نبذة عن المؤلّفة: مختصّة في المجتمع والسّياسة الفلسطينيّة. دكتوراة في تاريخ الشّرق الأوسط. تسنّمت خلال ثلاثين عامًا وظائف قياديةّ في جهاز المخابرات العسكريّة، وفي مكتب رئيس الحكومة. مختصّة في الأنظمة والثّورات العربيّة. استاذ العلوم السّياسيّة في جامعة حيفا. الكتاب من إصدار الجامعة المفتوحة وبردس للطباعة والنّشر، 2021، 537 صفحة. تنشر مقالاتها في صحيفة هآرتس، لها مقالات حول طرد قطر من غزّة، وإمكانيّة بداية انهيار السّلطة من جنين، وغيرها...، ولها كتاب حول الشّهيد ياسر عرفات جاء في 350 صفحة من إصدار دار النّشر "رسلينغ".
منهجيّة البحث:
الكتاب: الاب، الابن وروح الثّورة، هو كتاب يبحث في الانعطاف، الثّورة، في أحاسيس الشّباب في علاقتهم مع أ. الأب الييولوجي ب. الأب السّياسي ج. الأب الغربي "החורג".
وظّفت الباحثة عدّة نظريّات لفهم الرّبيع العربي واستكناه جذوره السّياسيّة والاجتماعيّة والتّربويّة.
استعانت بنظريّات ابن خلدون حول العصبيّة القبليّة، وافترضت أنّ أنا الشّخصي للحاكم قد تفوّق على الأنا الجمعي" العصبيّة"، لذا حدث ما حدث. أمّا النّظريّة الثّانية فهي نظريّة "مسارات الحياة" وهي نظريّة تجمع عدّة علوم معرفيّة ( דיסציפלינות) وهي تناقش تأثير الظّروف التّاريخيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة والشّحصيّة في تنمية الفرد لعبور فترة المراهقة نحو البلوغ بكلّ تفرّعاته.
أمّا النّظريّة الثّالثة، فهي تبحث المشاعر في سياق تاريخي، ثقافي.
لقد حاولت الباحثة تفكيك الخطاب الثّوري من خلال تحليل الفكر، فقه اللّغة، علم المعاني، علم المصطلحات، رسومات، القيم المجتمعيّة والثّقافيّة. قسّم الكتاب كالتّالي، الفصل الأوّل والثّاني ناقشت فيهما الباحثة النّظام الأبوي ( פטריארכלי) والعلاقة الّتي سادت بين الآباء والأبناء في العائلة النّواتيّة. والعلاقة بين الحاكم والمحكوم في العائلة القوميّة. باقي الفصول ناقشت الباحثة التّطوّرات التّاريخيّة في أحاسيس المنتفضين، خاصّة لدى فئة الشّباب.
الفصل الأوّل: يناقش المبنى الأبوي للعائلة العربيّة، ومشاعر الغربة بين الآباء والأبناء.
الفصل الثّاني: المبنى الأبوي السّلطوي، بين الأب السّياسي الدكتاتوري، بين السّلطة، الحاكم والشّعب، وعلاقة فقدان الثّقة بين الامّة والأب السّياسي الّذي تحوّل من راعي الأمّة الرّحيم، إلى حاكم ظالم.
الفصل الثّالث: ناقشت فيه الباحثة مشاعر الخوف الكامنة في نفوس الجماهير في العالم العربي. والّتي أدب إلى تطوير سلوكيات الخنوع والطّاعة وتكوين "شرطي رقيب" يمنع المواطن من تجاوز الحدود الّتي رسمها الحاكم.
الفصل الرّابع: ناقش مشاعر الخجل من الواقع، في السنوات الّتي سبقت الرّبيع العربي. والدّور الكبير الّتي أدته قطر في سيرورة الثّورات والتّحكّم في وعي الجماهير.
الفصل الخامس: سيطرة المتظاهرين على الشّارع وتحريره من السّلطة، ومطالبة المتظاهرين من الآباء، البيولوجي والسّياسي والغربي، بالإصغاء لحاجاتهم المادّيّة والشّعوريّة.
الفصل السّادس: يناقش مشاعر الغضب لدى المتظاهرين، ويبحث كيف تحوّل الغضب إلى كراهيّة وأجّج رغبة الانتقام، خاصّة أنّ مطالب المتظاهرين بالحرّيّة والعدالة لم يستجب لها وقوبلت بالعنف والوحشيّة من قبل الحكّام.
الفصل السّابع: ناقش كسر حاجز الخوف لدى المتظاهرين. وانقلاب الميزان، خوف الحكّام من المتظاهرين ومحاسبة أنفسهم.
