الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 16:02

قبل أن يأتي الغرباء- بقلم- هدى عثمان أبوغوش

هدى عثمان أبوغوش
نُشر: 14/01/21 12:27,  حُتلن: 13:37

روايّة"قبل أن يأتي الغرباء"للروائيّ المقدسيّ عبدالله دعيس،عن مكتبة كل شيءفي حيفا،وتقع الرّوايّة التّي يحمل غلافها الأول لوحة للفنّان التّشكيلي محمد نصر الله ومنتجها شربل إلياس في370 صفحة من الحجم المتوسط،وقد صدرت الرّوايّة في نهايّة 2020.

روايّة قبل أن يأتي الغرباء،هي بدايّة لشعلة احتراق جسد الشّرق الشّهي،والنّيل من قبلات وجهه عنوة، في سنوات ما بين ال1775و1810 التّي شهدت طمع وغزوّ الغرب،حملة نابليون في بلاد الشّام وهزيمته في عكّا،بأُسلوب جميل مرصّع بالبلاغة والخيال،وبلغة شفافة فيها تتدّفق العاطفة كنهر بين الشّخصيّات النسويّة على وجه الخصوص،كشخصيّة مريم الكسوانيّة وابنتها سارة.

هي روايّة الوجع والحزن والفقد، والحنين الماطر بالبحث والعذاب،وأسئلة مضطربة وقلقة تواجه شخصيّات الرّوايّة المتصارعة، يرسمها الرّوائي المقدسيّ عبدالله دعيس فوق الأوراق كرسائل وحكايات ولوحات فيها عبق التّاريخ من نافذة الشّرق.

حكايّة شخصيّة البريطاني أرنولد ديزرائيلي الّذي يتخفى في شخصيّة الشّيخ ابراهيم الحلبي،التّي اختلقها كيّ يمارس جاسوسيته لمصلحة بلده بريطانيا ، من خلال جولة بحريّة طويلة في ملامح تاريخ الشّرق المتعب الذّي يحمل الصراعات القبليّة فوق كتفيّه،صور الحصار والدّماء.نسمع صوت الجهل عدّة مرّات والعادات التّي تتعلّق بنذر زواج الفتاة لأحد أبناء عمومتهاوأثر ذلك على سيرورة الأحداث،وبرأيي أراد الرّوائي القول هنا، أنّ العقل العربي ما زال يمارس طقوس الجهل والعصبيّة حتّى يومنا هذا فإلى متّى سنستفيق!

ويأخذنا الرّوائي إلى جولة ترحال بحريّة فيها ينتصر لبساطة الشّرق وطيبته من خلال أرنولد الّذي يقارن بين الشّرق الدافئء والغرب البارد،أمّا المدن والعواصم العربية فكانت حاضرة في حضرة الغزوّ وفي حضرة وصف جمال وسحر العواصم العربية كتونس والإسكندريّة وغيرهاوالمدن الفلسطينيّة كغزّة ويافا وعكّا والقدس.

أحسن الرّوائي في صقل شخصتيّ مريم وسارة،اللّتان تتمتعان بالجمال الباهر،الإرادة،الصبر وشغف المعرفة والتّعلّم،الذكاء،وكانتا بطلتا الرّوايّة فأخذتا حيزا كبيرا في أحداثها،حملتا الصراع النفسي والعاطفي،فسارة في بحثها الجارف عن أهلها، ترمز إلى الهويّة الضائعة والوطن المصلوب بالجراح ،وفي كشف مفاتيح لغز أبيها أرنولد اليهودي الأصل، تتجلى رمزيّة معاناة الشّرق المغتصب من قبل الغرب.

ومريم هي الفارسة الشّجاعة والصبورة، هي ترمز للوفاء للوطن،وأيضا للوطن المعذّب بسبب جماله وثرواته، هي تحب الترحال،ضحية سوء الحظّ كلّما اقترب منها أحد للزواج مات! ومن اللافت في الرّوايّة أنّ أرنولد لم يمت بزواجه من مريم كي تبدأ خيوط أحداث الروايّة، أرى من هنا، لم يكن قبول مريم للزواج من أرنولد منطقيّا خاصّة أنّها عرفت من خلال ذكائها أنّه مخادع،ولكن الروائي تعمّد ذلك لأجل سيرورة أحداث الرّوايّة.

روايّة ممتعة ومشّوقة، رغم زخم الشخصيّات التّاريخيّة الثانويّة الكثيرة،لكن الرّوائي شدّنا بأُسلوب سرده الجميل لمتابعة الأحداث.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة