الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 12:02

تخيّلات تهيّؤات طلاسم في دنيا أحلام المواسم-السفير منجد صالح

السفير منجد صالح
نُشر: 08/11/21 01:55

في بلادنا العزيزة تكثر المواسم، قديما وحديثا. فهناك موسم قطاف الزيتون، وهو من المواسم الهامة والتقليدية والمُباركة، التي ينتظرها الفلسطيني من الحول للحول. 

تتشارك فلسطين في موسم الخير هذا مع شقيقاتها وزميلاتها دول حوض البحر الابيض المتوسط شماله وجنوبه وخاصة مع الأردن ولبنان وسوريا وتونس والمغرب وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وتركيا واليونان وقبرص.

وهناك موسم حصاد القمح والشعير والعدس والسمسم، وطقوس السهر في الليالي الصيفية المقمرة الدافئة على البيادر والإستمتاع بمراقبة نجمات "درب التبّانات" تتلألأ في كبد سماء فلسطين الصافية. 

وهناك مواسم الخضروات والحمضيّات من الأغوار والساحل الفلسطيني المُطرّز ببيّارات البرتقال والليمون وأبو صرّة والشموطي والبوملي والجريب فروت والكلامنتينا والمندرينا. وموسم الجوّافة في قلقيلية وضواحيها. 

الخيرات كثيرة وفيرة في بلادنا التي يُسمّم هواءها وترابها ومسامات جلود اهلها المحتل الغاصب. سرق الأرض وسرق الزرع وسرق الشجر وسرق بهجة الفلسطيني بمواسمه ومحاصيله ودنياه وأيّامه ولياليه. 

لكن الشعب الفلسطيني صامد متجذّر في أرضه منذ كنعان وحتى مخيم جنين. يقود سفينته التي تلاطمها الأمواج وتصارع الاعاصير والانواء، مصمّمٌ أن يوصلها إلى برّ الأمان، يوم تصدح موسيقى الحرية والاستقلال والسيادة على ربى وهضاب وتلال وجبال فلسطين. 

وتزول الغمامة السوداء وينقشع الغبار عن واحة من الديمقراطية والحريّة والعدالة والمساواة والرخاء والعزة والكرامة والإباء.

يحق لنا كشعب فلسطيني أن نحلم وأن نحلم أحلاما ورديّة، وأن نحقق أحلامنا وأن نُبعد عن مناماتنا الكوابيس لا سمح الله، وأن نرفل بأثواب العزّ والكرامة والأنفة والإعتزاز بالنفس وبشبابنا وشاباتنا أمثال: أشرف نعالوه ومهند الحلبي وثائر حمّاد وعمر أبو ليلي، بهي الطلّة والطلعة دائما. 

وفي إطار هذا الحق في الحلم الذي أعتقد أن كافة الشرائع السماوية والأرضية تُجيزه وتكفله، فقد حلمت أن كافة المعتقلين الفلسطينيين الأسرى الأبطال قد خرجوا من سجون الإحتلال وتدثّروا مباشرة في أحضان أهاليهم وعائلاتهم وشعبهم. 

يا للفرحة أن يعود الأب الذي لم يَرَ صغاره منذ عشر سنوات ليحتضنهم وتمتزج على خدّه وخدودهم دموع عينيه مع دموع أعينهم، فلم يعد يُعرف هل الدموع الهاطلة دافئة منعشة هي دموعه أم  دموعهم. 

وأن يحتضن الأب ولده، والأم بنتها، والشقيق شقيقه والزوجة زوجها في لوحة عاطفية إنسانية بديعة، تضع حدّا للألم والدموع وتُنير الدرب نحو مستقبل عطر زاهر.

ذهبت منذ مدة لزيارة صديق يسكن في ضواحي مدينة رام الله. كان يعمل في مؤسسة وطنية خاصة وتقاعد قبل حوالي العام. يُشغل نفسه بإستئجار كروم من الزيتون وقطفه في موسم قطاف الزيتون، ويُربي عدة غنمات في طرف حاكورة بيته "يتسلّى" بها ويملأ أوقات فراغه ويعمل عملا نافعا يُدرّ عليه ببعض المال يُعينه إلى جانب راتبه التقاعدي على متطلّبات الحياة في بلادنا. 

وفي المُدّة الأخيرة "ربنا أعطاه وزاده من نعيمه"، ففتح محلّا لبيع الأعلاف وبيع الطيور: الديوك البلدية وطيور الحجل (الشنّار) وطيور الفرّي. كما افتتح بعد ذلك سوبر ماركت صغير (ميني ماركت) ملاصقا لمحل الأعلاف.

جلسنا وتحدّثنا عن أحوال الطقس، عن الصيف والخريف وعن الربيع، الربيع الحقيقي، بخضرته وأزهاره وأشجاره وثماره، وليس عن "الربيع العربي بأشواكه!!!"، وعن الشتاء القاسي لكن المدرار خيرا ومطرا والحمد لله، وحمدنا الله بأن موجات المطر والبرد المُتتالية التي اجتاحت "مضارب قبيلتنا" قد حمتنا للسنة الثانية على التوالي من هجوم الجراد الذي اكتسح البلاد القريبة والبعيدة. 

جدير بالذكر بأن ملايين الجراد التي تغطّي موجاتها الأرض والسماء تأكل وتستهلك 200 طن من الغذاء يوميا. 

تصوّروا أن الجراد كان سيقاسمنا حبة البندورة وحبة الخيار وضمّة السبانخ وضمّة البقدونس، ومن الممكن أنه كان سيقضمها كلّها ونضّطر نحن إلى "التسلية" بالشيبس و"الزواكي" من السوبرماركيتات المحميّة من سطوة الجراد.

وهل ينقصنا الجراد في بلادنا المحتلّة "المدبوزة" ب"الجراد"، الذي أكل جغرافيا فلسطين ولم يبق لنا إلا 10% من أرضنا؟؟!! قدّمها، نظريّا، لنا على صينية "صفقة القرن" المسمومة، مدعوم من أعتى قوّة على وجه الأرض ومن أعتى رئيس على الأرض، في حينه، الطاووس الأشقر "مستر" ترامب، و"جراده": كوشنير وبومبيّو وفريدمان وغرينبلات وبيركوفيتش ونيكي هايلي.

وفي نهاية الزيارة، وقبل أن أغادر بعشرة دقائق، سألت صديقي سريعا عن إبنه المعتقل إداريّا منذ أكثر من عام في سجون الإحتلال. 

فأجابني:

"أخذوه" قبل خمسة أيّام!!!"

إستغربت وسألته: 

"هل معنى ذلك أنّهم كانوا قد أطلقوا سراحه وأعادوا إعتقاله مُجدّدا قبل خمسة أيام؟!".

فأجابني" 

لا، أقصد ابني الصغير، الطالب في جامعة بير زيت سنة رابعة. 

فقلت له: 

ابنٌ آخر، هذا لا أعرفه، وهل إعتقله الجيش الإسرائيلي من البيت؟ 

فقال: 

نعم، من البيت منتصف الليل، ولكن ليس الجيش الإسرائيلي!! 

ليس الجيش الإسرائيلي؟؟!! سألته مستغربا، إذن من؟؟ 

فصمت صديقي ولم يُجب، .. وصمتّ أنا بدوري ولم أعد أسأل مُجدّدا، .. وتذكّرت الحُلم الذي حلمته عن خروج كافة المعتقلين الأسرى من سجون الإحتلال!!!. 

وما زلنا نحلم ...!!! 

كاتب ودبلوماسي فلسطيني

 

مقالات متعلقة