الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 12:02

طريق العودة للبلاد من أوكرانيا محفوفة بالخطر: شهادات من طلبة الداخل

حياة حمدان
نُشر: 03/03/22 16:48,  حُتلن: 21:05

ما إن بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا، وبدأ معها قلق أهالي الطلبة الفلسطينيين على أبنائهم من يدرسون بجامعات أوكرانيا المختلفة، منهم من علق في الحرب وحوصر في مدينته قرب جامعته ومنهم من استطاع المغادرة قبل بدء الحرب أو أثنائها، في هذا التقرير سنقابل طالبة وطالبا من فلسطينيي الداخل والذين وصلوا برفقة مجموعة من زملائهم الطلبة إلى البلاد سالمين في الثامن والعشرين من شباط، لحظات صعبة متوترة عاشوها سنعرضها في هذا التقرير.


الطالب ذياب: رغم صعوبة الطريق إلا أن تعاون الطلبة دعمنا معنوياً

موسى ذياب من مدينة طمرة في الجليل الغربي لفلسطين التاريخية، طالب جامعي في السنة الثانية من دراسة طب الأسنان في أوكرانيا ويقيم في مدينة خاركوف الحدودية مع روسيا شرقي أوكرانيا، وهي إحدى أولى المدن التي قُصفت مع بداية إعلان الحرب وتعد البؤرة الأكثر خطورة. موسى الذي قرر مغادرة مدينته بعد أن كان يستعد لاستقبال يوم جديد في جامعته إلا أنه تلقى اتصالا من صديقه بضرورة الخروج من بيته نظرا لقرب القصف من منطقته: "بدأت الحرب الساعة الخامسة صباحا، ووردني اتصال من صديقي في تمام السادسة يطلب أن أوظب حقيبة سفري للخروج من المدينة لأن الحرب قد بدأت، وضعت بحقيبتي ما يمكنني حمله "عدد قليل من الملابس وأوراقي المهمة"، كل شيء كان سريعا جدا، لم أذهب لانفاق المترو بقيت في منزلي وكنت مستعدا إذا أطلقت صافرات الإنذار في منطقتي أن أذهب للملجأ تحت منزلي".

وكان بعض الطلبة مترددين في العودة لبلدانهم نظرا لعدم وضوح الصورة وجدية أمر روسيا بالحرب، وعلق موسى على ذلك: "بالنسبة لحقيقة تنفيذ روسيا حربا على أوكرانيا فلم تكن الأمور واضحة بالنسبة لنا كطلبة نوعا ما ولا للجمهور العام، كنا في فترة تعليم وجاهي بالجامعة وكان هناك تردد من قبل الطلبة بأخد قرار العودة للبلاد أو البقاء، لسبب أننا لا نريد أن نخسر مواد دراسية، وأيضا الجامعة كانت تطمئننا دائما وتقول لا داعي لمغادرة أوكرانيا لن يحصل شيء ولن تحدث الحرب، ولكن هذا كان تأثيره سلبيا على الطلبة وهكذا علق بعضهم بالحرب".

أما بالنسبة لظروف طريق العودة للبلاد فكانت خطيرة، يضيف موسى: "كانت ظروفا صعبة لا توصف، ذهبنا بالحافلات كنا نحو ١٠٠ طالب وطالبة من فلسطينيي الداخل، واستغرقنا الوقت يوما كاملا للوصول إلى ملدوفا وعبر طرق ترابية ووعرة، أضيف إلى ذلك أننا كطلبة واجهنا استغلالا ماديا من أصحاب الحافلات حيث أن سعر التذكرة كان ٥٠٠ دولار وهو مبلغ كبير جدا، وبرغم صعوبة الطريق والظروف المحيطة إلا أن التعاون بيننا كطلبة كان واضحا جدا وذا أثر معنوي علينا".

تسلح موسى بالأمل بأن يعود للبلاد سالماً لكنه بقي قلقاً على الطلبة زملائه من جنسيات أخرى لم يستطيعوا المغادرة، وفي الوقت ذاته كان لديه الرهبة والقلق بالوصول لبر الأمان وذلك لوجود عدد كبير من الطلبة الذين يريدون المغادرة وشاهد ازدحامهم على المعبر الأوكراني نحو ملدوفا، ولكن عندما وصل ومجموعته إلى ملدوفا لاقوا استقبالا وترحيبا من أبناء بلدتهم، وتابع موسى: "طلاب الـ٤٨ في ملدوفا كانوا متعاونين جدا معنا، لاحظنا حفاوة الاستقبال منهم، لقد منحونا بيوتهم للمبيت فيها ووفروا الطعام وكل سبل الراحة نشكر شهامتهم ورجولتهم معنا".

"أما بالنسبة لمصير دراستي الجامعية، فبلد أوكرانيا جميلة وتعلقنا بها وبشعبها، لقد عشنا أياما جميلة لكن شعور سيء أن نعود لنشاهد شوارع وأماكن اعتدنا على التواجد فيها مدمرة الآن بسبب الحرب، أتأمل أن تنتهي الحرب قريبا وأن لا تطول، استطعت فقط أن أحصل من جامعتي على ورقة إثبات أنني طالب بالجامعة لحين الحاجة، لا أعلم كيف ستكون الأمور لاحقا".

واختتم موسى حديثه بتقديم الشكر لكل من ساعدهم وهون عليهم طريق العودة التي كانت من أوكرانيا إلى ملدوفا ثم رومانيا وصولا للبلاد.


ختام: "٦ أيام متواصلة من السفر حتى وصلنا بولندا"

ختام حطين من مدينة عرابة في الجليل الأسفل، طالبة سنة ثالثة في تخصص الهندسة المدنية بمدينة دنيبرو في أوكرانيا، والتي لم تكن تتوقع جدية حصول الحرب فعليا: "بالبداية لم نأخذ موضوع الحرب بجدية أبدا، لأن الأخبار التي كنا نشاهدها كان مختصرها يقول إن الرئيس الروسي لا يريد حربا بل اتفاقيات، بالمقابل الرئيس الأوكراني يقول لا تخافوا ولن يحدث أي شيء يضرنا، والأجواء بشكل عام كانت طبيعية ونعيش حياة يومية عادية في الجامعة".

وعندما بدأت الحرب تصف لنا ختام تلك اللحظة قائلة: "كنت نائمة لم نسمع صوت القصف لأن من سمع الأصوات أكثر هم الطلبة المجاورون لمدينتي كييف وخاركوف، تلقينا مكالمات من أهالينا الساعة الخامسة فجرا يطلبون منا مغادرة المدينة لأن القصف بدأ، قلقنا وبدأنا بتحضير حقائب السفر التي وضعنا فيها أهم ما يمكن أخذه، لم نجد أي سيارة تكسي بالشارع عندما نزلنا من بيوتنا ثم اتصلنا بأحد التكاسي التي نعرفها واتفقنا أن يأتي لنا وهو بدوره طلب منا ألف دولار كإيجار له عن ثلاث طالبات ما يعني استغلالا ماديا ولكننا وافقنا، بقينا ننتظره لكنه لم يأتِ ليتبين لاحقا أنه فضل البقاء مع النساء والطلبة الأوكرانيين لنقلهم للمعابر".

لم يبقَ لختام وزميلاتها خيار إلا الانتظار وسط مشاعر متوترة ومترقبة لما سيحدث، ففكرن بالذهاب لمراكز التموين الغذائية لشراء بعض المعلبات والحاجيات لتكفيهم ليومين أو ثلاثة إذا حوصرن في المدينة ولم يستطيعن الخروج، لكنهن وجدن مراكز التموين فارغة ولم يتبقَ فيها سوى القليل جدا، وعند العودة لمنزلهن أكملن تجهيز الحقائب وإذ بالأمل يعود، فقد تلقت ختام اتصالا يفيد بأن هناك حافلة ستنقل الطلبة نحو المعبر إلى إحدى الدول المجاورة: "لقد كنا أول الطلبة الذين يغادرون دنيبرو وآخر الطلبة الذين وصلو بولندا، بسبب تأخر السفارة الإسرائيلية التي أبلغتنا بأن نذهب إلى تلك الدولة، نحو ٦ أيام قضيناها في الطريق حتى وصولنا لبولندا عدا عن إكمالنا الطريق مشيا بقطع مسافة نحو ٢٥ كيلومترا مشيا على الأقدام، وهنا ظهر تعاون الطلبة مع بعضهم وبالأخص الشباب الذين ساعدوا في نقل الحقائب، كانت الطريق متعبة جدا وفيها تغيير مسارات كثيرة لوجود دبابات وجيش في المنطقة وإغلاق لشوارع، وبعد عناء طويل وصلنا معبر أوكرانيا للخروج منه إلى بولند، وبدأنا نتفقد بعضنا ونتواصل مع السفارة الإسرائيلية واستخدمنا مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدتنا بالوصول للأشخاص الذين يمكنهم نقلنا من المعبر".


درجات الحرارة المنخفضة والباردة جدا كانت إحدى العراقيل في طريق عودة الطلبة، عدا عن الحقائب التي تركت على المعبر دون تحقيق الوعود بإعادة جلبها للطلبة، وهنا تقول ختام: "الطقس كان باردا جدا وصلت الحرارة إلى -٣، لم يكن معنا كثير من الملابس فتبادلنا ملابس بعضنا لنشعر ببعض الدفئ، حل الليل وأشعلنا نارا لنستمد منها الدفئ، ولكن لم يتبقَ المزيد من الخشب وحاول الشبان البحث عن خشب ولم يجدوا، ثم أتت السفارة بوقت متأخر وبدأت تنقلنا بسيارات دبلوماسية وطلبوا منا ترك حقائبنا على المعبر ووعدوا أنهم سيعودون لنقلها، رغم أن حقائبنا كانت تحوي أوراقنا الجامعية المهمة والتي تثبت أننا طلبة بجامعتنا وضمن تخصصات، وللأسف لم يتم تنفيذ الوعد لا عندما وصلنا بولندا ولا عندما وصلنا البلاد".

عندما وصلت ختام مع زملائها وزميلاتها الطلبة إلى بولندا تم استقبالهم في أحد الأديرة، كما واضطروا لشراء ملابس وحقائب جديدة نظرا لأن حقائبهم بقيت على المعبر، وحول باقي العقبات في الطريق تتابع ختام: "عدا عن ذلك فقد تأخرت السفارة بنقل الشباب من المعبر لساعات متأخرة بالليل حتى الرابعة فجرا في طقس شديد البرودة، أيضا واجهنا تمييزا على المعبر من قبل السفارة الإسرائيلية التي فضلت نقل الطلبة اليهود أولا ثم نحن دون الأخذ بالاعتبار أولوية نقل الطلبة المرضى، مع العلم أن من بين مجموعتي كان هناك طالبة مريضة كانت قد أجرت عملية مسبقاً وهي بحاجة لمعاملة خاصة، وأيضا طالب مريض سكري كان وضعه الصحي صعب جدا ويظهر التعب على وجهه ولكن تم تأخيرهم في النقل. إضافة إلى الجيش الأوكراني الذي فضل تيسير أمر الطلبة الأوكرانييين ثم الطلبة العرب".


واختتمت ختام حديثها بأن لحظة لقاء الأهل لا توصف وبلقائهم شعروا بالأمان وأنهم وأخيرا وصلوا سالمين معافين من أي ضرر جسدي لكن الضرر النفسي سيبقى نظرا لصعوبة الأمر عليهم، ولتخوفهم حول مصير دراستهم التي تعبوا واجتهدوا فيها ليصلوا للحظة التخرج ولكن الحرب ستبقيهم في حيرة حيال مستقبلهم وخسارة سنين من الدراسة.

وفي الوقت ذاته ما زال هناك عائلات تنتظر وصول أبنائها، قابلنا إحدى أفراد هذه العائلات وهي المواطنة جهاد دويات من مدينة القدس وهي أم الطالب محمد والذي من المحتمل أن يصل للبلاد اليوم، والتي عبرت عن معاناة نجلها في طريق العودة: "ابني محمد وأصدقاؤه لم يصلوا بعد إلى بيوتهم، وضعهم النفسي صعب جدا بسبب ما مروا به على الحدود، لم يكن لديهم الطعام ولا الشراب ولا مكان للنوم، لقد ناموا على الأرض والثلج بظروف صعبة لا يحتملها البشر، تقدمهم على الحدود كان بطيئا ولم يتمكن أحد من مساعدتهم،
تعبهم نفسي وجسدي وفقدهم للدراسة أثر عليهم كثيرا لأنهم في السنة الدراسية الأخيرة ولم يتبقَ سوى شهرين لبدء امتحاناتهم النهائية ويتخرجوا، ونشكر كل إنسان قدم لهم يد المساعدة بظروفهم الصعبة جدا".

ووجهت جهاد رسالة ومناشدة لذوي الشأن: "أتمنى أن يكون هناك حل لإكمال دراستهم، هذا الأمر مستقبل وسنين ضاعت من أعمارهم، ابني محمد هذا العام كان من المفترض أن يكون خريجا، لقد كنت أحضر ليوم تخرجه فهو أول فرحة بحياتي انتظرتها بعد سنين من التعب وغربته عنا".

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.71
USD
3.86
EUR
4.65
GBP
363983.54
BTC
0.51
CNY