الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 11:02

الفحل - قصة قصيرة بقلم: ميسون أسدي‎

ميسون أسدي‎
نُشر: 30/08/20 22:07,  حُتلن: 22:09

 تذكّرت راوية مقولة بمعنى: إذا التقى رجل وامرأة لوحدهما فالشيطان ثالثهما. مضى زمن طويل منذ سمعت هذه المقولة، التي وردت على لسان أمها، وأكّدها أخوها بأنّ الرجل الذي يجتمع بامرأة ولا يهم لأي أمر يلتقيان، ولا يحظى منها بقبلة فهو ليس رجلا. فالأمهات هن من ينشرن نظام تحكم الذكور بالسلطة السياسية والثقافية والاقتصادية والعادات ويثبتن هذا النظام بتربية أبناء متغطرسين وبنات خاضعات. 
دائمًا، استهزأت راوية بهذه الاقاويل، فالمرأة بنظرها قويّة ويمكنها الالتقاء بأيّ رجل كان، وفي أي مكان، وهي قادرة على صدّه وردّه إذا شاءت ذلك، ولا تسمح له ان ينال منها ما لا ترغب فيه، ولكن ألم يحسّ أحدكم ذات مرّة بذاك الألم الذي ينتابه عندما يشعر بعجز أمام شخص قوي يحاول ايذاءه وهو لا يملك أن يردّ الأذى!
***
التقت راوية بكريم مرّتين فقط، اللقاء الأول كان تعارفا لتنضم إلى أحد الحلقات الثقافيّة البيتيّة التي ينظمها، لم يدم اللقاء بينهما إلا نصف ساعة، قال لها وهو مودّعا إياها: حين القاك في المرّة القادمة، سوف أقبلك. لم تكترث لما قاله ظنًّا منها إنّه انسان عفوي ويتكلم دون حساب لكلماته.
كريم قوي البنية، في عقده السابع، يتحدث بإفاضة وتلذذ (كلمنجي)، أديب واستاذ للغة الإنجليزية، متقاعد، ينفق على من حوله دومًا من سعة، مهزوز من رأسه حتّى أخمص قدميه، سريع الهمة والخطو، به غلظة وعنف. تفوح منه رائحة البصل. يحب الحياة ويهوى السهر في جحور السمر المسائي، تغمره الطيبة رغم ما يبدو منه من هبل، والأنكى من ذلك انه يتبوأ مناصب قيادية وقوية ويمثل حركات نسائية ورجالية في مجتمعنا الفلسطيني.
***
كان يومًا بديعًا، مرّ سريعًا من صُبحه إلى غروبه، حين التقت به ثانية. جاءها بصحبة صديق له، فما أن رآها حتّى انقضّ عليها وقبّلها من وجنتيها مرّتين وأعاد الكرّة مردّدًا كم هو مشتاق لها. وحقق ما قاله لها في اللقاء الأول.
كان لوقعُ شفتيه على وجنتيها شيء مثير للغضب، مطّ ومد شفتيه ومرّغ وجنتيها، فشعرت بأنّه يصفعها بقضيب رخو رفيع، فزادها ذلك قرفًا على قرف. استفزها تقبيله لها فأعدّت له العدة وتربصت لحركاته وكأنها هوت في هاوية.
***
لم تفهم راوية خواطر الناس وخفايا نفوسهم. جلست مع كريم برفقة صديقه، حين استراحت عيناه عند انضمام التفاحتين اللتين يحوطهما بغير أحكام جيب صدرها المكشوف. لم يدم اللقاء أكثر من نصف ساعة، تحرش بها كلاميا، وكأنّ كلامه مزاح بمزاح لا أكثر ومن نية طيبة، ولكنّه كان بالنسبة لها كضرب السياط، فكلامه ونكته وحديثه كله يصب في مصب واحد، ينظر اليها نظرات الشهوة والآمال الحالمة، فقال له صاحبه: إذا أعطيتني زجاجة ويسكي يمكنني ترككما معًا لوحدكما.
يا إلهي، هذا ما كان ينقصني- قالت راوية- لو قلبت الطاولة على رأسيهما الآن في وسط المدينة المكتظة بالناس لعلمتهما درسًا لا ينسيانه أبدًا.. حتّى ان صديقه اللطيف الذي لم يشارك في الحديث وكان منصتا له ولحديثه رمى جملته الاخيرة كمن يرمي قنبلة ويهرب. يريد زجاجة ويسكي حتّى يفسح لصديقه مجال الاختلاء بي. زجاجة ويسكي ليتسنى لهذا العاهر أن يزيد من عهره، ولكنني استأهل هذا التصرف فأنا اعتقدت ان الناس شرفاء ولا يبيتون شرًّا لأحد.
قامت راوية برشاقة الغزال نفضت ما علق بها من كلام. أخذت منه مجموعة من الأوراق التي ستقوم بترجمتها من العربية للعبرية وهمّت بتركهما ولكنّ كريم طلب من راوية ان تقله إلى سيّارته، فوافقت على ذلك لأنّه أوقفها في مكان بعيد عن المقهى الذي جلسا به.
***
كان الشارع مكتظا بالسيارات التي تسير ببطء، وما أن جلس كريم بقربها داخل السيارة حتّى أخذ يدها عنوة وقبّلها ثمّ احتضنها، فسحبت يدها من يده. عاود الكرّة ثانية وما أن قالت له مهددة وبصوت هجومي لا سيما ان نوالها قد صار قاب قوسين أو أقرب قليلا، حسب اعتقاده:
- إياك أن تلمس يدي ثانية أيها المعتوه.
وإذ برجل ما يطرق باب السيارة فجأة ويفتح الباب دون اذن ويسلم على كريم الذي قام بدوره وعرّف المقتحم للسيارة: صديقتي راوية.
اغلق كريم باب السيارة وقد خضبت وجنتيه حمرة الخجل وتمتم لنفسه بصوت منخفض:
- من أين جاءني هذا الرجل؟ أنه نسيبي وقريبي.

