الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 25 / نوفمبر 06:02

عادل عبدالكريم و ياسر عرفات/ بقلم: بكر أبوبكر

بكر أبوبكر
نُشر: 14/11/21 07:28,  حُتلن: 07:34

كتب الكثيرون عن الراحل الخالد ياسر عرفات رحمه الله، وبإمكان أي كان في كلّ العالم أن يقرأ عنه من بطون مئات الكتب وبجميع اللغات تقريبًا، ولم يتوقف المقربون منه أو الأباعد في الكتابة عنه فهو شخصية جاذبة ذات ألق استطاعت بما تمتلكه من مزايا متنوعة أن تسطر بصفحات التاريخ ما لا يمكن أن ينسى، لان كل منّا فيه شيئ من ياسر عرفات كما قال عنه الراحل الشاعر الكبير محمود درويش.

لم نأل جهدًا ونحن لسنا المقربين من الختيار أبوعمار أن نكتب عنه، ما اعتبرناه واجبًا وحق للأجيال التي لم تعايشه، فكان كتابنا الصغير المعنون: "ياسر عرفات تاريخ من صنع يديه" وهو ما رأيته يعبر عن حقيقة الرجل الذي اقتربنا منه بالقليل من المرات، وكنا من جمهور المراقبين المؤيدين له أوالناقدين لسياساته أو بعض مواقفه الكثيرة. ولقد كفى التاريخ عنه ما سطرته مئات الأقلام، وحفظه عنه الملايين وطبع فيهم شيء ما منه لايزول.

كنت أقدِم وأحجِم في الكتابة عن كتاب د.عبدالله الدنان الصادرمؤخرًا عن دار البيروني في الأردن عام 2020م عن عادل عبد الكريم ياسين أحد مؤسسي حركة فتح رحمه الله وصديق الكاتب الدنان المقرب ورفيق عمره كما أشار غير مرة في كتابه، ورغم أن عنوان الكتاب هو "المناضل الكبيرالدكتورعادل عبالكريم ياسين، حياته ونضالاته" فإنه كان يستحق عنوان أكثر دقّة وهو عادل عبدالكريم وياسر عرفات فقط، أو عادل عبدالكريم ود.عبدالله الدنان في مواجهة ياسرعرفات خلال البدايات.

إقدامي على كتابة هذا المقال كان من زواية أن الضرورة تقتضي برأيي الإشارة للكتاب وتقديمه وتوضيح بعض ما جاء فيه، أو نقده وتبيان التحامل فيه ودحضه، ولكن الاحجام أتي من رغبة عامرة بعدم الإساءة لأي من الطرفين محور الكتاب أي ياسر عرفات وصحبه في مقابل عبدالله الدنان أو مقابل عادل عبدالكريم والدنان والاثنان من ذات التيار بحسب الرواية بالكتاب لأنه اشتمل على ما اختلف معه كثيرًا، أو لا أتفق معه كثيرًا، وبالتالي يصبح الرد وكأن المقصود به تثبيت أو تصحيح أوتفنيد للروايات المشحونة (خاصة تلك بين عادل وياسر أو بين عبدالله وياسر) ما لم أرغب به خاصة وأن جزء كبير من المروي يعتبر تاريخًا معتمدًا في حركة فتح حتى اليوم، وفهمناه كما ذكره د.عبدالله الدنان دون الإضافات العاطفية المشحونة منه سواء بالقيم والنظرات السلبية والمواقف المتوترة أو الاتهامات أو الرأي الشخصي الذي هو من حق الشخص فقط، وذلك ضمن فهمنا اللاحق-ما تعلمناه وخبرناه- لمعني الشخصية الإنسانية وصراع القيادة والنفوذ والقيادة والهوي والنزق الذي أبصرناه وتابعناه ضمن موقعنا الحركي، وضمن فهم للمنطوق الإلهي بمكامن الخير والشر في الانسان وعدم الحكم على أي شخص من موقف واحد أو فترة معينة دون النظر بالاجمال.


