الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 22:02

الشاعرة الفلسطينية سماح خليفة والحلم خارج الذات/ بقلم: شاكر فريد حسن

شاكر فريد حسن
نُشر: 18/10/21 07:39,  حُتلن: 08:05

كدفقة نور تتسربل

في مسامات جلدي

هي اطلالتك العصية على

التاريخ

كلحن شجي

فتق مزامير أسفاري

هي ابتسامتك العصية على

التصوير

أيا منفاي ال يتوارى

خلف غابات عشقي

اعتقي سماواتي القاحلة

من كل ألوان الحياة

ولا تدعيني أموه

في ظلال بوحك المنثور

ولا تتركيني للوحدة 

تلعق سواد عتمتي

وتلفظ ما تبقى من

رحيق النور 

هات يديك

أشعل فتيل الوصل

في سراج قلبينا

وسدي نوافذ الريح

واحتطبي ...

من ضلوع صدري

موقداً للدفء

فلا هان في حضرتي

دلال عينيك

ولا خفت في خديك

وهج قبلاتي 

صاحبة هذه القصيدة الناعمة الرقيقة الشفافة ، والبوح الصادق ، والكلمات الدافئة ، هي الشاعرة الفلسطينية سماح خليفة ، التي لفتت كتاباتها الابداعية نظري منذ فترة ليست بعيدة ، فهي كاتبة وشاعرة من محافظة طوباس في الضفة الغربية، ولدت في العام ١٩٧٨،وتخرجت من جامعة النجاح الوطنية، وتحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية، وهي غزيرة الإنتاج، تكتب بإحساس صادق وتنشر قصائدها وخواطرها النثرية في العديد من مواقع الشبكة العنكبوتية ، وقد صدر لها أخيرًا ديوانها الشعري الأول عن مكتبة كل شيء فيحيفا لصاحبها الناشر صالح عباسي ، وهو بعنوان "أبجديات أنثى حائرة "، وقدم له الدكتور الناقد عمر عتيق ، الذي يرى أن سماح خليفة ابتكرت أسلوباً لافتاً في صياغة الاهداء في ديوانها بعيداً عن مضامين الاهداء المعروفة ، وكأنها تنقل الأفق الدلالي المتوقع من العنوان الاهداء ، وفي هذا التحول الاسلوبي يكمن التجديد والابتكار 

يبدو من نصوص سماح خليفة أن تجربتها الشعرية تفتحت على الواقع الفلسطيني والمعاناة اليومية في ظل الاحتلال، وما يكتنف هذا الواقع من انتفاضات ومواجهات، وهذه المعاناة هي الباعث الذي فجر في اعماقها الطاقة الشعرية، فحملت هموم الوطن وجراحات الشعب، واتسمت الكثير من قصائدها بأبعاد وتوجهات وطنية، وكان لقصائدها الوطنية لون ومذاق خاص ونكهة مميزة بطعم القهوة العدنية.

سماح خليفة تغزل حروفها من حرير منقوع بمداد القلب والروح، وهي شاعرة ذات قدرة في رسم الصورة الشعرية، وقصيدتها تطفح بالمشاعر الحقيقية المرهفة التي تتدفق على لسان كل امرأة عاشقة، فتكشف عن أوراق حبها وعشقها الروحي، وتبوح بأحاسيسها وعواطفها الجياشة، بكل صدق ووفاء واخلاص

وكما تقول سماح عن نصوصها: "تلمس في النص، تلك الأنثى التي تتحدث بلسان المرأة، بلسان الوطن، بلسان الرجل، بلسان الانسان الحالم، بلسان الحب، بلسان الوجع المعتق في كؤوس النفوس الحائرة لضبابية الزمن".

سماح خليفة رقيقة الاحساس، أنيقة الحروف، صادقة البوح والتعبير، وأشعارها ذات ألوان زاهية جميلة، تكشف طاقة شعرية لمبدعة متمكنة من لغتها وأدواتها، تبرز قدرتها على التشكيل الجمالي في الأداء الشعري، وتتجلى في نصوصها متانة السبك والصياغة وجمال اللغة والرقة والنعومة وروعة الصور، وعذوبة ايقاعاتها الموسيقية وغزارة عواطفها المتدفقة كالينبوع مما يجعل لشعرها جاذبية وأثرًا بالغًا في النفس والذات المتلقية

ولعل القارئ يلمس في قصائدها جملة من الخصائص الانسانية، التي تنبض بها من خلال حس شفاف تمتاز به، وتعكس مدى ايمانها بالفضائل والقيم الانسانية السامية والمعاني الخلابة الرقيقة القريبة من القلب الانساني الدافئ.

تتميز نصوص سماح خليفة بإشارات عميقة ودلالات حسية، وأهم ملامحها وحدة البناء العضوي، وهي تسوق مشروعها الابداعي وخطابها الشعري على طريقة الرمز الدلالي، واسلوب السهل الممتنع في أحيان أخرى، وصورها الشعرية حية مرسومة بالإحساس المرهف والصدق العفوي، والموسيقى المنسابة والايقاع الشعري الفيروزي.

سماح خليفة تعانق الشعر بالكلمة العذبة، وترسم لوحاتها الشعرية والنثرية الابداعية بغواية عارمة، وبشغف الأنثى التي لا تكبت مشاعرها ولا تخاف البوح عن احساسها الأنثوي، وتحلم في ثنايا القصيدة بالقبض على الكلمات شفافة مثل نشأتها الأولى، وتقتفي آثار الشعر في متاهات الزمن، في جوارحها وجراحها بنبض الحب، بملامح طفولية وتنهيدات قلب أضناه الوجع والألم والشوق والحنين والغياب الطويل.

سماح خليفة تكتوي بنار وجمر الحب حينًا، وبهموم الوطن، وصخب الزفرة في جرف الحياة حينًا آخر، مرافقة أوجاع الانسان بدقات وخفقات ونبضات قلبها وروحها. تطاول عيناها النجوم، وتغيب في ليل وظلمة شديد الحلكة والسواد، وصباح ندي تئن فيه تحت وطأة الديجور، قلقًا، وعشقًا، ووجودًا، وحياة، وغربة، وشوقًا في انتظار الآتي الجميل.

سماح خليفة شاعرة تعلن في نصوصها انها تمتلك طاقة ومخزونًا شعريًا ونثريًا ابداعيًا، وموهبة حقيقية تقارع التعثر، انها ترفع لواء وراية القصيدة الجميلة الصافية التي تعتمد مقومات الشعر، وتفتح قلبها وذراعيها لما تنبض به الحياة، فهلمي يا شاعرتي وأنبري ابداعًا، والهامًا، وبوحًا، ومزيدًا من التألق والنبض الشعري، مع خالص التحية.

مقالات متعلقة