الفصل الثّامن: ناقش التّضامن القومي الّذي تطوّر لدى المتظاهرين، بغض النّظر عن الدّين، الجيل، الجنس والثّقافة. لإثبات بأنّهم ثوّار وليسوا خونة وأن الوطن ليس مزرعة للحاكم.
الفصل التّاسع: التّضامن العربي الواسع بين المتظاهرين من كلّ الدّول العربيّة، ثورة مصير عربيّة مقابل حكّام دكتاتوريين.
الفصل العاشر: ناقش حصّة المرأة العربيّة في الرّبيع العربي. وقرأ الصّراع من وجهتي النّظر، محاربة النّظام الأبوي دون التّصادم مع المبنى الدّيني والاجتماعي، مقابل الرّأي الآخر الّذي رأى بأنّ التّغيير يتم وفق ممارسات ثوريّة.
الفصل الحادي عشر: ناقش خيبة أمل المتظاهرين من خطف وسرقة الثّورة من أيديهم إلى يد عناصر عسكريّة وإسلاميّة. وعدم تحقيق أيّ تغيير في العلاقة بين المتظاهرين والحكّام.
تشير الكاتبة في بحثها إلى عدد من الكتب والأبحاث المهمّة الصّادرة بالعربيّة وباللّغات الأخرى، والّتي عالجت الرّبيع العربي مثل: سروجي، نادر ( 2014). مصر الثّورة وشعارات شبابها- دراسة لسانيّة في عفويّة التّعبير; السّعداوي، نوال( 2013). الثّورة العربيّة; غنيم، وائل. الثّورة 2.0( 2012). وهناك أبحاث بالانجليزيّة، الهدف منها توسيع دائرة القرّاء.
من الأفكار الّتي تلفت الانتباه في هذا الكتاب:
لقد وظّفت الكاتبة نصوصًا لكتّاب وشعراء ومسرحيّين وصحفيين، ذات علاقة بواقع العالم العربي وهي تشير إلى صعوبة الواقع مثل نصوص زكريّا تامر، سعد الله ونّوس، أدونيس، احسان عبد القدّوس، خالد خليفة، رياض نجيب الرّيّس نوال السّعداوي، وغيرهم.
يشير الكتاب وبوضوح إلى رفض الشّباب المتظاهرين للغرب، وتلوّنه وكيله مكيالين في كثير من القضايا، بل وصفوا موقف الغرب بالخيانة مرّتين، وقوف الغرب إلى جانب الحكّام، وعرضه أجندة غريبة لا تتلاءم مع الشّروط الثّقافيّة للعالم العربي. وكانت أمريكيا على رأس المتّهمين. خاصّة بعد تهريب تقرير كتب من قبل الأمم المتحدة عام 2003، ويستعرض دور أمريكا ومصر ودول الخليج ودول عربيّة أخرى في إبطاء مسيرة الصّحّة والتّربية والثّقافة. ولم يضف الاحتلال الأمريكي للعراق أيّ نقطة قوّة، بل زاد الغضب الجماهيري وخيبة الأمل الكبيرة لديه من السّياسة الأمريكيّة.
يذكر الكتاب جلستين عقدتا بين أمير قطر حمد الثّاني والقذّافي، وقد كشف فيه أمير قطر حمد الثّاني، كيف قامت قطر من خلال المساجد وصحيفة "الحوار" في لندن و"الجديد" في لبنان، بتأجيج المتظاهرين ضد الحاكم المصري والسّعودي لأنّهم جلبوا الخزي للعالم العربي. أما الجلسة الثّانية فكانت بين رئيس حكومة قطر حمد بن جاسر وبين معمّر القّذّافي. لم يخف فيها حمد بن جاسر نية قطر قلب النظام في مصر السّعودية بعد اكتشاف نيتهما للقيام بانقلاب في قطر. وبعد انقطاع المعاهدات مع القذافي، كانت قطر أوّل دولة أيدت ودعمت الربيع العربي هناك، وكذلك فعلت قطر مع المتظاهرين التونسيين بعد قطع علاقتها الدبلوماسية مع تونس عام 2006. ودعمت أيدت الربيع العربي في تونس.
بالنسبة لسوريا حاول القطريون إقناع بشار الأسد إجراء إصلاحات شاملة ليرضي الجماهير، لكنّه رفض، فتمّت معاقبته، من خلال دعم المتظاهرين وتأييدهم، فأغلقت السفارة القطريّة في سوريا 2011 بعد الهجوم عليها من قبل مؤيدي بشّار. وقد كانت الثورة في سوريا ناجحة في الأشهر الأولى، لكنّها فشلت بسبب قمع السلطة لها بالقوّة وبسبب تمويلها من قبل عناصر خارجيّة ممّا أدّى إلى خبوّ توهّجها. وقد تحوّلت الثّورات في سوريّا واليمن إلى حروب أهليّة سالت فيها دماء كثيرة.
لم يرض الفلسطينيون ولا الأردنيون عن سلوك قطر السّياسي. فأغلقوا قناة الجزيرة عام 1998 وعام 2001، فقد غضب الأردنيون لأنّ قناة الجزيرة وصفت الأردن "سلطة ملكيّة للبدو" وأمّا ياسر عرفات فقد غضب عندما أشارت القناة إلى دور منظّمة التّحرير في الحرب الأهليّة في لبنان.
لقد كان لقطر دور رئيسي في الرّبيع العربي، عبر أثارة الشّارع العربي والبيوت العربيّة من خلال المال وقناة الجزيرة وعزمي بشارة والقرضاوي. استطاع عزمي بشارة أن يثير الملايين بالخطاب الثّوري القومي، وبلغة قريبة من الجمهور، لغة الحيّز العام، أثارهم في الجامعات وأماكن العمل ووسائل التّواصل الاجتماعي، وكانت الفصحى هي لغة التّواصل بين المتظاهرين في العالم العربي.مثل: "الشّعب يريد إسقاط النّظام"، "ارحل"، بينما وظّف القرضاوي لغته الدّينيّة الّتي كانت تختلف من دولة لأخرى، ففي مصر دعا إلى الوحدة، بينما في ليبيا آثر الخطاب الدّيني موظّفًا سيرة عمر المختار لإثارة الجماهير. وفي اليمن شدّد القرضاوي على خطاب التّغيير. وقد خطب في ميدان التحرير في القاهرة أمام أكثر من مئتي ألف متظاهر خطبة عصماء ضدّ بطش السّلطة. وأمّا عزمي بشارة فقد اعتبر ثورة الرّبيع العربي بمثابة انتقام الجماهير من الحكّام، لتخليهم عن البعد القومي في سياساتهم وسلوكهم.
وقد شدّد بشارة على الدّمج بين الهويّة العربيّة والإسلاميّة والهويّة المدنيّة في كل بلد وبلد. ولكن على ما يبدو كان الهدف تحويل منتوج الثّورة إلى مسارات أكثر دكتاتوريّة وفق تعبير الباحثة.
بعد قطع النت في العالم العربي خلال ثورات الرّبيع العربي، انتقل الشّباب إلى الشّارع، رفعوا اللّافتات، حرّروا الشّوارع، اعتمدوا على الثّقافة البصريّة كذلك لنقل مشاعرهم، فرسموا "الجرافيتي"، الكتابة والرّسم على الجدران والكاريكاتير ونصبوا الخيام، لحقهم الأهل للاطمئنان ومحاولة ثنيهم عن مشروعهم وثورتهم، لكنّهم سرعان ما انضمّوا إليهم.
فشل الرّبيع العربي، وتراجع الشّارع خشية من انهيار الاقتصاد وعدم الاستقرار السّياسي، رغم أنّهم دفعوا ثمنًا باهظًا لغياب قيادة جريئة وقويّة قادرة على توظيف الغضب الجماهيري في الاتجاه الصّحيح. تغيّر الرّؤساء، لكنّ المنظومة ظلّت تراوح مكانها. ودفنت رغبة الجماهير بإحداث زلزال في بنية النّظام الأبوي. لقد أجهض الرّبيع العربي. ولو نجح كما كان ينبغي له، لتغيّر وجه المنطقة، ولكنّا آخرين.
الخلاصة: هذا واقعنا. لقد بذلت الباحثة جهدًا كبيرًا في قراءة الرّبيع العربي واستكناه أسبابه وسيرورته. فقد بلغ عدد صفحات المراجع والمصادر والملاحظات ومفتاح الكتاب، أكثر من 120 صفحة. لقد وضعت الباحثة يدها على أبسط التّفاصيل في سيرورة الرّبيع العربي: تاريخ، رسومات، نصوص مختلفة، مراجع، ميديا، مسرح، شعر، غناء، راب، كاريكاتير، مقابلات، وغيرها. بحث شامل وواف. لكن الملفت للنظر، لم تتطرّق الكاتبة للشّأن الإسرائيلي خلال الكتاب، ولا سيّما أن لبّ الصّراع في المنطقة، عربي، إسرائيلي، ولم تشر الباحثة إلى هذه القضيّة بتاتًا. ولا نظنّ أنّ الأمريكان وال C.I.A كانا يجلسان على المدرّجات يراقبان فقط عن كثب ما يحدث من أحداث قد تغيّر وجه المنطقة!
وفي السّطر الأخير، نقول، إنّهم يعرفون كلّ شيء عن ذهنيّتنا المادّيّة والشّعوريّة ونتاجها الثقافي والسّياسي، لربّما يعرفون أكثر ممّا ينبغي. المعرفة قوّة، العلم قوّة، فهل من يعتبر؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com