الكتاب مليء بالأسماء الهامة في تاريخ حركة فتح في البدايات، وهذا شيء جميل ويحسب للدكتور عبدالله الدنان جزاه الله خيرًا، لا سيما وأنني شاركت في اعداد كتاب اللواء محمود الناطور أبوالطيب عن حركة فتح وياسر عرفات المعنون: "حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات" على جزئين من 1322 صفحة من القطع الكبير، الذي يعدّ سفرًا عظيمًا يحوي صفحات هامة تؤرخ للحركة فلم تخرج الأسماء وترتيبها كثيرًا عما دوّناه بأمانه عن البدايات الحركية المثيرة.

يضع الكتاب كتاب د.عبدالله الدنان أمام القاريء ما نسميه في فتح "بيان حركتنا" وما نسميه "البلاغ الأول" والثاني، وأيضًا "هيكل البناء الثوري" وهو النظام الأساسي أوالداخلي الأول لحركة فتح الذي رسم المعالم الأولى الجنينية لفكر الحركة، وهذه الوثائق جميعاً مازالت تعدّ من تراث الحركة التي لم تحِد عن غالب ما ورد فيها (على الأقل نظريًا) الا تطويرًا فكريًا أو عمليا عبر قاعدة المبادرة التي ميّزت الحركة التي قادها ياسر عرفات ما بعد فترة البدايات المرتبكة ضمن حالة الصراع القيادي والمنهجي المذكورة بالكتاب.

وهوإذ يشير بوضوح بالفضل لصدور هذه الوثائق الأولى لفتح، ثم لاحقًا (بشكل جزئي) لنشرة "فلسطيننا نداء الحياة" الى عادل عبدالكريم، فهو أي عادل عبدالكريم رجلٌ لاتنكر أياديه البيضاء علي بدايات الحركة وعلي قدرته العقلية في التفكير والكتابة، بل وفي الادارة والتنظيم بشخصيته المؤثرة ضمن الرعيل الأول والمؤسس الي جانب أبوعمار وأبوجهاد، ثم عبدالله الدنان(من 1960-1966م)، وسليم الزعنون وخالد الحسن ومحمود عباس وأبوإياد، وثلة محترمة منها من أكمل المسيرة ومنها من ترك كما فعل د.عبدالله الدنان.

من المنطقي حين التعرض لشخصية تاريخية سواء تلك التي نتفق معها أو نختلف مع مسارها ومواقفها أن نعرض مواقفها من زوايا نظر مختلفة فلا نسِمها بوسم محدد بحسب نظرتنا المحددة، وغالبًا الممثلة للانطباع الذاتي، او استنادًا لموقف أو مواقف حتى لو كانت صحيحة من وجهة نظري، وذلك لما يختلط على المرء في كثير من الأحيان ما بين الحقيقة والنظرة الشخصية لاسيما في ظل خلاف عميق وفي ذات الوقت وعلى صحة الموقف لأي من الطرفين، ذاك لأن الحكم المطلق علي الأخر فقط من منظار أو زاوية محددة يعدّ تجنيًا وخروجًا عن الموضوعية.

نحن لا نستطيع في كثير من الأحيان فصل العاطفي عن العقلاني، أو الشخصي عن العام وبالتالي نحقن ردود أفعالنا بكلمات صعبة ومشحونة تظل مصاحبة لنا تجاه الشخص طوال حياتنا إن لم نتعلم التسامح والعفو والنسيان.

قلت أنني لا أريد تفنيد أو الطعن بالروايات المذكورة في الكتاب المتعلقة بالخلافات مع ياسر عرفات وتياره، وهي التي استأثرت بمجمل الكتاب وعقل الكاتب وعاطفته ليس من باب الإقرار وإنما من باب العذر للكاتب وخاصة أن المذكورين جميعا في سطور كتابه هم المؤسسون الذين نكنّ لهم جميعًا رغم اختلافهم كثير من الحب والاحترام والوفاء الذي علّمنا إياه لحسن الحظ مسلك ياسر عرفات ذاته، وقيمه وصحبه ممن أكملوا معه المسيرة، فلم نسمع من أبوإياد ولا أبوجهاد ولا أبوالأديب ولا أبوعمار أي ذكر مسيء لأي من المؤسسين بل كان يتحاشى، وكانوا يتحاشون كلهم كليًا أي محاولة لذلك، وكما فعل عادل عبدالكريم الذي عفّ لسانه عن الاتيان بما يضر بالثورة التي شارك بصنعها وبزميله الذي اختلف معه ياسر عرفات وخرج منها عام 1966م، وبالطبع ثلة كبيرة من التيار الآخر ونحسب أن الدكتور عبدالله الدنان يكتب للتاريخ وللنقد والاستفادة من تجربة خلافاتهم في البدايات بغض النظر عن الاتجاه الواضح لرأي الدنان وتأثره البالغ الى اليوم بما حصل معه في تلك البدايات.

مما يدركه المرء بوضوح أن فتح لم تكن بتاتًا اخوانية "الاخوان المسلمين" كما حاول البعض وصمها به بدليل ما كتبه الكثيرون ومنهم هذا الكتاب، ومما يدركه المرء من النظرة الأولى أيضًا أن التجارب والخلفيات مختلفة، فتجربة ياسر عرفات الغنية جدًا ما قبل الكويت (وأيضًا ما بعدها) التي لم يأتِ الدنان علي ذكرها قد سبعت شخصيته منذ شبابه وميادين فعله الطلابي القوي وهي المليئة بالمواجهة ما تفاجأ به الدنان عندما انضم للركب بعد عدة سنوات من التأسيس بين أبوعمار وعادل عبدالكريم وابوجهاد وآخرين، وما جعلت ياسر عرفات لاحقًا على ما عرفناه.

في فترة خلية الكويت وهي الأساسية (الى جانب خلايا أو بؤر أُخَر توزعت على العالم العربي) ، كان اللقاء الأول بين شخصيتين مختلفتين ومنهجين مختلفين بالتفكيروالعمل كما نفهم من النص. وعليه تصارع مع الزمن القصير تياران وتجاذبًا داخل الحركة وهما التيار المنطقي العقلاني كثير الحساب للمخاسر والفوائد الذي يخطط مسبقًا ويتخوف ويتردد من ردة فعل العرب ويحسب لهم ألف حساب ويتشدد بالضوابط والمركزية، وهو تيار حريص الى حد الجبن كيفما قد تفهم الأمر، وهو تيار عادل عبدالكريم، ومعه الكاتب وبين تيار جريء وشجاع يقدّم العمل والمبادرة والانجاز، وهو تيار شعبي مقدام بل قد يوصف أحياناً بالمغامر الى درجة التهور كيفما تفهم الصورة، وهو تيار ياسر عرفات، وعليه كانت الاتهامات تتوزع أوالاختلافات تقع بين الطرفين علي مساحة الشخصيتين المركزيتين أبوعمار وعادل عبدالكريم الى الدرجة التي أصبح فيها المكملون للمسيرة هم المغامرون أو المجانين، والمنسحبون هم العقلانيون، ولم تفتّ هذه التسمية من عزيمة "المجانين" الذين ظلوا يطلقون على زملائهم المنسحبين صفة العقلانيين وتقبلوا صفة المجانين.

حسب د.عبدالله الدنان (ص40) ما نتفق فيه معه فلقد كانت اللجنة المركزية بعد انضمامه هو لها أي عام 1960 تضم عادل عبدالكريم وياسر عرفات وخليل الوزير ويوسف عميرة وعمر حسني، وعبدالله الدنان وعبدالكريم عبدالرحيم، ثم لم يصمد منهم الا 4 حتى العام 1966 ثم اثنين فقط ما بعد ذلك هما ابوعمار وابوجهاد بعد انسحاب هاديء من قبل من أصبحوا لجنة مركزية وهم عادل عبدالكريم وعبدالله الدنان ومحمود فلاحة ومنير سويد.

إثر تفجر الخلاف مع أسلوب وطريقة إدارة أو تعامل ياسر عرفات مع اللجنة المركزية ثم تجميده وسحب الثقة منه تطورت الأحداث وحصلت المراجعات بين أعضاء اللجنة المركزية القدامي والجدد فكان 4 فقط مع التمسك بسحب الثقة منه، في مقابل 9 تراجعوا عن سحب الثقة بياسر عرفات بعد أحداث كثيرة وأعادوه بقوة للحركة وهم: خالد الحسن وسليم الزعنون وفاروق القدومي وخليل الوزير ومختار البعباع ومحمود الخالدي وحسام الخطيب ومحمد يوسف النجار ومحمود عباس (ص171) وعليه يقول د.عبدالله الدنان في ذات الصفحة "وبذلك ضمن ياسر عرفات بقاءه في دمشق وبقاءه في حركة فتح وبقاءه ناطقًا رسميًا باسم قوات العاصفة وهي القوة الضاربة لحركة فتح. أصبح أعضاء اللجنة المركزية الذين قرروا الاستمرار بالعمل مع وجود ياسر عرفات أكثرية. وكان هذا مؤلمًا حقًا".

