يقف أمام الشاطئ البعيد يتأمّل أمواج البحر السرمديّة.
كم من أقوام وأشخاص وقفت قبله على نفس هذا الشاطئ على مدى أيام وشهور وسنوات، والأمواج ذاتها تستمرّ في الزحف من عرض البحر لتضرب صخور الشاطئ وترتدّ كُتلا وهضابا من الزبد والفقّاعات؟؟
الأمواج كما الرياح حرّة طليقة لا تخضع لرغبة بشر ولا لنزق حاكم ولا لدعاء محكوم. الامواج حرّة منطلقة كما رف طيور السنونو الذي يستمرّ في الطيران في دوائر متداخلة فوقها يُظلّلها ويراقب بعضا من أسماكها الجائعة التي "تفطّ" وتقفز إلى الأعلى وتلتهم كلّ ما يدخل جوفها من الديدان الدقيقة الطائرة الطافية فوق سطح أمواج البحر حين ارتدادها الحنون عن الصخور، رحلتها السرمديّة، التي لا تنقطع لحظة ولا تأخذ حتى "هدنة" للراحة أو للاستجمام!!!!
على مقربة من شاطئ البحر هذا حديقة غنّاء مسيّجة بنباتات مدّادة متلاصقة متراصة، تحجز بعضا من رذاذ مياه البحر المالحة المتطايرة بسبب اصطدام الأمواج السرمديّة بصخور الشاطئ، البعيد أين يقف "المسافر" ويُناجي دياره وديرته وأهله وخلّانه.
في بلاده يوجد شاطئ مشابه تماما وحديقة ورود مجاورة مشابهة تماما، لكنه ويا للعجب!!! محروم منها محظور عليه الوصول إليها بأوامر وغطرسة الغربان السود التي اجتاحت بلاده ووطنه منذ زمن وجلبت اليها الجراد كي يقضي على الأخضر واليابس.
"عطشان والماء بين يديه"، يتنفّس هواء ملوّثا وجبال بلاده مدبوزة بالهواء النقي، هواء أشجار الزيتون ونباتات الزعتر والميرمية وزهر النرجس والاقحوان.
على الشاطئ البعيد يستمتع بتلك الحديقة الغنّاء "مدبوزة" بالورود أنواع وأشكال وألوان، يسود فيها الورد الجوري الأحمر والأبيض، تنافسها ورود القرنفل بنفس اللونين مضافا اليها اللون الزهري المتوّرد نفّاذ العطر والرائحة الشهية التي تُدغدغ أرنبة الأنف وتزكمه بالعطر العميم.
أمّا حديقته القريبة بجوار شاطئ بحره أزرق وصافي المياه فقد امتدت إليها الأيادي والاصابع الغليظة المتخمة بالبارود والرشاشات وقطفت وقطعت الورود واشتالها ونباتاتها ورمتها في فكّ التمساح، في جوف الحوت.... لكن إلى حين، إلى حين .. إلى حين.
* منجد صالح - كاتب ودبلوماسي فلسطيني
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com