الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 21:01

شخصيات أسست للكيان- جابوتنسكي (قائد الانشقاق الصهيوني)

بقلم: بكر أبوبكر

بكر أبوبكر
نُشر: 16/07/22 08:07,  حُتلن: 11:01

ولد «زئيف فلاديمير جابوتنسكي» في أوديسا-أوكرانيا عام 1880م، وهو مؤسس الحركة التصحيحية (التنقيحية/التحريفية) المنشقة على الصهيونية الرسمية عام 1925، ويعتبره البعض الأب الروحي للفكر اليميني المتطرف، وأحد أكبر رموز التطرف في تاريخ الحركة الصهيونية. وقد عارض اقتراح انشاء الوطن لليهود في شرق إفريقيا. يعد جابوتنسكي من أهم مؤسسي «الصندوق القومي اليهودي»، و«الفيلق اليهودي» العسكري الإرهابي.

دعا من خلال حركته إلى ضرورة إجراء إصلاحات شاملة وإحداث مراجعات في سياسة الإدارة الصهيونية تجاه الحكومة البريطانية وسلطات الاحتلال (الانتداب) في فلسطين.

ففي السنوات الأولى للانتداب (الاحتلال الانجليزي لفلسطين) دعم جابوتنسكي التعاون مع بريطانيا، ولكن عندما بدأت سلطات الانتداب تتراجع مؤقتًا عن دعمها للفكرة الصهيونية كما رأى، دعا إلى مكافحتها واتهمها بالخيانة، مطالبًا بحث بريطانيا على تأسيس دولة يهودية والوفاء بوعد بلفور  المشؤوم.


وتعتبر الصهيونية التصحيحية/التحريفية التي أنشأها أحد أهم أحزاب اليمين الصهيوني المطالب بإنشاء دولة يهودية عظمى تمتد ما بين النهرين (شعار من النيل الى الفرات). وأثار هذا غضب حكومة الانتداب البريطانية التي قامت بمنعه من دخول فلسطين إلى أجل غير مسمى عام 1930.

كان جابوتنسكي من الداعين والمشجعين لتنفيذ عمليات هجرة غير شرعية لليهود نحو فلسطين ابتداء من العام 1932. ورغم أنه نادى التنظيمات العسكرية الخاضعة له أو المؤيدة لفكره إلى عدم مواجهة القوات البريطانية أثناء اندلاع الثورة الفلسطينية، فإنه عاد ودعا عصابة (الايتسل) إلى تنفيذ عمليات إرهابية وتخريبية ضد مواقع ومؤسسات بريطانية.

والى ذلك عارض جابوتنسكي بشدة خطة التقسيم التي عرضتها لجنة بيل عام 1937، ودعا إلى رفض الاكتفاء بإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية وحدها بل مدها إلى الأردن وصحراء سوريا. وينسب له طرح شعار: ضفتان للأردن هذه لنا وتلك أيضًا!.[1] 

ملك التطرف

يعتبر جابوتنسكي الأب الروحي والسياسي لحركة (الحيروت=الحرية) التي تزعمها مناحيم بيغِن، وتركت أفكاره أثراً بالغاً عليه، وعلى كثيرين من اتباعه. وحاليًا يتردد شعار جابوتنسكي بالدولة اليهودية في الأردن وفلسطين معًا[2] في أوساط متطرفي تكتل الليكود اليميني الذي يتزعمه نتنياهو[3].

ولإدراك حجم تأثير قوة أفكار زئيف جابوتنسكي التي اخترقت الزمن، فلقد كان ذو سطوة على والد "بنيامين نتنياهو" البولندي المدعو "بن صهيون" بشدة، وهو أي الأخير الذي عمل مساعدا لجابوتنسكي على مدار 30 عاما. فتشكل بن صهيون نتنياهو-ثم ابنه نتنياهو- بنفس العقلية الإرهابية المتطرفة والتي تؤمن بما تسميه "إسرائيل الكبرى".

ومن مواقف بن صهيون الجابوتنسكية المتطرفة القياسية انتقاده الشديد لابنه "بنيامين نتنياهو" إبان توليه رئاسة الوزراء للحكومة الصهيونية للمرة الأولى ما بين عامي 1996 و2000 فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات، بسبب قبوله الانسحاب الجزئي للجنود الإسرائيليين من مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة.

وكان "بن صهيون" أيضًا ضمن المفكرين اليمينيين المتطرفين الذين عارضوا الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005. ولطالما اعترف نتنياهو الابن بأن والده ترك أثرًا كبيرا على توجهاته المتطرفة اليمينية.[4]

ويشار فكريًا الى أنه بعد أن (أعلن زئيف انشقاقه عن الصهيونية أخذ يضع التنظيرات لمذهبه الخاص في الصهيونية. ويتلخص مذهبه في بناء جدار حديدي حول الكيان الصهيوني. لا يقصد جدارًا حقيقيًا، بل جدارًا خياليًا لَبِناته قوة اليهود المادية والعسكرية، وقوتهم النفسية والإعلامية التي تكرر على عقول العرب الفلسطينيين أن اليهود قوة لا تُقهر لذا فعلى كل فلسطيني أن يرضخ للأمر الواقع لأنه أضعف من تغييره.

"إسرائيل الكبرى"، والجدار الحديدي

فجابوتنسكي لخصّ مشروعه تقريبًا في كلمة واحدة، اليأس. فقد انطلق الرجل من أن الفلسطينيين شعب حيّ، وأنهم ما دام فيهم ذرة أمل فإنهم لن يتنازلوا للصهيونية عن أي شيء. وبحسب مذهب زئيف فزرع الإحباط واليأس في نفوس الفلسطينيين حتى يفقدوا كل الظن بإمكانية طرد المحتل. حتى يتوصل الفلسطينون في النهاية إلى ضرورة اختيار قادة أكثر اعتدالًا لا يحبذون المقاومة العسكرية ليتوصلوا لاتفاق وسط مع الصهاينة.

كذلك كان يرى زئيف ضرورة النهوض باللغة العبرية وإنشاء مدارس لا تستخدم سواها وعدم اللجوء لأي لغة عالمية أخرى للتواصل بين اليهود. لكنه في الوقت نفسه كان لا يرى لغة تصلح للتواصل مع بقية العرب إلا السيف، فعقيدته كانت أن العرب لن يسمحوا بوجود "إسرائيل" إلا إذا رأوا الجانب المتطرف من اليهود، الذي لا يبالي بالموت ولا بكثرة عدد القتلى.)[5]

تلامذة جابوتنسكي

يكتب أنطوان شلحت[6] ملخصًا أثره الكبير حتى اليوم بالقول: إن خصومه، وفي طليعتهم رئيس الحكومة الأول والمؤسس الفعليّ للدولة، ديفيد بن غوريون، الذين استأثروا بكل عمليات التأسيس في أولى سنوات إقامة دولة الاحتلال حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين الفائت، تبنّوا، في العمق، جوهر أفكاره العامة

وعلى وجه الخصوص، طبقّوا نظريته "الجدار الحديدي"، التي قضت بأن الأكثر أهمية في الممارسة الصهيونية يبقى كامنًا في إقرار وقائع ميدانية في الأرض، والحفاظ على قوة الذراع العسكرية، وسرعان ما أضحى هذا الشيء بمثابة سياسة رسمية ل"إسرائيل" حيال العرب، ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا، وحيال الشعب العربي الفلسطيني خصوصًا.

وبما أن بن صهيون نتنياهو وابنه "بنيامين نتنياهو" من تلامذة جابوتنسكي بالوراثة فمن الجدير ذكره أن "بنيامين نتنياهو" قد ألف كتابًا مليئًا بالأكاذيب أسماه "مكان تحت الشمس" مشتملًا "تزوير التاريخ" عيانًا ما حدا بكاتب عربي فلسطيني هو د.فايز رشيد أن يؤلف كتابًا في الرد على الكتاب حيث يأتي في مرحلة يتم فيها تزييف حقائق التاريخ، ويتم الترويج فيها للحركة الصهيونية على اعتبار أنها حركة إنسانية من قبل ساسة اليهود! وخاصة "نتنياهو" أطول رئيس وزراء في عمر الحكومات الصهيونية، فكان لا بد من تبصير العالم بالنواميس الخفية التي لا تزال تحكم العقلية الصهيونية التي حكمت ولا تزال تحكم فلسطين وشعبها بلغة الحديد والنار، حيث جاء الرد عليه من كاتب عربي عاشقٍ للقضية متمكنٍ بأدواته، فحصاً واستكشافاً، تحرياً، والتزاماً، بقضايا أمته.

وكما أصدرد.مهند مصطفى كتابًا عن نتياهو، أصدر الكاتب أنطوان شلحت أيضًا كتابه المعنون: بنيامين نتنياهون عقيد اللاحل عام 2015م ، ويخضع الكتاب عقيدة نتنياهو السياسية والأمنية وما طرأ عليها من تغيّر إلى التحليل بواسطة قراءة معمقة لفكره السياسي كما تجلى في كتابه "مكان تحت الشمس"؛ ومنشأه الأيديولوجي وتأثير والده عليه (وسط تأكيدات تتعلق بعبوديته المطلقة لوالده المتطرف في آرائه اليمينية)؛ المرتبطة بجابوتنسكي.

_________________

*الحواشي الهامة:

[1] ذكر وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه أرنس في هآرتس، بجابوتنسكي تحت عنوان "يوم التمرد" قائلا "في شهادة أمام لجنة بيل في لندن في الحادي عشر من شباط 1937، قال فلاديمير زئيف جابوتنسكي، إن هدف الصهيونية هو إنشاء دولة يهودية على جانبي نهر الأردن". ورئيس الكنيست الإسرائيلي السابق روبي رفلين كان قد أعلن أن قيام "دولة "إسرائيل" على ضفتي نهر الأردن هدف قابل للتحقيق الآن أكثر من أي وقت مضى، ويصلح اليوم أكثر من أي وقت مضى في تاريخ "إسرائيل""، مضيفا أن "جابوتنسكي لم يكن مخطئا". والارهابي الكبير شارون صرح في أعقاب فوزه في الانتخابات عام 2001 للصحيفة الألمانية فوكس قائلا "أيضا شرقي الأردن جزء من أرض "إسرائيل"". (مقال نواف الزرو في الجزيرة عام 2012)

[2] أكد "يسرائيل كولت" وهو أستاذ محاضر في الجامعة العبرية أن "أرض "إسرائيل" الصهيونية حسب النظرية الجغرافية والسياسية تلك الراسخة في الفكر أو الواقع، هي أرض "إسرائيل" الممتدة من مصادر الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر، وهي الوطن التاريخي لليهود الذي لا تؤثر فيه الحدود السياسية القابلة للتغير" (؟!)-من مقال نواف الزرو في الجزيرة عام 2012 تحت عنوان: الوطن البديل وضفتان للأردن.. يسودان المشهد الصهيوني.

[3] كلمة نتنياهو ذاتها كلمة عربية آرامية وسريانية بمعنى عطية أو هبة الرب.

[4] أنظر ما تقوله قناة بي بي سي عن بن صهيون (واسمه الأصلي بن صهيون ميلايكوفسكي) والد نتنياهو عند وفاته عام 2012م، عن 102 سنة، وهوالمؤرخ الإسرائيلي، البولندي المولود في وارسو عام 1910م.

[5] عن مقال «أنا أو الفلسطيني»: زئيف جابوتنسكي والصهيونية التصحيحية في موقع إضاءات عام 2021م. ولمراجعة الوثيقة الصهيونية عنه.

https://knesset.gov.il/vip/jabotinsky/arb/bio_arb.html

[6] من مقال أنطوان شلحت في موقع صحيفة العربي الجديد عام 2021م، تحت عنوان: عن جابوتنسكي وأدلجة الفنون المشهدية.

*(سلسلة مقالات حول شخصيات ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني على حلقات، وهذه الحلقة 17 منها)  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com    

مقالات متعلقة