الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 09:01

سوء تفاهم/ بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 14/02/22 12:59

تسلّل إلى غرفة مكتبي في المؤسسة على رؤوس أصابعه، حتى أنني بالكاد رأيته وهو يدخل. انفعلت لدخوله المباغت هذا، وازمعت أن أنبهه إلى أنه كان عليه أن يتنحنح أو يفتعل أية حركة تشعرني أنه دخل.. غير أنني ما لبثت أن انصرفت عن هذا التنبيه، وأرسلت نظرة مستطلعة إليه، تساءلت عيناي، عن سبب دخوله المفاجئ ذاك، وقبل أن توضّحا تساؤلهما.. قال ناظرًا إلى مكان آخر في الغرفة وموجهًا حديثه إليه:
-مع أي شركة تلفونات تتعامل؟
أرسلت نظري إلى حيث حطّت عيناه رحالهما. لم أر أحدًا هناك. فهمت أنه إنما يوجّه حديثه إليه. تمعنت فيه:
-لماذا تسألني. سألته فتجاهل سؤالي وكرّر سؤاله السابق:
- مع أي شركة تلفون تتعامل؟
بقيت صامتًا.. لم أغادره، فعاد يسألني عن مقدمة تلفوني، ليعرف.. كما بدا فيما بعد.. الشركة التي أتعامل معها. تردّدت في أن أذكر له مقدمة نمرة تلفوني، جرّاء تجربة سابقة مشابهة دفعت ثمنها أكثر من نصف ساعة من انتظار سائلي السابق. لكن يبدو أنه اعتقد أنني لا أفهم عليه، فسألني محدّدًا مقدمة النمرة. وعندما ذكرت له انها (0505)، انفرجت أساريره، نعم نعم تلفونك مناسب جدًا. وراح يشرح لي أنه حاول منذ ساعات الصباح الباكرة الاتصال بمن يقيم في منطقة أخرى بعيدة في أقصى البلاد، عبر مقدمة أخرى مختلفة، إلا أنه اخفق،.. إلى أن ظنّ أن تلفونه عاجز أو مصاب بعلّة ما، فخطر له أن يتصل من تلفون آخر.. ووقع اختياره على تلفوني. تجاهلت كلامه فسألني هذه المرة:
-هل يمكنني أن أتصل من تلفونك؟
تابعت صمتي، وأنا أفكر في كل ذاك الّلف والدوران لطلب إجراء مكالمة من تلفوني المنهك. لا أنكر أنني استخففت دم سائلي للحظة واعتبرت طريقته.. واحدة من الطرق التي اتبعها الاجداد، عندما كانوا يلفون ويدورون مسافات طويلة.. اطول من تلك المعتادة لطلب بسيط، لا تتسرعوا.. سائلي لم يكن شيخًا مُسنًا، وإن كان متأثرًا بشيوخ حارته، خاصة بأبيه الوجيه البارز في البلدة كلها.. وليس في حارته وحسب. أعجبني الموقف فقرّرت أن استرسل في تفاصيله إلى أن يخرج الملل اللطيف فيغادر غرفتي الخاملة إلى لا رجعة.
تجاهلت كل ما خطر في بالي آنفًا وسألته:
-لماذا تريد أن تتصل من تلفوني؟
بدا أنه اندمج في الموقف وقرّر التجاوب معه.. بالأحرى معي. قال:
-وهل يُطلب مني أن احكي قصة طويلة.. كي أتمكّن من إجراء اتصال تلفوني بالنسبة إليك عاديّ.. وبالنسبة إليّ مهم؟
تجاهلت كلماته. قلت:
-ولِمَ لا؟
رد بنفاذ صبر:
-الحديث يدور عن مكالمة بسيطة. أؤكد لك.
-ومن يضمن لي أنها بسيطة. رددت عليه وظل ابتسامة يداعب شفتي.
-أنا أضمن لك.. هل تتوقع أن يكون كائن آخر في هذه الغرفة سواك؟
أرسلت نظرة متفحصة إلى أنحاء غرفتي وتذكرت أنه عندما تسلّل إليها قبل قليل.. وجّه كلامه إلى ناحية أخرى غير تلك التي جلست فيها قُبالته. قلت له:
-ومَن أدراني إذا كان هناك كائن آخر في الغرفة.
قال بانفعال:
-لقد تحدّثت معك.. طوال الوقت.
عندها أردت أن انهي المكالمة، إلا أنه عزّ علي أن أفعل فقد استمرأت اللعبة. قلت:
-أنت لم تتحدّث إلي.
-بل تحدثت.. لا تنكر. أكّد.
-لو كنت تحدثت إلي.. ما قلت لك ما قلته من كلام.
أصابته حالة من النزق الخارق للعادة:
-لا يوجد سوانا في هذه الغرفة.. ماذا اصابك؟
-لم يصبني شيء. يبدو أنك أنت مَن أصيب.. رددت بنوع لطيف من العنف.
عندها انفجر بالون غضبه المنفوخ أكثر مما يحتمل.. وفوق طاقته. فهتف بي:
-هل ستعيرني تلفونك.. لإجراء مكالمتي التاريخية؟
تحسّست تلفوني في جيبي.. كان قد فرغ من شحنته الكهربائية وانطفأ.. قبل دخولي إلى غرفة مكتبي في صباح ذلك اليوم. قلت له بحزم:
-لا لن أعيرك إياه. وتوقعت أن يسألني عن السبب. إلا أنه لم يفعل. وشكرني وهو يرسل نظره إلى ناحية أخرى في الغرفة غير تلك التي جلست فيها.. وشيّعته بابتسامة غامضة.. ترى.. ماذا كان سيخسر لو سألني عن السبب.. او لم يكن يربح؟

مقالات متعلقة