الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 24 / نوفمبر 00:02

قراءة في ديوان يا قدس

بقلم: رافع حلبي

رافع حلبي
نُشر: 20/11/21 12:55,  حُتلن: 17:49

ما أجمل أن يَرْتَقِي الإنسانَ بِفكرهِ، ويتبعُ الفكرُ حَدسُ روحِهِ ومشاعِرهِ، وهذا ما قالهُ لنا الشاعرُ وأحيانًا بدون كلمات، وكان علينا أن نستعمل ذكاء عقلنا لنصل للصورة التي يرسمها لنا ولكنها سرعان ما تتضحُ وينجلي المقصود، فشاعرنا كتب وبوضوح رموزًا وعناوينَ تدلنا على طريق الوصولِ للفكرةِ المطروحَةِ وما أجْمَلُها مِنْ أَفْكار، شاعرنا قطف من ثمار فكره الكثير الكثير، ويأتينا كالنسائمِ التي تبث في نفوسِنا الخيرَ وتُثْلِج صدورُنا في بداية فصل الخريف، في هذه الفترة بالذات فيهز أغصان الأشجار ويأخذ أوراقها للبعيد البعيد... وهكذا أخذنا الشاعر الدكتور خالد بكل كلماتهِ وأفكارهِ للبعيد البعيد، أخذنا لأحلامٍ وطموحاتٍ ربما لا تتحقق ولكنها تترك الأثر الطيب في نفس القارئ التي لم تعتد على هذه الطموحات.

الشاعر خالد وآرائه ترفع رايات الإنسان العصري الحضاري المفكر عاليًا ليرتقي بعالم العلم، ومن يتجهُ نحو عالمِ العقل والفكرِ يرتقي ويرتقي ويرتقي... وشاعرنا غير متجاهلٍ أبدًا لقضية إيمانه بالله تعالى الواحد الأحد، ليُعمرَ للمُجتمعِ بيوتًا جديدة تعتمد على الفكر والدراسة والمطالعة والثقافة والتضحية والعطاء في كل شيء، كما يقول الشاعر الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي في مطلع قصيدَتِهِ عن العلم:

"العِلْمُ يَبْنِي بُيُوتًا لَا عِمَادَ لَها ***** والجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ العِزِّ والشَّرَفِ"

وأنت شاعرُنا تقفُ على دروب أبناء المجتمع كالمعلمِ والمرشدِ الصالحْ، في جميع قصائدكَ، لتحكي لنا من خلالِ تجرِبَتِكَ الذَّاتِيَّة، في مشوار حياتِكَ كيف يجب أن يكونْ حُبنا للأرضِ والوطن والقدس الشريفة، وكل مكان نعيشُ فيه، وما أحوجنا للمعلم والراشد والمُصْلِح الصالح الذي تُسْمَعُ كلمتِهِ ويُحْتَذى حَذْوُهُ في هذه الأيام، أنت تُعلِّمُنا كيفَ يجبْ أنْ تكونْ محبَّتُنَا لوطنِنا وللأسف هذا وضعُنا البعيد كل البعد عن الوطنية الصالحة، وعاداتِنا وتقالِيدِنا المُتَغيِّرَةِ مع الزمن، وعلينا أن نتذكر دائمًا: من يفقد الانتماءَ لوَطَنِهِ ومُجتَمعِهِ يَفْقدُ كلُّ شيءْ، ونحن جميعًا بحاجةٍ ماسةٍ لدعمِ مكانةِ المعلمِ في جميع مدارس مُجتمعنا الرسميةِ وغيرها، والشاعر يحاول في ديوانِهِ جاهدًا توجيهَ أبناءَ المُجتمعِ إلى طَرِيقٍ ما، وهو الطَّريقُ الصَّوابْ في نظرهِ.

فيقولُ في قصيدتِهِ: "فلسطينيٌ أنا..

فلسطينيٌ أنا..
جبالُ الكرملِ في عمق ناظري
الجليلُ والنقبُ رواسخُ شَوامخي
وقدسُ الأقداسِ هي كِبريائي وعِزَّتي
***
فلسطينيٌّ أنا..
أفتخرُ بخُضْرةِ الزَّرعِ في رايَتي
وبريق اللُّؤْلُؤِ يتوسَّطُ عَلَمي
حُمرةُ الشَّفَقِ تَنتهي بِدَمي
وسودُ البيارقِ تُصَهْلِلُ فوق خَيلي"
***

ويسرد لنا الشاعرُ أحداثًا كثيرةً لتُذَكِرُنا بما نحنُ فيهِ اليوم، كي نرفع راياتَ الخيرْ والبركةِ في كلِّ جنباتِ الكونِ، ونستعدُ للقادِمِ المَجهولْ، وكأن الضَّبابَ يُخَيَّمُ على كلِّ ما حولنا من أمور.

عادةً يكتبُ الشَّاعِرُ والكاتِبُ في بَاطنِ كلِماتِهِ، عَنْ أحلامٍ لا تَتَحقْقْ، وكأنها دنانَ الروحْ والفكرْ والفؤادْ في آنٍ واحدْ، مسموحٌ لنا أن نحلُمَ بكُلِّ شيءٍ، حتَّى بأحلامِ اليقظةِ، مَسْموحٌ لنا أنْ نحلُمَ بالوَطَنِ والحرِّيةِ والمستقبلِ والمُساواةِ والارتِقاءِ في بناءِ المجتمعِ... حتَّى لو كَانتْ طُمُوحاتُنا، صَعْبَةُ المَنالِ في عُلُوِّهَا الشَّاهِقِ، وعَليهِ يُنزلُ الشاعرُ القمرَ إلينَا بالرَّغْمِ مِنْ بُعْدِهِ عَنَّا، ويَتْرُكُنا في حَيرةٍ مِن أمرِنَا، وهذا هو نَجاحَهُ في إدخالِنَا لمضْمُونِ ما قد كَتَبَ من إيحَاءاتٍ ورُموزِ في سَردِ قَصائِده والكلمَاتِ المُعَبرةِ عن الحالاتِ المُمْتَـلِئَةِ بالمَشَاعِرِ والأحَاسِيسْ الجَياشَةِ في كلِّ الاتِّجاهَاتْ، والحمد لله تعالى، على أنَنَا نَعِيشُ في هذه البُقْعَةِ من الأرْضِ في ظلِ حُكْمٍ دِيمُقراطِي وَحُرْ، ولو أرَدْتَ إصْدارِ هذا الدِّيوان الرائعْ، في رِعايةِ أنْظِمَةِ حُكْمٍ أخْرَى لما سُمِحَ لكَ بذلك، وهذه حَقيقة مُؤلِمَة جدًا، فكَم من مُفَكِرٍ وأدِيبٍ وَشاعِرٍ أعْدِمَ أو هَاجَرَ من وطنهِ في بلادِ العَرَبِ بِسَبَبِ كِتَابَاتِهِ وفِكْرِهِ وَعَقْلِهِ النَيِّرْ.

كُلُنا يا أخي الشاعر الدكتور خالد أحمد اغبارية، نُحِبُ القدس الشَّريفة قدس الأقداس، ومَسْرى الرَّسُول الكَريم صلَّى الله تعالى عليه وسلم، وتَسْتَهِلُ بديوانِكَ وتَبْدَأْ بِشَكْلٍ مُبَاشِرْ، تَعرِيفَنا عَنْ مَناقِبِ القدسْ الشريفة كُلِها، وَوَصْلِها بِقلبِكَ وَدَمِكَ ورُوحِكَ، وتَتَحَدّثْ عن الفداءِ للمسجدِ الأقْصى، ذكرتَ أسمْ زهرَةَ المَدائِن بينَ دفتَي الديوان 295 مرة (مئتين وثمانيةٍ وتسعونَ مرةً)، وورَدَ أسم القدس الشريف في قصائِدِكَ مع تقديمِكَ للديوانْ، 129 مرة (مئةٌ وتسعةٌ وعشرونَ مرةً)، وأغاضَني بشكلٍ خاصْ أنكَ لم تذكرْ الكلمة المُرادِفَة للقدسِ وهي: "الشريف"، هكذا اعتدْنَا مُنْذُ حَداثةِ سِنِنَا أنْ نتحدثْ عن القدس بِمُصْطَلَحٍ واحدْ: "القدسُ الشريفة أو القدس الشريف"، وأذكرُ أني تَحَدَّثْتُ في صِبايَ عن هذه المَدينَةِ المُقَدَّسَةِ من دُونِ أنْ أذْكُرَ اللَّفْظُ كَامِلًا فَصَفَعَنِي والدي رحمه الله العلي القدير، على خَدِي صَفْعَةً تَكَادُ تَكونُ مُلاطَفَةً لِيُؤدِّبَنِي كي أتَعَلَمَ لفْظَ أسم مَدينَةْ القدس بلَفْظِها الكامِلْ القدسُ الشريف، رُبَما يكونُ هُنا مَأخَذٌ أدَبِيٌّ اجتِماعِيْ مُعَيَنْ لكِنَنَا نَفْهَمُ وبِدُونِ أيِّ شَرْحٍ لنَا عَنْ مَدَى تَقْديرِكَ ومَحَبَتِكَ وعَلَاقَتِكَ الرُّوحَانِيَةَ الوِجْدانِيّةَ الاجتماعِيَةَ، بهذِهِ المَدينَةِ المُقَدسَةِ بالذاتْ، والتِّي ذُكِرَتْ في جَمِيعِ كُتُبِ الدِّيَانَاتِ السَّماوِيَّةِ، كَما غَنَتْ لَها فيروز: "يا زَهرةَ المدائِنْ يا قدسُ"، حَقًا هِي هذِهِ الزَّهْرَةُ التِّي تَحْمِلُ في داخِلِهَا عِطْرًا مُمَيزًا جِدًا، عِطْرَ عُمْقِ السِّنِينْ وَتُرابِ الوَطَنْ، هذا العِطْرْ الَّذِي اندَمَجَ في أرْواحِنا وأفْئِدَتِنَا ليَكُونَ لنَا في كُلِّ الحَالَاتِ الرُّوحَانِيَةِ أسْمَى حالات الوَجْدِ عَلى مرِّ الأيَّامِ والعُصُورْ.

يَشُدُّنِي كقَارئٍ تَهُمُهُ التَّفاصِيلَ حتَّى النِّهايَة، أنَّ الشَّاعِر لمْ يَتَجَاوَزْ عنْ ذِكْرِ الأمَانْ في أكنافِ بيتْ المقدس الشريف، فذَكَرَ أحْداثًا كَثيرَةً حَدَثَتْ مع المُوَاطِنْ العَرَبِي في مُعْظَمِ مَناطِقِ البِلادْ، وكانَتْ أحْداثًا ألِيمةً مِنْهَا وأخْرَى فَرِحَة، وما نُريدُه نَحْنُ كمواطِنِينْ هُو التَّعايُشْ السِّلْمِي في كُلِّ الحَالاتِ والابتِعَادِ عَن العُنْفِ والاقْتِتَالِ، فَكَمَا قالَ المرحوم الشيخ أبو طلال سلطان الأطرش قائدْ الثَوْرة العَرَبِية السُّورِّية الكُبْرى: "الدين لله تعالى والوطنْ للجميع"، وعَليْهِ يَجِبُ عَلْينَا كبيرًا أمْ صغيرًا في السِّنِّ أنْ لا نَتْرُكَ شَارِدَةً أو وارِدَةً تَهُمُّ أبْنَاءَ مُجْتَمَعِنا إلَّا وجَعَلْناها الأهًمُّ في تَفاصِيلِ حَياتِنَا، كَي لا يَتَضَرَرُ أحَدٌ من شَبابِنا أو بَناتِنا، فَحالةُ مُجتَمَعِنا العَامَةِ غَيرُ مُرْضِيةٍ في ظِلِّ تَفَشِّي ظاهِرَةِ المُخَدَّراتِ والسُّمُومِ والعُنْفِ والإجْرَامْ.

شاعرنا المحترم، نبارك لك توقيع ديوانك: يا قدس بما فيه من أحلام وطموحات ونطالبك بالمزيد من العطاء الأدبي بوركت وإلى الأمام، كما ونبارك للشاعر .

ملاحظة إيضافة للقراءة: قدم الشيخ الشاعر الكاتب الدكتور رافع حلبي للشاعر خالد اغبارية بمناسبة إصدار ديوانه الشعري يا قدس، شهادة دكتوراه فخرية موقعة من منظمة برسيبا الدولية، وجاء هذا التكريم بقرار من رئيس المنظمة الدكتور نوري السعيد وأعضاء المنظمة، ومن الجدير بالذكر أن الشيخ الدكتور رافع حلبي يشغل منصب نائب رئيس منظمة برسيبا الدولية. كما وقدم الشيخ الدكتور رافع درع اتحاد السلام للقبائل العربية وسفراء السلام، مهنئًا الشاعر في حفل توقيع ديوانه، يترأس الاتحاد معالي الشيخ الدكتور جمال شعت، والشيخ الدكتور رافع حلبي ممثل اتحاد السلام عن الوسط العربي عرب 48 ونحن بدورنا نطالب الشاعران المُكرَّم والمُكرِّم بمزيد من العطاء الأدبي والاجتماعي لخدمة أباء مجتمعنا بما تقتضي الحاجة إليه.

معا لنبني مجتمعا حضاريا متجددا أفضل.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة