الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 00:02

شكيب جهشان، أن تسترجع بعض شيء مما هوى ‎‎-بقلم:فيصل طه

فيصل طه
نُشر: 16/02/22 00:19

استرجع ما كتبت عن  المربي .. الكاتب المبدع شكيب جهشان 

ان تسترجع بعض شيء مما هوى

تزوره في بيته ... فرحًا تراه، يراقص حنينه طربًا لأيام غوال، إعتصر دمعة دفؤها مكنون محبة وحنين ... بريقها مرآة صافية لغبار الطريق .. وأي طريق.

قبلة عرفان طبعها على جبين مَن كرَّموه حبًا في اليوبيل الذهبي للمدرسة الثانوية البلدية الناصرة.. وعلى البيت التربوي الذي انتظم  به طالبًا، ومنه أقتبس " أتينا اليها فحَنَّت علينا بكل ما في الأمومة من حنو، لم تميز في حنوها  ولا في عطائها، فأرضعتنا التفاني والتآخي والصدق"، ما أحوجنا لهذا العرفان وما أحوجه لهذا الوفاء.

انه الحنو المتبادل، أتى الناصرة وخلجات الرهبة تتقهقر  سريعًا أمام لحظة الحب لهذا البلد، بلده الحارس الأمين على الرفق والفكرة والأمل والتي أصبحت النبراس والطريق هكذا كتب في صحيفة " الاتحاد".

 ربما تتساءل أذهان البعض منا عن مكنون انسياب سبل الحب هذا الى شخص هذا الرجل .. الشاعر الكاتب والمربي شكيب جهشان ، ليس بالضرورة أن يُكسب  الشعر والكتابة  ومهنة التدريس صاحبها حب الناس حتى وان عظمت مهاراتهم الذهنية والابداعية في باحة تخصصاتهم ، فبهذا هم  عرضة لمدارس النقد لتقييم انتاجهم ولتصنيف مراتبهم ، فصدق هذه الشخصية  ومصداقيتها في تجربة الحياة هي منبع المحبة منه وله. 

أن تكون انسانًا صادقًا كما شكيب يعني ان تسكن قلوب الناس وتتوارث ذكراك الطيبة مخيلات الآتين بسهولة ورقة لا تتوسطها عوائق تستطيع أن تتحسس صدقه في شعره وكتاباته في مهنة التدريس،  في تربيته للصاعدين،  في معاملته للآخرين.. في العطاء المتفاني، ومن قلمه أخط كلماته عن معلميه الراحلين والمتبقين " ذاك الرعيل الذي لم تكن جراحه قد التأمت بعد، ورغم تلك الجراح وربما بسببها أعطى حتى شكا العطاء وتفانى.. حتى تململ التفاني ، لم يكونوا مغلمين بقدر ما كانوا مناضلين وأصدقاء"، يصفهم بما ينضح به هو نفسه. 

دعونا نغوص في فؤاده الرحب حيث تستقر أيامه الغوالي تزداد معرفة لكُنه انسانية شخصيته ومواقفها،  فالشباب عنده "توثب وإباء" والشيوخ " تاريخ متجذر في أعماق القرون ، أما النساء "فأجنحة خفاقة واياد تتقن تجفيف العرق عن حياة المتعبين"، وصدق أهل القرية كان أشهى وأعذب من موائدهم  الشهية وكلهم رفيق أنيس وخاصة الشيوخ "فهم سنديانة لا تبخل بفيئها وكتاب لا يمن بعطاء".

هذه صورة أهلنا ، صورة وجه شكيب.. على شاكلة أهله أليس كذلك؟

وأبدع صدقًا حين شرَّع أن المحبة هي المفتاح السحري لهذه المهنة التي وصفها بالمقدسة والتي حاول مضطرًا غير مقتنع الابتعاد عنها في مرحلة ما فأفاق عن الكابوس وعاد الى بيته وكان الرابح الأول. 

" إذا أحببت طلابك أحبوك" نعم هذا هو المفتاح السحري وليس غيره، هذا الذي أثقلته المحبة سخاءً وعطاء، ولم تعييه بحملها. 

يشرِّع أن المحبة هي الأساس ، هي المحرِّك للصفح والتسامح والسمو ، هي شعلة المرح.. هي زيت التعليم ، هي ماحية التعصب والتشنج، هي الدرس الأول والدرس الأخير. 

هذا التلاحم بين القول والفعل هو سر محبة شكيب ، سر شكيب قدوة المربين، أرقى من كل الشهادات والدرجات والألقاب ، هي فيه ، ويطلبها فينا.. صافية ، نقية ، صادقة وبسيطة.. اكتنزها وانطلق فلن تموت بل تشبعنا حياة  وانسانية وتفرغ القلب من نوازع الأحقاد وتنقي الذهن من قلق الضمير ، هي المحبة ولكن ليست الساذجة.. بل الصائبة في عطائها  ودورها.. وويل لمن يأتي للحياة ويذهب هباء، هكذا دون دور يقوم به، ويقول شكيب مثيرًا للاعتزاز والفرح أن يكون لك دور وراء رجال الذين ملأوا  الساحات صمودًا  أو معهم في مسيرة الصمود ، وكان له دور  بقوله عليك أن تضيء شمعة في هذا النفق المظلم الطويل وقد أضاء. 

وأعود الى تشريعاته ورسالته التربوية " إن المعلم يجب أن يلقي همومه خارج الصف قبل أن يبدأ درسه"  وأن  لكل طالب شخصيته المتميزة وطباعه الخاصة" . 

إن لكل طالب جانبًا ايجابيًا معينًا مهما تراكمت فيه العيوب وكثرت فيه المساوئ.

أليس هذا مذهبًا تربويًا تدعمه كل الأبحاث القديمة منها والحديثة، انها صياغة لمنابع شخصية تناغمت مع مكنونات المهنة التي أضافها بقليل من المرح أو كثيره،  فأحيانًا كان يغالي به والطلاب كانوا غالبًا ما يتحملون. فكان جمال طالب يستدعي المزاح " عضلات وجهه المتراقصة في ضحكته تلك تبعث فيك فرحًا لا يوصف" وأنت تحبه وتستلطفه رغم ضخامة جسمه وطوله المفرط. كان كتلة من الدماثة واللطف والطيبة، ومرة أثار جمال في شكيب حساسية المزاح وأرسل اليه نكتة فيها شيء من القسوة واللذع .. وهنا ولأول مرة لا يضحك جمال على النكتة وبأسرع من لمح البصر  يرد على شكيب بنكتة أقسى وأمر.. وغلى الدم في عروق المعلم ثم بدأ يخبو واعتلت صورة جمال الطيبة في ذهنه وهمس له همسة عتاب فبكى جمال  ومنع الخجل اطراف اصابع المربي ان تمسح الدموع  فهل من يعتبر؟؟

فالانسان فيه يخاطبنا  حذوه نحذوا ؟ وننشد"  أذكر" علَّنا  نسترجع منها بعض القيم،  أو بعض شيء مما هوى 

  بقلم

فيصل طه

صفورية - الناصرة

مقالات متعلقة