منذ اليوم الأول لهروب الأسرى الستة من سجن "جلبوع" في السادس من الشهر الحالي، لا يزال الحديث عنهم وعن "نفق الحرية" من أكثر المواضيع أهمية لدى العرب شكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، كون الحدث لم يكن عادياً حتى على الصعيد العالمي. الكل الفلسطيني بدون استثناء كان يتضرع إلى الله كي لا تتمكن القوات الإسرائيلية من إلقاء القبض على الهاربين الستة. لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه.
لقد نجح الأسرى الستة في تنشق نسيم الحرية حوالي أسبوعين. هنا تتداخل الأمور في بعضها البعض لدرجة أن الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الأخرى، اقتنعوا بأن عملية إلقاء القبض على الأسرى الستة تعتبر نجاحاً كبيراً لهم. وهنا يكمن الاعتقاد الخاطيء، لأن النجاح هو في الفرار من سجن يعتبر أحد أكثر سجون العالم تحصيناً، حيث أثبت الأسرى أنهم سطروا ملحمة نجاح حقيقية عندما حطموا الحواجز وبرهنوا على أن الحرية والإرادة أقوى من أبراج المراقبة.
الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تفتخر بأنها أعادت الأسرى إلى السجن. هكذا هم يشعرون وهم أحرار في إحساسهم ونحن أحرار في تحليلاتنا. ما قامت به الأجهزة الأمنية لا يعتبر عملية بطولية أو مهمة معقدة تدعو للتفاخر بها. فالمنطقة الجغرافية التي كان الأسرى يتنقلون فيها هي مساحة صغيرة جداً ويمكن لأي جيش مجهز بأحدث التقنيات والأسلحة السيطرة عليها.
كما أن عامل الوقت يلعب دوراً مهماً. ولذلك يجب الأخذ بعين الإعتبار أن الفاصل الزمني بين نجاح الأسرى الستة في الفرار من السجن واكتشاف الأجهزة الأمنية لهذه العملية، هو فاصل قصير جدا، الأمر الذي مكن القوات الإسرائيلية من فرض طوق أمني مكثف ( مروحيات،مسيرات وآلاف من الجنود ورجال المخابرات وحتى الكلاب المدربة لتقفي الأثر تم استخدامها، (إضافة إلى الكلاب البشرية) كل ذلك حال دون تمكن الأسرى من عبور الحدود وسهل عملية القبض عليهم.
الأسرى الستة استخدموا طرقا بدائية لحفر نفق في الزنزانة التي كانوا يقبعون فيها في سجن جلبوع، الذي بنته إيرلندا الخبيرة في بناء السجون المحصنة، خصوصاً ان لها خبرة في مواجهة عناصر الجيش الجمهوري الأيرلندي، (Irish Republican Army) وهو منظمة شبه عسكرية وجيش مؤقت سعى لتحرير إيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني.
إذاً، نحن أمام معادلة من ثلاثة أضلاع: أولها عملية قدرة الإختراق، وثانيها، فشل إتمام العملية، وثالثها القبض على الأسرى. بالنسبة للضلع الأول فإن تمكن الأسرى من الفرار عبر نفق في السجن يعتبر بحد ذاته نجاحا رائعاً، أما الضلع الثاني فكان أمراً متوقعاً، لكن الضلع الثالث وهو القبض على الأسرى فإن أهميته من الناحية المعنوية أقل بكثير من أهمية الهروب، لأن الأجهزة الأمنية والاستخبارية «الإسرائيلية تلقت صفعة قوية ومكلفة معنويا وسياسيا واستخباراتيا، إذ لا يمكن وضع مستوى الهروب مع مستوى إلقاء القبض.
نقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها وهي التخطيط لما بعد الخروج من سجن جلبوع. والملاظ أن الأسرى الستة لم يكن لديهم أي خطة منسقة مسبقا مع قيادتهم، وأن القيادة سمعت بالعملية كما سمع العالم. فكيف يمكن أن تتم عملية مثل هذه بدون تخطيط لمواصلة مغادرة منطقة الهروب؟ أمر لا يصدق. على أي حال فإن القبض على الأسرى الستة لا يمكن أن يكون موازياً أو بالأحرى تعويضاً عن قوة الصفعة التي لحقت بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
إذاعة “كان” الإسرائيلية وموقع “ماكو” الاقتصادي كشفا نقلا عن مصادر في الشرطة الإسرائيلية أن التكلفة المالية التي تكبدتها إسرائيل خلال عمليات بحثها عن الأسرى الفلسطينيين الستة، بلغت حتى لحظة إعادة اعتقال آخر أسيرين منهم، ما بين 3-6 ملايين دولار يومياً، وأن التكلفة تجاوزت حتى 17 سبتمبر/أيلول الجاري 30 مليون دولار، وهي التكلفة الأعلى التي تتكبدها إسرائيل في تاريخها.
بعد عملية إعادة اعتقال الأسرى الستة، سمعنا تصريحات من قياديين في فصائل المفاومة الفلسطينية، بأن الستة سيخرجون محررين في أي صفقة تبادل أسرى مقابل جنود إسرائيليين محتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية تتم مع الجانب الإسرائيلي. لكن على هؤلاء القادة أن يفهموا أن القضية ليست (عدداً) فالأسرى الستة هم من بين 475 ألف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com