلامي الحنيف كما يأمرنا بالصيام والصلاة في المساجد والاعتكاف خلال شهر رمضان الكريم, بلا شك; يأمرنا أيضاً بالأخذ بالأسباب, فالشرع لا يتصادم مع العلم. فاصبح مؤكدا وموثوقا من اهل العلم والاطباء أن التجمعات تؤدى إلى الإصابة وانتشار فيروس كورونا, فاصبح لابد من الأخذ بالأسباب ووقف أي تجمعات تزيد من انتشار اي وباء كان, إذ أن الحفاظ على النفس البشرية من اسمى مقاصد الشريعة.

بناء على كل ما قدمناه وذكرناه جملة وتفصيلا وخاصة بان الصيام يقوي وينعش جهاز المناعة وانه الدافع الاول ضد الفيروسات, هذا لا يعني ان نتهاون من شراسة انتشار هذا الفيروس وانه واجب شرعي في رمضان وغير رمضان ان نلتزم البيوت وعدم الخروج إلاّ لضرورة مع اتخاذ كافة التدابير الوقائية. اصبح مثبت علميا ان لا شيء يقضى على فيروس كورونا حتى الان سوى العزل المنزلي وتجنب الاختلاط, والابتعاد عن الأماكن التي ينتشر فيها الفيروس مع اتباع إجراءات الوقاية. يجب علينا ان ندرك ان شهر رمضان هذا العام يختلف عن الأعوام الماضية ويجب ان تتغير السلوكيات والحذر كل الحذر من المخالطات العائلية والاجتماعية, والمخالطات الزائدة في اماكن الشراء.

ما هي النصائح التي ستعينكم على صيام شهر رمضان القريب وتعزز جهاز المناعة في عصر عدوى فيروس كورونا الجديد؟

من النصائح المهمة التي اوجهها لنفسي واليكم لتعزيز جهاز المناعة وللوقاية من فيروس كورونا خلال صيام شهر رمضان, كما يلي:
اعقد النية على صيام شهر رمضان: من ليس لديه عذر شرعي فليصم, فان هذا واجب شرعي وركن اساسي والصيام يقوي ويعزز جهاز المناعة والمقاومة ضد الفيروسات والميكروبات.
الإقلاع عن التدخين: التدخين يؤثر سلبًا على صحة الرئتين والجهاز المناعي.
الالتزام بمواعيد الوجبات: يفضل بتعجيل الإفطار قد الإمكان, وتأخير السحور إلى ما قبل الفجر, واحرص على تناول وجبة خفيفة بين الإفطار والسحور.
التزموا بنظام غذائي صحي: اكثروا من الأطعمة والمشروبات التي تمتاز بكثرة البروتينات وهي ايضا تقوي جهاز المناعة مثل الأجبان والبيض والفول, وتناول الخضروات لاحتوائها على الكثير من الماء في مكوناتها الطبيعية والمواد المضادة للأكسدة, والتي تساعد على تجنب العطش طوال النهار. تجنبوا تناول المشروبات المصنّعة والغازية لأنها لا تحتوي على أي قيمة غذائية, وتضم نسبة عالية من السكر وتركيبتها الكيميائية تضعف الجهاز المناعي. لا يفضل الإكثار من الحلويات الرمضانية, لاحتوائها على كميات كبيرة من السكر والدهون الغير جيدة, لذلك يفضل التقليل من تناولها والاعتماد على الفاكهة الطازجة للتحلية كبديل للحلويات.
شرب كميات كافية من الماء بين الافطار والسحور: الماء يلعب دورًا أساسيًا جدًّا في تنشيط الدورة الدموية, ويحسن عملية تدفق الدم المحمل بالأكسجين إلى الأعضاء المكونة للمنظومة المناعية, مثل لعاب الفم, والغدد الليمفاوية, والطحال.
المحافظة على ممارسة الرياضة: الرياضة لمدة 20 دقيقة يوميًا, تساعد على تحسين عملية تدفق الدم إلى جميع الأعضاء الحيوية المكونة للجهاز المناعي.
التخفيف من التوتر والقلق: زيادة التوتر والقلق يسببا افراز كميات كبيرة من هرمون "كورتيزول" الذي يعمل على تحضير الجسم لخطر ما, وهذا يقلل من عمل الجهاز المناعي ويخفض مقاومته للفيروسات والميكروبات. اكثروا من قراه القران واكثروا من التفائل والتأمل في خلق الله, كما يذكرنا الله بنفسه جل في علاه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. سورة الرعد (28)
الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم: النوم المبكر الكافي, ما بين 6-8 ساعات يوميًّا يُساهم في تعزيز إفراز الهرمونات التي تزيد من كفاءة المنظومة المناعية.
احياء سنة السواك: انه من الممكن ان يستخدم الصائم السواك اثناء فترة الصيام وذالك يساعد على ترطيب الحلق.

وأخيرا اوصيكم واوصي نفسي بالمحافظة على طرق الوقاية الأساسية والاهتمام بغسل الأيدي المتكرر الماء والصابون, وابقوا في مراقبة واتصال مستمر مع الوالدين والاجداد واشعروهم بالحنان, ووفروا لهم كل احتياجاتهم بسهولة لكي يبقوا معنا سنين طويلة بمشيئة الله.


كل عام وانتم بخير وجعل الله رمضانكم مباركا ومميزا بالصحة والعافية ورضى من الله. عافانا الله واياكم من الامراض ودمتم في رعاية الله.


 

مقالات متعلقة