وبالطبع لا نقيم هنا أي الرأيين كان الصائب، رغم أن الواجب حسب اللوائح الحركية التزام الأقلية برأي الاكثرية، ورغم أن النص يعرض فقط باسهاب الرأي الممثل للكاتب ولا يشير بأي تفصيل للآخر الذي شكل الأغلبية وحقق الاستمرار وديمومة الفعل.

النص يتعرض لشخصية ياسر عرفات فقط من الزاوية السلبية والمثالب، بعيدًا عن الموضوعية التي تقتضي غير ذلك، فإن نص الكتاب يتعرض لها بافتراض أن هذه صفاته الملازمة،ولا تتغير، وليست مواقفًا ارتبطت بأحداث أو شخوص أوسياقات، فإن ذات النص يشي رغمًا عنه ربما باعجاب خفي أو تخوف من طغيان شخصية الرجل وديناميكيته ، وهو ما تم التعبير عنه في عدد من النصوص المتناثرة بين النصوص الكثيرة التي اجتهد الكتاب فيها لإظهار صورة مُعتمة فقط عن ياسر عرفات بمعنى النظر فقط لنصف القمر المظلم.

"كان الجميع متحمسين لفكرة البدء بالعمليات العسكرية وبخاصة ياسر عرفات الذي كان ينتظر موافقة اللجنة (المركزية) وهو على أحر من الجمر" (ص95) ، وكان عادل عبدالكريم متحفظًا. ورغم أن المسؤول الأول عن عملية الانطلاقة في 1/1/1965 حسب الكتاب كان محمد يوسف النجار وليس ياسر عرفات (ص102) الا ان اللجنة المركزية وبعد العملية العسكرية الناجحة والمدوية لياسر عرفات في 12/1/1965 اقترح عادل عبدالكريم "أن يعين ياسر عرفات قائدًا عامًا لقوات العاصفة وناطقًا رسميًا باسمها معللاً ذلك بانه وفاء من اللجنة المركزية لأحد أعضائها المؤسسين وتقدير لجهوده في تنفيذ الضربة الأولى، فوافقت اللجنة على الاقتراح وتجاوز الجميع الخلافات السابقة" (ص108) ما يدلل قطعيًا رغم سيل الاتهامات الواردة بالكتاب على قدرة وجاذبية وطغيان (كاريزمية) شخصية أبوعمار، وما نراه يتسلل من كتاب/رسالة أرسله عادل عبدالكريم نفسه حين اختلفوا مع الرجل مطالبين عدم التعاون معه الى مجلس الطواري بقيادة أبوعمار بدمشق بعد ابعاده، وكان مما قال فيه: "الثابت أنه إذا اقتنع ياسر فإنه لن يتصرف بالنقيض" (ص152) دلالة واضحة على ثقل الرجل، والذي حين أبعد عن الموقع أصبح النظر لمجلس الطواريء الذي قاده أنه يعاني من "الارتجال والفوضى وتردي العمل الى ما وصل اليه من حالة الخطر الشديد" (ص149)

يحفل الكتاب بوقائع محددة زمنيًا أي فترة وجود د.عبدالله الدنان في قيادة فتح (بين 1960-1966م) وفي هذه السنوات السبع ينطلق الكتاب للتوصيف واطلاق الاحكام استنادًا لرواية الدنان من جهة ورأيه الشخصي بالأحداث واستنادًا لآراء البعض آنذاك والآراء والمواقف متغيره والظروف غير ثابتة والزمن يدور والمفاهيم تتطور وتختلف ولا تبقى على حالها أكان التغيير سسلبيًا او إيجابًا.

يعرض الكتاب صيغة المتفرد برأيه عن ياسر عرفات وما يمكن ان يُفهم من السياق لو سألنا آخرين غير الكاتب أنه ممارسة للديمقراطية بأسلوبه، أو ما يطلق عليه بالتاريخ العربي الاسلامي المستبد العادل، ويعرض للكذب والخداع ما يفهم لدى الآخرين مناورة أومحاولة للخروج من المآزق، وفي اتهامات الاستعراض واثبات الذات ما نراه استعراضًا أيضًا من الجميع خاصة وعلاقات تيار عادل عبدالكريم المميزة بالحكم السوري آنذاك على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني مقابل استقلالية ياسر عرفات التي لا تقبل التكبيل نعم ما اعترف به النص.

وقد نرى تهمة اللاتخطيط وصرامة اتباع الأوامر القيادية (اللجنة المركزية بالكويت) البعيدة عن الواقع في مواجهة ما يراه تيار ياسر عرفات بالعقل العملي التجريبي أوما أصبح لاحقًا الواقعية السياسية، ونرى بالنص اغراق بالطهرانية (التطهرية) على حساب الثورية ما أصبح لاحقًا بعد الوثائق الأولى من الوثائق اللاحقة في فتح حيث أن التطهري ينسحب أمام الخلاف، والانتهازي يعيش فوق الخلاف والثوري يتعامل مع الخلاف وهكذا كانت واستمرت الثورة فعاش ياسر عرفات ومن سار معه.

الكلمات الكثيرة المشحونة المستخدمة بالنص مثل: التهور وعدم تقدير الامور والتعريض للخطر (ص18) والتسرع والتهور في ضم الأفراد (ص37)....الخ ، يقابها كيل المديح للطرف الآخر مثل: النشاط الكبير والاجتماعات المثمرة...الخ، وهذا مفهوم لطرف يدافع عن مواقفه القديمة، ولكن يصبح غير مفهوم حين وضع التجربة موضع النقد بعد كل هذه السنوات.

نحترم رأي الدكتور عبدالله الدنان وإن اختلفنا معه في تقييم شخصية أو مواقف وسياسات أبوعمار وصرع تياره معهم، فما كتبه عنه المئات بخلاف منه الكثير، أوبخلاف ما سطرته الأقلية من اللجنة المركزية آنذاك (أنظر الصفحات 142-152م) فنظروا للجانب المضيء من القمر كما لم يغفلوا المظلم أحيانًا والسلبيات، أي على عكس الكتاب بين أيدينا، ورغم ذلك ووجود العديد من الأحياء والكتب والتاريخ والشعب والقضية والثورة التي لولا ياسر عرفات لما اكتست لحمًا وعظمًا وصولًا للكيانية والرواية والديمومة رغم ذلك فإن محاولة تكبير أدوار علي حساب دورفي مرحلة محدودة لا نعتقد أنها تفلح حسب ما آلت اليه الأمور. فلكل دور في البدايات وانطفأت النجوم ليتلألأ بالسماء نجم وحيد من حوله أقمار كان ياسر عرفات وله الكثير وعليه الكثير وهذه ضريبة النجم.

لم تقدس حركة فتح الأشخاص بتاتًا فخاضت طوال تاريخها حتى اليوم صراعها الخارجي فقط ضد العدو الصهيوني، وصراعها الداخلي الوطني أو الحركي دون تقديس مرفوض لاي شخص، ولكن الطعن من بوابة واحدة دون الإشارة للعديد من المزايا يعد منقصة كما حال ذاك الشخص الذي طعن بصلاح الدين فثارت الأمة تمجيدًا ونحن لا نقبل التمجيد المقدس لأي شخص او الانتقاص بينما الهدف هو الانصاف.

قد أكون أنا شخصيًا عقلانيًا مع تيار الانضباط الشديد بالإطاروالقيادة الجماعية الذي مثله د.عادل عبدالكريم لو عشت ذاك الزمن، ولكني بالمقابل كنت سأتخذ نفس موقف خالد الحسن ومحمود عباس وسليم الزعنون... باللحاق بقائد عملي فعال ينقل النظرية من السماء للأرض ويجعلها تعيش وتتنفس وتخطيء وتصيب وتتعلم، فالقائد الرؤيوي يتقدم الصفوف أبدًا كما فعل ياسر عرفات، فلحقه الجميع.

في نظرة عامة حول الكتاب الهام للدكتور عبدالله الدنان فإنه ينضح بالمرارة التي مازال يحسّ بها حتى اليوم محاولًا الدفاع عن رأيه وقراره وصحبه الانسحاب من الحركة متعلّلًا بشتى الأسباب التي غالبها في مقابل ياسر عرفات ونهجه، موردًا من الاتهامات الكثير، خلال سنوات وجوده السبع بالحركة، وكان أقساها –بعد انسحابه بزمن طويل،وبعد اتفاق أوسلو-من خلال خطاب له بدمشق عام 1998م يورده بالكتاب ومدافعًا بقوة عن الأنظمة العربية- بالتسمية لمخالفيه "طغمة العدو الصهيوني"(ص188)، وحين القول "تعبوا او اقتنعوا بالخيانة" ضمن ما أسماه فلسفة التعب "إما تعبوا اواقنعوا بالخيانة" (ص195) وأنهم "يحمون الاحتلال" (ص188) أو حين بالغ وهوّل بالقول "هناك حديث عن بلايين الدولارات تملكها فتح مسجل معظمها أو كلها باسم ياسر عرفات" (ص197) ما ثبت قطعيا عدم صحته.

أقول أنه رغم كل ماسبق من تبيان للسلبيات فقط الواردة من الآخرين وبإصرار، ورغم أنه يمثل رأي الاقلية كما أوضح إلا أن حال المحبة والوفاء تطل برأسها مع الحنين رغم كثير الكلمات المشحونة والألم والمرارة الشخصية حيث عبّر لأكثر من مرة باحترام لزملائه السابقين الذين اختلف معهم حيث أورد أنه: "منذ ذلك التاريخ أي الأسبوع الأول من شهر أغسطس أب 1966 قطع هؤلاء الأربعة-عادل عبدالكريم وعبدالله الدنان ومحمود فلاحة ومنير سويد- أي صلة بحركة فتح، إلا أنهم ظلوا يعملون من أجل قضية فلسطين كما انهم ظلوا على صلة أخوية وديّة مع جميع أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بمن فيهم ياسر عرفات. وقد كان عبدالله الدنان يكرّر امامهم فردًا فردًا العبارة التالية: نتمنى من قلوبنا أن تكونوا انتم على صواب" (ص172).

ويضيف "ومع كل هذا، ظل عادل ياسين وعبدالله الدنان ومنير سويد ومحمود فلاحة على صلة طيبة مع اعضاء اللجنة المركزية العليا بمن فيهم ياسر عرفات وأعضاء المجلس الثوري لحركة فتح، ومع من كانوا على اتصال بهم من الأعضاء الآخرين، ولم يتفوهوا بكلمة واحدة يمكن أن تسيء لمسيرة الحركة التي كانوا يتمنون نجاحها، لقد كانوا يثقون بأعضاء اللجنة المركزية السابقين، وكذلك الذين أصبحوا أعضاء في هذه اللجنة فيما بعد يسدون إليهم النصح ويبينون لهم خطورة اتخاذ بعض الخطوات والمواقف السياسية التي يمكن أن تضر بالقضية الفلسطينية وعندما كان الامر يستدعي النشر في وسائل الاعلام كان يتم ذلك".(ص178)


لنتأمل ما قاله الراحل الكبير الشاعر العالمي محمود درويش في تابين ياسر عرفات بتاريخ 21/12/2004: "أن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة.". "يعزينا في هذا المقام أن أفعال هذا القائد الخالد، الذي بلغ حد التماهي التام بين الشخصي والعام، قد أوصلت الرحلة الفلسطينية الدامية إلى أشد ساعات الليل حلكة، وهي الساعة التي تسبق الفجر، فجر الاستقلال المر، مهما تلكأ هذا الفجر، ومهما أقيمت أمامه أسوار الظلاميين العالية.. ويعزينا أيضاً أن بطل هذه الرحلة الطويلة، الذي ولد على هذه الأرض الشامخة، قد عاد إليها ليضع حجر الأساس للمستقبل، وليجد فيها راحته الأبدية، لتغتني أرض المزارات بمزار جديد.. الرموز أيضاً تتخاصم، كما يتخاصم التاريخ مع الخرافة، والواقع مع الأسطورة.. لذلك كان ياسر عرفات، الواقعي إلى أقصى الحدود، في حاجة أحياناً إلى تطعيم خطابه بقليل من البعد الغيبي، لأن الآخرين أضافوا إلى الصراع على الحاضر صراعاً على الماضي، بمحو الحدود بين ما هو تاريخي وما هو خرافي، ولتجريد الفلسطيني من شرعية وجوده الوطني على هذه الأرض. لكن البحث عن الحاضر هو شغل الناس وشاغلهم، وهو ميدان عمل السياسة، وعمل القائد المتطلع إلى الغد.. وكان ياسر عرفات، الناظر إلى الغد، والعميق الإيمان بالله وأنبيائه، عميق الإيمان أيضاً بالتعددية الثقافية والدينية، التي تعطي هذه البلاد خصوصيتها، التعددية المضادة للمفهوم الحصري الإسرائيلي. وكان في بحثه الديناميكي عن الغد في الحاضر يبحث عن نقاط الالتقاء، ويشكل سداً أمام الأصوليات. لم يكن تدينه حائلاً دون علمانيته، ولم تكن علمانيته عبئاً على تدينه. فالدين لله والوطن للجميع.. من منا لم يقف حائراً أمام قوة إيمانه بالعودة القريبة؟ كان بصره كبصيرته يخترق الضباب الأسود."


يضع الدكتورعبدالله الدنان 11 قاعدة من القواعد المبدئية والقيمية الجميلة (ص176-177) ما أسماها "شروط تحقق النصر للثورة العربية الشعبية" نؤيده بها ونشكره عليها من: ضرورة الأمانة، ومراعاة مشاعر الناس ومعاقبة الفاسدين، وصون الحقوق وإعطاء دورات مكثفة ب"عقيدة التحرير الشعبية"، واعتماد البحوث والدراسات العلمية، وعدم جعل معيار الترقي طاعة القائد وتنفيذ الأوامر، وأن فلسطيننا من البحر الى النهر، ومراعاة سيادة الدول العربية وبخاصة الطوق وعدم اختراقها، والاحتماء دائما بالشعب، واعتماد القيادة الجماعية والتشاور.

ودعني أقول وأضيف أننا تعلمنا من الراحل الخالد ياسر عرفات عديد القواعد في ظل سيل منهمر الايجابي والسلبي منه،ولاننزّه احدًا، كان منها قاعدة المحبة أو ما تسميه فتح قانون المحبة ثم الصفح والتسامح، وقاعدة الإمام الشافعي (وعين الرضاعن كل عيبٍ كليلةٌ* لكن عين السُخط تُبدي المساويا)، ما كان يردده أبوعمار وابوإياد وأبوالاديب وصحبهم من الرواد دومًا مميزين بين أخلاق الأزمة والمحنة وأخلاق السعة والتواصل والصفاء والتقارب. وقاعدة (دع الف زهرة تتفتح في بستان الثورة) وقاعدة: دعهم يعملون وأنا أساندهم. وقاعدة أرني عملك، ولا تسمعني صوتك فقط، وقاعدة الوفاء التي جعلت أبوعمار لا يتخلي حتى عن المنشقين على الحركة بالسلاح من الزاوية الانسانية، وقاعدة الاستقلالية الفكرية والعملية عن الأنظمة وعن القوالب المتحجرة، وقاعدة أذكروا محاسن الأحياء قبل الأموات، وقاعدة فلسطين اولاً، وقاعدة على القدس رايحين شهداء بالملايين.


ختامًا: كان من الممكن أن نكتب أو يكتب الكثيرون تحت عنوان ياسر عرفات مقابل صلاح خلف وكذلك مقابل خالد الحسن أو مقابل ابوجهاد أو مقابل محمود عباس... فلقد كانوا أندادًا للنجم، ويستحقون بغثهم وسمينهم ان يضعوا رأسهم برأس ياسر عرفات، ولم نفعل أو لم يفعلوا هم لأنهم أدركوا المعادلة ومقتضيات الصراع وطرق التعامل معه حيث ليس هناك دوما فائز مقابل خاسر، فما هكذا لا العمل التنظيمي ولا العمل السياسي ولا العلاقات والاتصالات بين الأنداد أو ضمن الجماعة والمنظمة.

وانها لثورة حتى النصر
 

مقالات متعلقة