تهدف الدكتورة مارجيري ويلسون، من تأليفها لكتابها، موضوع حديثنا الجاري، " طريقك إلى الشباب الدائم"، للتسهيل على مَن يريد أن يحافظ على شبابه اقصى ما يمكن، وتعتمد في تنفيذها هدفها هذا، على خبرة واسعة في التعامل مع اناس قامت بتقديم العلاج لهم وحققت نجاحات حقيقية، شهد لها الكثيرون، غير أن ما يلفت النظر في هذا الكتاب الرائع أنه يُقدّم وجبة مفيدة من علم النفس، ويتشعّب إلى علوم أخرى مثل علم التغذية وعلم وظائف الاعضاء والتربية البدنية، والفلسفة أيضًا. كل هذا خدمة لفن" الحياة الفتية"، التي باتت منذ فترة ليست قصيرة حلم الكثيرين من محبي الشبوبية ورافضي الشيخوخة.
صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة "كتاب الهلال" الشهرية الثقافية التي تصدر في القاهرة عن دار الهلال- المصرية، وذلك بطبعتين تيسّر لي مؤخرًا اقتناؤهما وقراءتهما، وها انذا أحاول أن أشرك الاخوة القراء في الاطلاع على أهم ما جاء في هذا السفر الثمين، بما تبحّر فيه من معلومات.. من شأنها ان تؤدي إلى المزيد من الأداء الحياتي الابداعي لدى الكثيرين.
ترى المؤلفة في الفصل الاول من كتابها تحت عنوان" مسألة سلوك"، أن الحياة اختيار وأننا نحن من نختار ان نكون.. نجومًا في السماء او اناسًا عاديين نستسلم لما تفرضه علينا الحياة في غفلة منا.. من شيخوخة ومرض. وتشرع في اللفت إلى نقاط هامه، وهو ما تفعله في بقية فصول كتابها هذا، من شأنها أن تكبح جِماح الشيخوخة المتهاوية، تقول إننا لسنا بحاجة إلى الاعاجيب والخوارق للمحافظة على الشباب، وإن كل ما نحتاج إليه هو أن نتخذ مسلك الشباب في حركاتنا واصواتنا وتصرفاتنا مجتمعة لكن بدون مبالغة، وان نرفع من روحنا المعنوية بزيادة الاقبال على مسرات الحياة، كي تتجدد ينابيع النفس تجددًا متواصلًا، منوهةً إلى أن الاثر الذي نتركه عادة في الناس إنما يعتمد على مؤثرات بصرية وسمعية وشمية، وانه من وراء هذا كله ينجم تأثيرنا الشخصي الصادر من قوة عقلنا وتوازن جوانبنا النفسية. وتوضح المؤلفة أن أول واحد من اسرار النجاح في المحافظة على الشباب ومقاومة آثار السنين هو الرشاقة.. مُلمحة إلى أن البدانة هي أهم عوامل الشيخوخة كونها تُثقل الحركة وتجعل من الصعب على الانسان أن يُظهر خفة الشباب ومرونته في جميع انواع حركاته. وتشير إلى أهمية أن يتخذ الواحد منا له نموذجًا يقلده في مشيته، مضيفة انها لا تدعو إلى تقليدنا لإنسان معين حتى لا ننقلب إلى جماعات من القرود، وإنما هي تدعو إلى شيء من نشاط المخيّلة، موضحة أنه على الواحد منا أن يخلو إلى نفسه ويتخيل أفضل صورة يتمنّى أن يرى نفسه فيها خلال مشيته. وتدعو المؤلفة إلى الفرح بالحياة عبر الابتعاد عن الهموم قدر الامكان ، مؤكدة أن جسمنا سيكون مرآة لما يدور في نفوسنا.
كما ترى المؤلفة أن مصير شخصيتنا بين ايدينا، وأنه مرهون بإرادتنا وإيماننا وعزيمتنا، وعليه ليس علينا إلا أن نريد، حتى يكون لنا ما نصبو إليه ونتطلّع. فنحن- تقول- لا نجني إلا ما زرعناه، ومَن زرع الشوك لا يحصد العنب، ومَن زرع الخروع لا يجني التفاح، وكذلك فإن مَن زرع الخوف والتشاؤم والخذلان والياس، لن يجني القوة والفتنة والسرور.
تلفت المؤلفة إلى أهم واحدة من عقبات تعديل الشخصية وهو الخجل، وتتوجّه إلى مَن يجعلون مِنَ الخجل عقبة في سبيل تعديلهم شخصيتهم، تقول: لهؤلاء أقول إن السنديانة الضخمة كانت في بداية أمرها بذرة مدفونة في بطن الارض. بعدها تتحدث عن أهمية الحيوية التي يمكن اعتبارُها تعريفًا مناسبًا للشباب، تقول: إن الحيوية حالة نفسية وعقلية يعكسها الجسم.. ممثلًا اياها في التوقد والانتباه، لا في الشرود، وفي التيقظ والصحو، لا في الخمول والتراخي، وفي الاقبال على المسرات واستحداث المزيد منها.. لا في التخاذل.
تُقدّم المؤلفة لقارئها بعد ذلك خمس وصايا هي: أن يجعل رأسه امتدادًا لعموده الفقري لا انثناءً متداعيًا إلى الامام. وألا يدفع معدته قُدّامه، بل يدفع صدره إلى الامام، وأن يحافظ على مرونة ركبتيه، فالركبة من اوائل الحصون التي تهاجمها الشيخوخة، ما يُضفي على المشية ظلًا ثقيلًا. كما توصي المؤلفة قارئها بالاسترخاء، فتوتر الاعصاب يُفسد الرشاقةَ في جميع حركات الجسم، وتؤكد أن الاسترخاء وما يستتبعه من انسجام إنما هو سر بقاء الجمال، ابتداء من حركة الافلاك في السماء، انتهاءً بالموسيقى، مرورًا بضربات القلب.
