الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 22:02

حجر الذئاب/قصة: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 01/02/21 13:09,  حُتلن: 13:57

خرج الذئب المُسنّ من مغارته بعد مغازلة حميمة متعمّدة مع حليلته الذئبة. ارسل نظره في كل الاتجاهات. داس على العشب الاخضر. وضع قدمه اليسرى الامامية على حجر مرتفع. وارسل نظره عبر الاشجار المورقة البعيدة. رفع رأسه اكثر. انتصبت اذناه. انه يستمع إلى وقع خطوات مباركة تقترب منه. آه لو اقتربت ارنبة الامس الشابة الآن من هنا. آه لو تمكّنت منها. كنت غففتُ عليها.. وعدت بها إلى ذئبتي حليلتي. لا أحد يفهمني مثلما تفهمني هي. بينما ذئبنا يشرّق ويغرّب في تطلعاته الغفّية على تلك الارنبة العصية. اطلت الارنبة البرية بوبرها الرمادي. "اي سحر هذا"، لمعت عيناه وتابعت" ستكونين لي يعني ستكونين لي.. ستكونين وجبةً تشعل النار فيّ وفي احليل حليلتي". اقتربت الارنبة اكثر. افتعل الذئبُ العجوز المحنّك حركة ملأي باللامبالاة. لقد علّمته التجاربُ فنَ المناورة. "اطمئني يا ارنبتي العزيزة.. اطمئني.. لست ذئبًا عاديًا.. انا لا اطمع لا بلحمك الشهيّ ولا بعظمك الطريّ". دار الذئب حول الارنبة.. دار دورةً تبعتها اخرى. انه يبحث عن امكانية محاصرتها.. بحيث لا يمكنُها الافلات منه كما حصل في المرة السابقة. وهيلا هوب هيلا.. كشّر عن انيابه.. فنجل عينيه.. وهجم بوجهه المتغضّن رغبة وجشعًا.. في اللحظة الاخيرة.. في لحظة الصفر.. انتبهت الأرنبة.. فطارت مندفعةً بين الصخور.. وغائصةً بين الاشجار.. تاركةً الذئب العجوز.. وقد داس على حجره التاريخي.. حجر اجداده من ذوي الانياب الحادة.

سوىّ الطبيب المسن نظارته الطبية.. بانتظار مريضته العصية. سرح بأحلامه المتوقدة. فكّر بحليلته. زوجته العزيزة وايام العزّ معها. "لم تأت" قال لنفسه وتابع" ستأتي غصبا عنها"، وسوف تدفع ما عليها على داير مليم. انا لست مكتب شؤون اجتماعية حتى اعفيها من مقابل معالجتي لها.
اصاخ سمعه لوقع قدمين يقترب من غرفة عيادته. ادرك انها قادمة. لم يخب ظنه المدرّب.. اطلت مريضتُه الشابة، فبادرها:
-لقد تأخرت في دفع ما عليك.
-الن تقدم لي العلاج اولًا؟ ردّت عليه متسائلة.
-سأقدمه لك بالطبع.. لكنك وعدتني اكثر من مرة بان تدفعي ولم تف بوعدك. ردّ بلهجة لائمة.
-عندما تُقدّم لي العلاج المطلوب، سأدفع لك. لست نصّابة.
كشّر الطبيبُ عن نابيه: لماذا لا تثقين بي؟
هربت المريضة الشابة مرسلة نظراتها عبر نافذة العيادة المطلة على الصخور والاشجار ورددت: وانت الا تثق بي؟
قطّب الطبيب ما بين حاجبيه.
تناولت المريضةُ حقيبتها اليدوية.. ثم اعادتها إلى مكانها.
فتح الطبيبُ فمه و.. اطلّت منه انيابٌ حادة. انقضّ... على حقيبتها اليدوية. انتزعها من بين يديها: هذا حقي.. سأنتزعه بالقوة.

دار الذئب المُسنّ عدة دورات بين الصخور والاشجار. كان يبحث عن تلك الرمادية الهاربة. آه لو عادت هذه المرة. لن اسمح لها بالهروب. سألاحقها مهما طالت المطاردة. وسوف انالها طال الزمان او قَصُر. وضع الذئب الحائر قدمه على حجر الذئاب تيمنًا واملًا. كان مرتبكًا شديد الارتباك. هو لم ينل ما حّلم به. وما منّى حليلته به. هو يعلم انه سيخبّئ نصف الارنب بعد اصطياده له.. ولن يمكّن زوجته دائمة الابتسام منه، و.. عندما ستسأله عن النصف الآخر سيقول لها إن ذئبًا آخر قاسمه إياه. عندها ستصمت كما صمتت في حالات سابقة. وسوف تقبل بما يقوله لها، فهو يعرف كيف يتعامل معها بالضبط كما يعرف كيف يمكنه اسكاتُها. نصف أرنبة يكفي اثنين وثلاثة وحتى اربعة.. لا تكوني طمّاعة يا عزيزتي. اغمض الذئب عينيه.. لقد عثر على فكرة جهنمية.. كيف لم تخطر له من قبل؟. الفكرة كاملة ولدت ومتكاملة تكوّنت.. عليك ان تشرع بتنفيذها ايها الحكيم المجرّب المسن. وضع ذئبنا قدمه اليسرى على حجر الذئاب واطلق صوتًا شقّ فضاء الصخور والاشجار.. بلمحة بارقة.. تكاثرت الذئاب حوله.. التصق بذئب ما زال فتيًا.. وانطلق الاثنان يجريان في قفار الارض وفيافيها. بعد أن تأكد ذئبنا المسنّ من مقدرة قرينه الذئب الفتيّ على المداورة والمناورة. عاد إليه حيث كمن للأرنبة الشابة الرمادية. غمز لقرينه طالبًا منه ان يختبئ وراء الصخرة الكبيرة القريبة، وأغمض عينيه. رأته الارنبة الشابة الغضّة الطرية نائمًا، فراحت تقضم ما لذّ لها من الاعشاب وطاب. فتح ذئبنا عينيه.. خرج حليفه الذئب الشاب من وراء صخرته الكبيرة.. لقد اضحت الأرنبة المسكينة الآن محاصرة.. وعبثا حاولت الفرار. انقض عليها الذئبان المتحالفان. اطبق الذئب المُسنّ انيابه عليها.. وركض بها باتجاه المجهول.. وسط نظرات الذئب الشاب المستغربة.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة