منذ الإعلان عن الاعتراف بالقرى الثلاث في النقب – خشم زنّة ورخمة وعبدة – والاقلام لا تجف بين مؤيد ومعارض حول قضية الاعتراف، وهل ستقوم بالتأثير على أصحاب الأراضي المجاورة لهذه القرى، وكيف ستتعامل الحكومة الإسرائيلية مع هذا الاعتراف.
ويرى الكثير من الناشطين في النقب، أن إقامة مركز خدمات هو أول الخطوات من أجل الاعتراف الرسمي بهذه القرى، فيما يرى آخرون أن القضية ليست الاعتراف بل هي قضية أرض وطنية من الدرجة الأولى، لا حزبية ومبدئية.
قادة هذه القرى الذي تحدث إليهم مراسل "كل العرب" يعترفون أنّ هذا القرار هو مبدئي وأولي وهم بحاجة إلى تحويل هذا الاعتراف من الورق إلى الميدان، مؤكدين في الوقت نفسه أنهم لن يتنازلوا عن حقوق المواطنين، وخاصة الحق في الأرض.
ويتحدث القرار عن إقامة ثلاث قرى في النقب، بشرط أن يوافق 70% من سكان كل قرية من هذه القرى على الانتقال للعيش في القرية الرسمية المعترف بها، وداخل ما يسمى "الخط الأزرق" مع ترك أراضيهم الأصلية التي يعيشون عليها، وبشرط أن يتم هذا الأمر خلال سبع سنوات.
وقام مراسلنا بزيارة ميدانية إلى قرية خشم زنّة، على شارع رقم 25، والتي تنتظر الاعتراف منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث الوصول إلى هذه القرية من خلال أراض صخرية وعرة.
ويقول ناجح العثامين، عضو اللجنة المحلية لقرية خشم زنّة: "ننتظر هذا الاعتراف منذ سنوات لكي يثبتنا على أراضينا. الناس لا يستطيعون بناء مبنى من الصفيح متر على متر بدون التعرض لجرافات الهدم. نرى أن من واجب الناس الذين يعارضون هذا الاعتراف أن يأتوا ويشاركوننا ويساعدوننا".
أما فارس الحميدي، عضو اللجنة المحلية لقرية خشم زنّة، فيقول: "كل الوقت ونحن نطالب بالاعتراف بهذه القرية. هذه المطالب مستمرة منذ عقود، وفي كل مرة يعدوننا بالاعتراف ولكن هذه المرة تحول إلى اعتراف رسمي، فنحن بحاجة كخطوة أولى لمركز خدمات مع مدرسة ورياض أطفال وعيادة طبية، ورغم الوعود في الماضي لم يتم تنفيذ هذه الوعود. نحن نريد بناء بيوتنا على أراضينا ووقف الهدم المستمر، بحاجة إلى شوارع إلى بيوتنا من أجل الوصول إليها بصورة آمنة، وبحاجة إلى مدارس بالقرب من بيوتنا بدل سفر أولادنا لكيلومترات من أجل نيل العلم".
أما رئيس اللجنة المحلية لقرية خشم زنّة، د. كايد العثامين، قال لمراسل "كل العرب": "القرار مبدئي ولم يتم الاتفاق حول التفاصيل، ومن يعارض يبدو أنه يعارض من أجل المعارضة فقي ففي العام الماضي باركت المشتركة هذا الاعتراف بكافة مركباتها. نحن نعلم أن هذا الاعتراف ليس بمثالي ولكن شيئا خير من لا شيء، وسنواصل نضالنا من أجل الحصول على حقوق أهلنا كاملة بدون نقصان".
إصرار من أجل الاعتراف
لقد أصرت اللجان المحلية في القرى الثلاث على إقرار المصادقة في حكومة بينيت-لبيد وعدم تأجيل الاعتراف بثلاثة أشهر، لأنهم لا يعلمون ماذا يخبئ المستقبل. لقد حصّلوا ما أرادوا في هذا الوقت الصعب والسيء ووقعوا بين المطرقة والسندان... مطرقة المنظمات اليمينية المتطرفة التي سيطرت على موظفين يفكرون مثلهم، وحكومة أقطابها هم من غلاة اليمين، الذين يفضلون أن لا يكون العرب في الحيز العام... كلنا نذكر كيف انتهى "الاعتراف" في عهد حكومة نتنياهو والذي حاول وزير الإسكان غالنت في حينه الربط بينه وبين توسعة المستوطنات.
سالم طاسان وسلام أبو عصا وعطاالله زنون وسويرح الكلاب - رحمهم الله - جلسوا في خيمة مع فضية أبو قردود (المرأة الحديدية) وسالم زنون وسويلم الكلاب أطال الله في أعمارهم في جبال القدس في شتاء عام 1994 القارس من أجل الاعتراف بهم في قرية عبدة. كان وقتها يرافقهم ويزورهم بصورة دورية قيادة جمعية مؤازرة وحماية حقوق البدو.. كانوا في وقت قلّ فيه وندر المناضلون. سنوات من الانتظار تكللت أخيرا بالاعتراف..
سكان رخمة ناضلوا مع جيرانهم من بلدة يروحام منذ سنوات من أجل هذه اللحظة، حتى وصلوا إليها.. حتى قبل عامين كان أطفالهم يستيقظون الساعة السادسة صباحا من أجل أن يبدأوا دراستهم في شقيب السلام أو وادي النعم.. بدون ماء ولا كهرباء ولا مواصلات عامة ولا أدنى الحقوق، في دولة تعتبر نفسها ديمقراطية.
الدكتور كايد العثامين واللجنة المحلية والأهل في قرية خشم زنّة انتظروا الاعتراف ومركز الخدمات منذ سنوات وقد تم إقراره لهم أخيرا. خطوة واحدة في طريق طويلة، ويعلمون ذلك...
ويقول الأهل إنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وربما هذه الخطوات التي نحن بصددها ستكشف لنا الفجر الجديد والأمل بالاعتراف بالكثير من القرى الأخرى التي تنتظر الاعتراف.. مطلب الجماهير.
ويقول رئيس اللجنة المحلية لقرية عبدة، لباد طاسان، الذي ناضل والده في تسعينيات القرن الماضي، إن الاعتراف سيوقف الهدم وبالتالي سيتم بناء بيوت المواطنين بصورة منظمة ومرخصة، وللمرة الأولى منذ عقود طويلة لن يكون هناك تخوف من أنياب الجرافات. ويتابع قائلا: "هناك من لا يعجبه الاعتراف لمصالح ضيقة، ولا يرى الوضع المأساوي الذي يعيشه الأهل في القرى مسلوبة الاعتراف في النقب. من يعارض عليه أن يأتي للعيش في هذه الظروف من المطاردة والملاحقة، وبعدها نريد أن نسمع كيف سيتحدث".
أما هليل أبو جليدان فيشير إلى أهمية هذا الاعتراف من الناحية المبدئية على الناس في هذه القرى، ويشير إلى أنّ "هناك من يصطاد في المياه العكرة، وعلينا أن نشير إلى أن معظمهم لا يعرف أين تقع قرية عبدة ولا راس البقار ولا عن المعاناة للناس هنا البعيدين عن العين فهم بعيدون عن القلب".
ويعرف المواطنون في هذه القر، وفي القرى مسلوبة الاعتراف عامة، أنهم سيعانون من هدم بيوت، وتضييق الخناق على الإنسان والحيوان والشجر، ومصادرة الأرض، وإبادة المحاصيل، ومحاولة تجهيل الأطفال في المدارس. ولكنهم في الوقت نفسه، سيستمرون باستغلال كل فرصة من أجل تحصيل الحق الأول بالاعتراف بالقرى.