الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 15:02

صراع في الحارة / بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 24/08/20 08:52,  حُتلن: 10:35

توقف عطاف الوحش ابن الحارة المجاورة لحارتنا، قبالة ابناء حارتنا وكأنما هو ديك رومي مستنفر وهو يسائلهم:
- بدي اعرف مين اللي تجرأ وسرق جاجتنا الحمرا.
بقي اولاد الحارة صامتين، لم يتفوه اي واحد منهم بأية كلمة.
فعاد يقول ووجهه يكاد ينقط سما زعافا:
- كنت عارف انكوا مش ر ايحين تحكوا.. السراق مش ممكن يعترف.. الا بالكرباج.
لطم الارض بسوطه واستدار نحو ابناء حارتنا.. بعد خطوتين من انصرافه.. وهو يقول:
- انا مش رايح اتنازل عن حقي.. راجعلكوا.. توقعوني ارجعلكوا واعلمكوا لغة هذا الكرباج.
مضى عطاف.. فيما بقي ابناء حارتنا وبينهم ابناء عائلات لها وزنها في حارتنا، ينظر كل منهم الى الآخر وعلى شفتيه سؤال حائر. اما انا الطفل ابن العائلة اللاجئة للتو من قريتها سيرين في الناصرة، فقد ارسلت نظرة الى اخي الاكبر جابر، ضمنتها كل ما وقر في حفيظتي من تساؤلات. اشاح اخي بوجهه عني، ومضي في طريقه محاولا ان يخفي عني مشاعره..
في ضحى اليوم التالي وكان اليوم الثاني في الاسبوع، اندفع عطاف في الشارع المؤدي الى مجلسنا المعهود في الحارة. توجه مرة اخرى مهددا متوعدا:
- هذه هي الفرصة الاخيرة لكم اما ان تعترفوا بمن سرق جاجتنا الحمرا.. واما.. سيكون لي معكم حساب اخر.
هذه المرة ايضا انصرف عطاف، وهو يتهدد ويتوعد. ما ان انصرف حتى بادر اكبر ابناء الحارة الى توجيه سؤال متفحصا الجميع:
-مين اللي سرق جاجته.. خلينا نعرف حالنا.
خيم صمت عميق وغير معهود على وجوه الجميع، ولم ينطق اي منهم بأية كلمة، مكتفيا بهزة راس مفادها انني لم اسرق دجاجته الحمرا.
لفت نظري في هذه الاثناء ان يد اخي جابر اخذة في الارتجاف.. وفوجئت به يوجه سؤالا كبيرا الى الجميع:
- انتوا متأكدين من انه ولا واحد سرق الجاجة؟
اهتزت الرؤوس مرة اخرى نافية التهمة.
قبل ضحى اليوم الثالث من الاسبوع، اندفع عطاف مخترقا شارع حارتنا كأنما هو عاصفة عاتية تريد ان تقتلع كل ما بوجهها من بشر وحجر ايضا، وافتتح خطبته اليومية قائلا:
-للمرة الاخيرة بسألكوا.. مين اللي سرق الجاجة؟
وعندما لاحظ ان شيئا لم يتغير.. وان الصمت بقي سيد الموقف، اضاف يقول وهو يؤشر نحوي انا الطفل الصغير:
-تعال لهون وله.. اعترف انك انت اللي سرقت الجاجة..
وجذبني من ياقتي فتمزق قميصي المهترئ اصلا، وقبل ان يرفع يده ليهوي بها على وجهي بكل ما لديه من غضب وعنف، اندفع اخي جابر اندفاعة طائر سماوي، وامسك بيده ملقيا اياه تحته ومفترعا اياه وهو يرفع يده ضمن مبادرة لتكسير اسنانه ويقول:
-اخوي مش سراق.. محدا من الحارة سرق جاجتك.. روح دور على السراق بحارة ثانية غير هذه الحارة..
عندها رد عطاف قائلا بصوت يملؤه الذل:
-قوم عني.. اتركني.
فلمعت عينا اخي كأنهما جمرتان ناريتان حمراوان:
-بقوم عنك.. بس بترجعش على هذه الحارة.. فاهم مليح.. قلنالك احنا شرفا مش سراقين.
هتف عطاف بصوت مبحوح مثل فحيح افعى توشك على الاختناق.. قائلا:
-طيب قوم عني.
تركه اخي جابر بسرعة من وثق بقوته ونفسه، وللحقيقة اقول انني خشيت ان يستل سكينا اعده لمثل هكذا موقف، وان يغرسه في صدر اخي، غير ان ما حدث هو ان عطاف انزل اذنيه مثل اسد مهزوم، وغادر الحارة الى غير رجعة.
ما ان ولى عطاف الوحش الذليل هذه المرة، حتى انتشرت ابتسامات الارتياح على وجوه ابناء حارتنا.. وشرعوا في تصفيق مفاجئ لأخي جابر..
منذ ذلك اليوم اصبح اخي الاكبر الزعيم الاول والاوحد لأبناء الحارة.. اما انا الطفل الصغير فقد اصبحت اخا الزعيم.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة