وأخيراً، عاد شيخ الأقصى إلى أحضان شعبه. عاد أسد القدس والأقصى إلى عرينه في ام الفحم مرفوع الرأس. عاد فضيلة الشيخ رائد وعينه على الأقصى، المسجد الذي لا ينساه لأنه في قلبه وضميره، ولم يفارق فكره طيلة إقامته الظالمة في زنزانات حكومة بينيت التي يدعمها الإسلامي الجنوبي منصور عباس. وقد تساءلت بيني وبين نفسي عندما تطرقت إلى "المنصور" من الائتلاف الحكومي كيف أن مناضلا عنيداً وفياً لقدسه وأقصاه وشعبه تزج به إسرائيل في زنزاناتها بسبب مواقفه وبين عباس الذي "يدير" حركة اسلامية جنوبية يتعاون مع هذه الحكومة. والأنكى من ذلك يدعي بأنه يخدم شعبه.
عاد الشيخ، رغم الإرهاب المعنوي والمعاملة السيئة معه. كل شيء له نهاية. اعتقدوا بأن "الإنفرادي" سيؤثر عليه وعلى مواقفه فزاده قوة، واعتقدوا بأن السجن قد يجعله يغير تفكيره فزاده تمسكاً بأقصاه وقدسه. اعتقدوا بأن غياب الشيخ عن شعبه يمكن أن يكون عامل نسيان له، فكانت النتيجة عكسية: ذهبت مجموعات المؤيدين إلى مكان سجنه عدة مرات وأقامت هناك صلاة لرب العالمين دعوا فيها الخالق لفك أسره ليعود سالماً معافىً إليهم.
الثالث عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول ليس يوماً عادياً عند الشرفاء في مجتمعنا العربي، لأنه اليوم الذي خرج فيه الشيخ من سجنه الذي كان يقبع في ظلماً. خروج الشيخ هو حديث المجتمع العربي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. انه الشيخ الذي لم يساوم ولم يفاوض ولم يتخل عن مبادئه.
وإذا كان التاريخ قد سجل في القرن العشرين نضالات شيخ جليل اسمه عز الدين القسام من أجل فلسطين واستشهد دفاعاً عن القضية الفلسطينية، وإذا كان هذا التاريخ يحمل اسم مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني، فإن الشيخ رائد صلاح إبن فلسطين هو شيخ القرن الحادي والعشرين فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً.
479 يوما قضىاها الشيخ في العزل الانفرادي بعدة سجون إسرائيلية، على خلفية الملف المعروف بـ “ملف الثوابت”، ودخل السجن في السادس عشر من شهر أغسطس/آب العام الماضي. قالوا وهم على حق طبعاً: "ان منابر أم الفحم ومدن أخرى عرفت الشيخ رائد صلاح خطيبا فصيحا يهز القلوب ويحرك فورة النضال في النفوس، وقد ساهمت كلماته المدوية وشعاراته الإسلامية والوطنية في بناء ما سماه المجتمع العصامي وزكانت ركنا أساسيا في بناء وتعزيز الهوية الإسلامية والعربية لفلسطينيي الداخل الذين يواجهون أكثر من حصار وأكثر من وسيلة ضغط وتخويف، ومحاولات لتجريف الهوية والأرض والتاريخ والمقدسات"
يوم أمس الأحد أكدت مصلحة السجون الإفراج عن الشيخ في اليوم التالي الإثنين، لكنها تحفظت على ساعة ومكان الإفراج. هم يعرفون أن ردة فعل الشارع ستكون قوية وستسارع الجماهير لاستقبال قائدهم الشيخ العائد من سجون "دولة قانون القومية" تاركاً وراءه "زنزانات" ائتلاف منصور عباس.
كم أنت كبير في مواقفك أيها الشيخ، فأنت لا تهاب السجون وقسوة سجانيها الوحشية دفاعا عن الثوابت الإسلامية والعروبية والفلسطينية. وكم تتحمل من "أعداء الأقصى" الكثير من أجل شعبك وقضاياه، وإذا كان غيرك يفتخر بعدد اعضاء حزبه في كنيست الائتلاف الحاكم ويروج له الإعلام العبري للحصول على المزيد، فإن صوتك يا شيخ الأقصى سيظل يعلو فوق صوت المائة وعشرين عضواً في "كنيستهم" لأن صوتك الوطني يسمع وأصواتهم لا تلقى آذاناً صاغية.
أطال الله بعمرك يا رائد الأقصى والقدس لتبقى ذخراً لشعبك.