في فصل آخر تحت عنوان" كيف تتنفس؟"، تقول إن طريقة التنفس هي أهم حركة درامية يقوم بها الانسان، وتضيف إن الممثلين يتدربّون في بدايات طريقهم الفني على كيفية استخدام التنفس، وتُوجّه عناية قارئها، ضمن لفتةٍ موفقةٍ، إلى أهمية الاوكسجين بصفة خاصة على اعتبار أنه عامل مساعد يساهم في تقليل كمية الشحم لدى البدناء من الناس، كونه يحرق الذهن إذا كانت الانفاس عميقة قوية، وتوضّح قائلةً، إن هذا عامل مساعد، كونه لا يكفي لتخسيس الوزن من دون أن يتبع من يريد من البدناء نظامًا خاصًا للتغذية والرياضة، وتتحدّث عن أهمية الجاذبية في المحافظة على روح شبوبية وفرح دائم، تقول: إن أهم أركان الجاذبية لدى شخصٍ ما هو اهتمامُه بالآخرين من المحيطين به، وتتساءل كيف يُمكننا أن نترجم هذا الاهتمام إلى طريقة تنفسية؟ وتجيب إن سبيل ذلك هو الهدوء، فاذا راقبت المتفرجين في مسرح وهم يركّزون اهتمامهم فيما يدور أمامهم ويستولي على البابهم من المشاهد الروائية، ستجدهم يتنفسون بهدوء.. هدوء عميق جدًا، بأنفاس مستريحة وانفراجه شفتين بعض الشيء، وكأن جميع مسام اجسادهم متفتحة لالتقاط ما يدور بين سمعهم وبصرهم.
ترى المؤلفة في فصل آخر تحت عنوان" التعب عدوك اللدود"، أن التعب وما يتفتق عنه من قلق وتوتر يؤثر تأثيرًا سلبيًا على الناس في عصرنا الحديث خاصة، وتلفت بهذا الصدد إلى ما قاله اللورد برتراند رسل- أحد كبار فلاسفة عصرنا- وهو : أن انواع التعب مختلفة وأن بعضها اخطر بكثير من بعضها الآخر واشد عرقلة للسعادة. والتعب البدني المحض- اذا لم يكن شديد الاسراف- قد يكون واحدًا من أسباب السعادة.. ذلك أنه يؤدي إلى النوم العميق، والشهية الجيدة، ويبعث فينا الاقبال على المسرات المتاحة.. وتوضح المؤلفة أن الإنسان العاقل لا يفكر في متاعبه، إلا إذا كان هناك جدوى من ذلك التفكير، وفي الليل لا يفكر في شيء اطلاقًا، فشرط السعادة تنظيم التفكير بحيث نفكّر في كل شيء في وقته المناسب.. تفكيرًا كافيًا. لا أن نفكر تفكيرًا مضطربًا في جميع الاوقات.. فمتى وصلنا إلى قرار، نطرح الموضوع ولا نُتعب ذهننا من غير داع.
تشير المؤلفة في فصل آخر إلى أهمية مراقبتنا لأصواتنا، فهذه الاصوات تحتضن المودة والتسامح وسعة الافق وهي الاساس الذي يترجم عنه الصوت الساحر الشاب على الدوام مهما كانت لهجة الكلام ومناسبته. في فصل آخر تؤكد المؤلفة أن الإيحاء الذاتي- أحد مصطلحات علم النفس- كون ما نُفضي به إلى اللاشعور يتحوّل إلى فعل، تقول: إن عملية الإيحاء الذاتي هو عملية أدخال مما قرره الشعور إلى مملكة اللاشعور، والمثابرة على ذلك إلى أن تستقر البذرة وتتأصل جذورها ثم تؤتي ثمرها تلقائيًا. وعليه لا بأس من أن تقول لنفسك جملة مرات عديدة في يوم واحد هي: "ترقية نفسي هي الأمنية التي أسعى لتحقيقها".. وسترى بعد ذلك أن الآية ستنقلب.. وسوف تجد نفسك مسوقًا من اللاشعور إلى كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف.
المؤلفة تُبدع في حديثها عن اللاشعور ومما تقوله: وطّن نفسك أن تستيقظ في ساعة معينة وسوف يوقظك لا شعورك. وتخلّص في حديثها عن الإيحاء الذاتي إلى أنه لا يحارب الانانية فحسب، بل يقضي عليها، فهو اذن عامل خير أولًا وأخيرًا، إنه قوة تغير بها ما بنفسك من روح التخاذل والشعور بتقدم العمر، إلى روح التفاؤل وتفتح الشباب الحقيقي للحياة الجميلة الراقية النقية من شوائب الطيش وشوائب التداعي والتهدم على السواء.
هناك فصول أخرى لا تقل أهمية في هذا الكتاب الدسم، أكتفي بذكر عناوينها وهي: راقب عينيك، راقب طعامك وشرابك، وقاوم شعورك بالنقص، كونه شعورًا هدامًا. وتقترح المؤلفة اكثر من طريقة لمقاومة هذا الشعور، كما تقترح ألا نكف عن الحب، وتستشهد بقول للشاعر الالماني هايني هو:" أنا أحب.. إذن انا موجود"، وتُنهي كتابَها الرائع هذا بقولها: عش ودع الآخرين يعيشون.. دع المخاوف واستقبل الحياة.. هذا هو شعور الشباب الدائم و العمر الطويل والسعادة الشاملة.. في آنٍ واحد.