عِندما يُصبِحُ الجسدُ مقبرةً لِحواسِّنا
وتَتَخبّطُ أمواجُ بَصَرِنا برياحِ سَمَعِنا
وترحَلُ طيورُ هَمسِنا وريشُ لمَساتِنا
ويَكشِفُ ستارُ اللّاوجودِ داخِلَنا
وتتوهُ مَشاعِرُنا في عَتمةِ جوارِحِنا
ويَجفُّ نهرُ إحساسِنا
وتتكسّرُ أشرعةُ سُفُنِنا على بوّاباتِ أرواحِنا
سلَّمَتِ البصيرةُ بوصَلَتَها لأعيُنِنا
فغابَتْ عنّا جِنانُنا
وتحطّمَتْ مَراكِبُ زَحْفِنا فتَعطّلتْ ساعةُ الوجودِ حولَنا
صَمْتٌ... صَمْتٌ... صَمتْ
يَربِضُ على أصواتِنا، ويخنُقُ حناجِرَنا وأوتارَنا
يمسحُ سِيمفونيّاتِ تغريدِنا ويقتلِعُ أزهارَ بساتينِنا
رحلَتِ الطّيورُ عَنْ أفنانِ ملامِحِنا
تسمّرَتْ أشجارُنا، وسلَّمَتْ لقوافِلِ المجهولِ أوراقَنا
وأمَرَّتِ الأيّامُ مَذاقَ ثِمارِنا، واَسودَّ كَرَزُنا
وتَجعَّدَتْ خُدودُ تُفّاحِنا
جَسَدٌ بِكفَنِ شَبَحٍ يجولُ بِداخلِنا
نَعَتْ نَفْسَهُا روحُنا
اِنْتُزِعَ الأملُ مِنّا وغُرِسَ الشّوكُ بِدروبِ شرايينِنا
تَهاوَتْ عواصِمُ دُوَلِنا، وسَقطَتْ أبراجُ أعلامِنا
وتراقَصَتِ الهمومُ على أنغامِ أوجاعِنا
فلا يملأُ ذلكَ المَدى المُتراميَ سِوى تجاعيدُ سنينِنا
وأزيزُ الرّياحِ المسافرِ بِخُلجانِ أنفسِنا
اِمتزجَ أسوَدُنا بأبيضِنا وأُجَاجُنا بِفُراتِنا
واَنبلَجَ اللّيلُ مِنْ خَصْرِ نهارِنا
فَاَختلطَتْ عتمةُ اللّيلِ بألوانِ طيفِنا
ذَبُلَ النّرجِسُ على عَتَبَاتِ طفولتِنا
وَشَابَ الياسمينُ، وَشاخَتِ الأقاحِي على مفارِقِ عُمرِنا
وهَجَرَتِ السنّونواتُ أعشاشَ فردوسِنا
وصارَ جسدُنا معبدًا لِتجوالِ مخاوِفِنا واَغترابِنا
تَصَحّرَتْ أرضُنا وتشقّقتْ قِشرتُها ورفَعَتْ أنامِلَها
لِغَيثٍ يغسِلُ شَفافيّةَ حقيقةِ إنسانيّتِنا
فَسلَّمَتِ الرّوحُ مفاتيحُ كيانِنا.....