حتّى هذا الرجل العابر بلمح البصر، أنقضّ عليهما وسط الشارع ليقول لهما: إنّي رأيتكما معًا. إنّي رأيتك تضمّ يدها وتقبلها دون وازع أو رادع. لم ينقصه إلا أن يطلب هو الآخر زجاجة ويسكي من كريم ليتركهما وشأنهما.
قُبض على كريم متلبّسًا بالجريمة، يحتضن يد امرأة ويقبّلها، تلقى ضربتين حاميتين على رأسه، ضربة من هذا المقتحم وضربة من المترجمة حين هددته عندما فاض كيل تحرّشه.
***
المسافة من المقهى للمكان الذي أوقف به سيارته لا تستغرق الخمس دقائق، ولكن الشارع مزدحم وبالكاد تسير السيارة، بعد هنيهة من هرج كريم وكلامه البذيء، استنفدت راوية مخزون صبرها وقالت له بصوت عال يكسوه الابتسام المجبول بالغضب:
- انت متحرش ومعتد جنسيًّا. كفى استحي.
فأجابها بلسان المسكنة:
- أتعتبرين هذا تحرشا واعتداء؟!
أشرق وجهها بابتسامة خبيثة:
- أصبت كبد الحقيقة، إنّه تحرش كلامي وجسدي.
قهقه مستهزئًا من كلامها فردّت عليه بحدّة:
- لن التق معك ثانية.
كان وجه كريم يكلولح ويكتسي بتعبير قلق متزايد، ترجّل من سيارتها غير واع لما قام به، فهو ساذج لحد الغباوة، ولم يفهم كلامها محاولا أن يقبّلها عبر الأثير وهو يمطّ شفته كقضيب رخو رفيع ويصفعها به ثانية.
***
عند عودته إلى بيته الكائن في القرية، أراد أن يتصل بزوجته ليسألها إذا كان الطعام جاهز، لكن هاتفه رن معلنًا عن مكالمة واردة من صديقه الذي رافقه للقاء راوية. سأله الصديق:
- كيف جرت الأمور مع راوية بعد أن أخليت لكما الجو؟
فأجابه كريم بلهفة كبيرة:
- لقد ذهبنا إلى مكان بعيد وفعلنا أشياء كثيرة، سأحدّثك عنها بالتفصيل عندما نلتقي، فكما قلت لك هي سهلة المنال.
- إذًا، لا تنسى زجاجة الويسكي التي طلبتها منك.
- سنحتسيها معًا وسأروي لك مغامرة صديقك الفحل.

مقالات متعلقة