الدماء التي سالت يوم السبت الماضي في حرم الجامعة العربية الأمريكية في جنين خلال شجار بين طلاب، وما رافق ذلك من أحداث في جامعتي بير زيت والخليل، ليس سوى إثبات ودليل جديد على أن العنف في الجامعات والمؤسسات التعليمية الفلسطينية أصبح سمة بارزة، وإن الجامعات غدت مكانًا للشجارات وتصفية الخلافات بالطعن والقتل، في حين تقف الأجهزة الأمنية الفلسطينية موقف المتفرج إزاء ما يجري، طالما أن السلاح المرفوع ليس سلاحًا للمقاومة.
وقد تفاعل المواطنون الفلسطينيون مع جريمة القتل واتهموا السلطة بالتقصير في مواجهة الجريمة، محذرين أن الاستمرار بهذا الاتجاه سيقود المجتمع إلى احتراب أهلي سيحرق الأخضر واليابس فيه.
للأسف الشديد أن الجامعات الفلسطينية أضحت مسرحًا للشجارات والطوشات بين الطلاب، بدلًا أن تكون صرحًا تعليميًا وتربويًا وثقافيًا وعلميًا، بدوافع مختلفة. وهذه الشجارات تشكل خطورة على العملية التعليمية والتربوية، وعلى مستقبل مجتمعنا، وأيضًا تشكل خطرًا جديًا على مستقبل الأجيال الفلسطينية في هذه البلاد.
ما جرى وحدث من تدهور في منتهى الخطورة، لان الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا كانت تقود المجتمع على مستوى الوعي والثقافة والتنوير، وعلى مستوى الكفاح والنضال، وفي أيامنا هذه باتت بطريقة أو أخرى بؤر صراعات ونزاعات سخيفة وتافهة لا معنى لها، وإن دل ذلك على شيء فعلى الجهل والتخلف وفقدان البوصلة والرسالة الوطنية والحضارية لهذه المؤسسات.
في الحقيقة أن ما يحصل في الجامعات من شجارات عنيفة وصلت حد القتل في الحرم الجامعي بجنين، يهدد الأمن والسلم الأهلي والمجتمعي، وهو تعبير وتأكيد واضح وفاضح على الفشل الفلسطيني الشامل على مختلف الصعد والمجالات، وإخفاق ذريع للسلطة الفلسطينية التي لم تفلح في حفظ الأمن، والتحول إلى مؤسسة على طريق الدولة المدنية الحضارية، التي تتلاشى وتذوب فيها العصبية القبلية والعشائرية والعائلية، ويحتكم الناس للقانون والنظام العام.
الوضع الفلسطيني يعاني من غياب كبير للمؤسسات على اختلاف أشكالها، فالسلطة لا تحكم ولا تتمتع بالشفافية، ومنظمة التحرير مجمدة، والقيادة الفلسطينية الجامعة غائبة، ولا تشمل شتى القوى الفصائلية، وعلى ضوء ذلك فإن المأزق عميق وشامل، ولن يجد حلًا له في ظل التجاذبات والتناقضات والانقسام على الساحة الفلسطينية.
هنالك ضرورة ماسة وملحة لتكثيف عمل الأكاديميا الفلسطينية في مقاومة ومواجهة العنف وانتشاره بين صفوف الطلاب الجامعيين، الذين من المفترض أن يكونوا قدوة ومثلًا يحتذى في الأخلاق والتمسك بالقيم، وكون الجامعة الحاضنة للطلاب، والعمل على الاهتمام بالثقافة ونشرها في المجتمع، إلى جانب التعليم، وبالطبع هناك دور كبير للأهل في أسلوبهم التربوي للحفاظ على أبنائهم من الوقوع في منحدر السلوك العدواني العنيف.