عندما كان اللواء جيل السيد رئيس جهاز الأمن العام اللبناني سابقا متهماً بالمشاركة في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق الراحل رفيق الحريري، لم يجد من يدافع عنه بقوة سوى حزب الله، الذي ظل يدعمه ويقف إلى جانبه حتى أوصله فيما بعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى عضو في مجلس النواب اللبناني.
والتاريخ يعيد نفسه مع جورج قرداحي.أنا شخصياً لم أعرف الاعلامي جورج قرداحي عن قرب، بل عرفته في البداية من خلال عمله كمقدم نشرة أخبار في تلفزيون لبنان الرسمي، ومن ثم محررا في إذاعة مونتي كارلو الفرنسية، وبعدها انتقل إلى فضائية أم.بي.سي. السعودية وقدم برنامجه المشهور من سيربح المليون. وبالمناسبة هذا البرنامج ليس من بنات أفكار قرداحي أو "زبانية" إعلام السعودية بل هو برنامج أمريكي قامت فضائية أم بي سي بشراء حق تقديم البرنامج بالعربية.
المهم في الأمر، أن قرداحي نال شهرة واسعة من خلال هذه الفضائية السعودية التي كانت أولى فضائيات العالم العربي. وهو لا يستطيع أن ينكر أبداً أن السعودية هي التي جعلت منه نجماً لامعاً ورفعته إلى القمة، والسعودية نفسها تحاول الآن إسقاطه من علو. لكن موضوع تصريحه الأخير الذي سبب أزمة بين لبنان والسعودية ليس السبب الرئيس لمحاولة إسقاطه، بل هناك خلفية أخرى. فعندما حدثت الثورة السورية ضد نظام آل الأسد القمعي، وقف قرداحي إلى جانب النظام ودعمه، بعكس الموقف السعودي. هذا الموقف من قرداحي كان سبب الطلاق الإعلامي بينه وبين السعودية "مربيته إعلامياً".
موقف قرداحي لاقى ترحيباً من حزب الله الذي دعمه أيضاً في تسميته وزيراً للإعلام قي حكومة نجيب ميقاتي. وها هو حزب الله وإعلامه يدافعون عن قرداحي وكأنه أحد أفراد فيلق القدس الإيراني. لكن ما الذي فعله الوزير قرداحي حتى يشن عليه إعلام الخليج هذه الحملة الكبيرة، لدرجة دفعت ببعض دول الخليج إلى سحب سفرائها من لبنان، ويطالب قادة هذه الدول باستقالة قرداحي؟ كل ما في الأمر أن جورج قرداحي أعرب عن رأيه الشخصي في موضوع حرب السعودية على الحوثيين في اليمن ووصف هذه الحرب بأنها:" عبثية يجب أن تتوقف، وأن ما يفعله الحوثيون هو دفاع عن النفس". هذا التصريح ورد ضمن حلقة من برنامج "برلمان شعب" الذي يبث عبر قضائية الجزيرة,
وبغض النظر عن رأينا في قرداحي ومواقفه المؤيدة للنظام السوري، وبغض النظر عن مواقفه المتقلبة بين مؤيد للسعودية تارة وأخرى مخالف لسياستها، فإن الرجل أبدى رأيه الشخصي في حرب وهو حر في رأيه وأفكاره، ولا يجوز لأحد فرض مواقف عليه، خصوصاً أن أقواله وردت في وقت لم يكن فيه قرداحي وزيراً. لذلك لا يجوز أبداً معاقبة دولة على رأي قاله شخص قبل دخوله الحكومة. وهو نفسه قال أن المقابلة معه تم تصويرها في 5 أغسطس/آب الماضي،أي قبل تعيينه وزيرا بأسابيع، وأن مواقفه في تلك المقابلة تجاه سوريا وفلسطين والخليج هي آراء شخصية، لا تلزم الحكومة وتم بثها بعد دخوله الحكومة. والسؤال المطروح : لو أن صحفياً أميركياً أو فرنسياً أو بريطانياً أعرب عن نفس الرأي الذي أبداه قرداحي، هل تطالب السعودية بالإعتذار أو باستقالة الحكومة، أم أنها تغلق فمها وتسكت؟
قرداحي أكثر شخص يعرف القيادة السعودية وأكثر إعلامي تعامل معهم ولا سيما الملك عبد الله. وقد أطلعني الصديق العزيز الإعلامي اللبناني المعروف حسن صبرا أنه التقى قرداحي ذات مرة على مائدة غداء أقامها الملك عبد الله في الرياض، حيث كانت تربطه علاقة متينة بأوساط العائلة المالكة، وهو يعرف كيف يفكرون. وقتها سأله الملك عبد الله مازحاً : " يا جورج متى تربحني المليون".
في الواقع أنا أختلف مع قرداحي في المواقف السياسية، فهو في واد وأنا في واد آخر. لكن ما حصل مع قرداحي هو نتيجة تقلبات في مواقفه وهو الآن لا يدقع وحده ثمن هذه المواقف بل أن الحكومة اللبنانية هي المطلوب منها دفع الثمن.
قرداحي الآن أمام مفترق طرق: إما أن يستقيل وينقذ لبنان من الورطة التي أوقع لبنان فيها، وإما أن يبقى ويعرض لبنان لمزيداً من الأزمات، وإما أن يبحث عن هو ورئيس الحكومة عن حل آخر لإعادة المياه إلى مجاريها بين لبنان ودول الخليج ولا سيما السعودية، وهنا تكمن الصعوبة.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com