الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 26 / نوفمبر 12:02

الغابات المشتعلة: ناجي العلي في ذكراه الرابعة والثلاثين

بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 29/08/21 14:51,  حُتلن: 15:12

قدّم رسام الكاريكاتير الفلسطيني المبدع ناجي العلي بحياته وفنه صورة حقيقية للفنان المثقف الفلسطيني الذي حمل همومه ونقلها إلى العالم بكل صدق واخلاص، وقد حفل فنه بالمحبة الشديدة للأهل والاحباء المشردين، في الوطن والشتات على حد سواء، كما حفل بالنقد الشديد لكل من سوّلت له نفسه ان يحيد عن الثوابت الوطنية كما ارتآها ورسمها، وقد وجه انتقاداته إلى كل من رآه مُقصّرًا بحق حلم العودة. ومما يذكر له قولًا مفاده انه لم يدع متخاذلًا من شره.
تصادف اليوم الاحد التاسع والعشرين من آب، الذكرى الرابعة والثلاثين لمصرع ، ناجي العلي، ابن قرية الشجرة المهجرة برصاصة حمقاء اطلقها عليه موتور مأفون في لندن، فوضعت حدًا لحياته القصيرة الغنية، ومكّنت كاتم الصوت من كتم صوته، بعد ان قضى عمره العملي في الصراخ: لا لكاتم الصوت.


قيل الكثير عن ناجي العلي وسوف يقال الكثير، لأهميته في مسار المطالبة بالحق الفلسطيني بالعودة إلى البلدة والبيت، ويعرف الكثيرون أن هناك فيلمًا سينمائيًا يتحدّث عن حياته ونضاله قام بأداء دوره فيه الفنان العربي المصري نور الشريف، وربما يكفي للتدليل على أهمية العلي أن نذكر ان صحيفة يابانية اعتبرته من اوائل عشرة فناني كاريكاتير في العالم.
منذ رحيل ناجي القسري، قدّمنا العديد من المحاضرات والاحاديث الادبية، وطالما تحدثنا عن حنظلة ناجي العلي الذي ولد في العاشرة وقال عنه خالقه انه لن يكبر إلا بعد عودته إلى مسقط راسه في الشجرة، كما ان محبيه لن يروا وجهه إلا هناك، وبالفعل لم يرّ جمهوره وجهه إلا بعد نكسة 1967، بعد أن أدار وجهه مرة واحدة ووحيدة.. لكن رافعًا اصبعه الوسطى لعالم افتقد ما افتقر إليه من أمن واستقرار.
اتذكر في هذه المناسبة المؤلمة أنني كنت في السبعينيات المتأخرة اتردّد على مقهى ومطعم الصداقة بإدارة الصديق الرائع مصطفى اسعيد، أبو نضال، من قرية رمّانة، وحدث أنني اتيت إلى المطعم ذات يوم فهرع نحوي شخصٌ لا اعرفه مائة في المائة وراح يحتضنني، فاستغربت ولم افق من استغرابي إلا عندما راح يحمد الله انني نجوت، أنا ناجي، من محاولة اغتيالي في لندن، وسألني مُحتضني عن احوالي يومها فقلت له إنها على ما يرام ويرنجى.. وعال العال، وتوجّهنا إلى طاولة هناك تُطل على الشارع الرئيس في لناصرة.. وواصلنا الحديث وبيد كل منا فنجان قهوة.. حتى اليوم على ما اعتقد ما زال ذلك الشخص المُحب الرائع يعتقد أنني ناجي العلي بشحمه ولحمه.. انا راضٍ بان يقترن اسمي باسم ناجي العلي ابن قرية الشجرة القريبة من قريتي المهجرة سيرين، وهو راضٍ لأن ناجي العلي الذي احبه من جُماع قلبه.. لم يمت.
كانت لنا في مطعم الصداقة، مجموعة من الاصدقاء، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كلًا من المرحومين العظيمين محمد ابو حسين- أبو علي من رمانة، وأحمد حبيب الله- ابو هشام، من عين ماهل، طيّب الله ذكراهما، كما اذكر الاخوة الاعزاء: عمر سعيد من كفر كنا، منصور طاطور من الرينة، سليمان ابو ارشيد وباسم داوود من دبورية، وليد ياسين من شفاعمرو، عفيف سالم من الناصرة- رحمه الله، إضافة إلى صاحب المكان ومديره مصطفى اسعيد،.. ليعذرني من لم اذكر اسمه من الاصدقاء والاحباء من ابناء تلك الفترة فهم كثر..، أقول كنا نجلس في الاصباح المبكرة، لنتصفح الصحف في مقدمتها صحيفة "الميثاق"، وكان أكثر ما يجذبنا إلى تلك الصحيفة أنها كانت تنشر على صفحتها الاخيرة كاريكاتيرًا يوميًا لحبيبنا الغائب الحاضر ناجي العلي، ضميرنا الحي ومُجسّد محبتَنا للبلد والولد. لقد كانت تلك من اجمل ايام العمر، فقد كانت العيون تفيض بالبِشر والامل، كلّما وقعت على الصفحة الاخيرة من صحيفة الميثاق، وما زلت اتذكر عندما وقعت العيون على كاريكاتير يُمجّد قمر فلسطين ويقول إنه اجمل من قمر عين الحلوة، وعلى كاريكاتير آخر يُصوّر سفينة تقل مقاتلي فلسطين من بيروت إلى المنفى، وهناك من قذف نفسه منها إلى الماء رافضًا المغادرة وقائلًا: اشتقنا لك يا بيروت.
يومها قال محمد أبو حسين وفي عينيه وميض حافل بالمحبة والامل.. ما دام هناك مثل هذا الرجل في عالمنا، فإننا سنعود مهما طال الزمان.. وسوف ننعم في دافئات المُنى..
اربعة وثلاثون عامًا مضت يا ناجينا مثلما يمضي لمح البصر.. ويكبر الحلم ويمتد النظر، ولا حق يضيع ووراءه مِن يُطالب به.. على خطاك تمضي القوافل.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة