قال الخليفة عمر بن الخطاب : ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن.
قال الخليفة عمر ابن الخطاب هذه الجملة الحكيمة قبل 1400 سنه, ولا تزال صلاحيتها واهميتها سارية المفعول الى يومنا هذا , وما اصدقه من قول وكلام , وكم هو يعكس واقع اليوم الذي نعيشه , وقال المثل في هذا الصدد " المحاكم حبالها طويلة " وتستغرق مدة طويلة حتى تبت بالقضية , وهناك احتمال ان يتفاقم الخلاف بين الطرفين ويؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها اثناء وجود القضية في أروقة المحاكم ولم تحل بعد , والمحاكم تحكم حسب ادلة واثباتات وتصدر حكمها بالقضية التي أمامها لصالح احد الطرفين , ولكنها لا تجري مصالحة ولا مصافحة بين الطرفين ولا زيارات متبادلة لإزالة سوء الفهم والزعل وتنظيف القلوب من الضغائن و الرواسب السلبية بعد إصدار الحكم , ويبقى الزعل والحقد والضغائن في قلوب الطرفين ما لم يتصالحوا ويشربون القهوة في بيوت الطرفين .
نستشف من كلام الخليفة عمر عليه السلام ان الحل الأمثل هو الحل بالتراضي والمصالحة حسب الشرع العربي , لقدرته وسرعة تدخله لفض الخصومات بواسطة تدخل رجال الخير بما يسمى بالجاهة والتي تسمى هذه الأيام في بلداتنا لجنة افشاء السلام التي تتدخل فورا عند أي شجار او خلاف وتضبط تصرفات المتخاصمين حتى تنهي هذا الخصام , وهذه الجاهات تؤدي دورا مهما وإيجابيا في التقريب بين مواقف الاطراف وفضّ النزاعات وإصلاح ذات البين وغيرها من الحوادث والتهديدات التي يعيشها المجتمع وتؤثر على بنائه ووظائفه والسلم الاهلي به .
وتعتبر الجاهة ولجنة افشاء السلام تنظيما مهما وقادرا على التدخل لتطويق الحوادث وأكثرها سرعة وكفاءة في الاستجابة لحاجة المجتمع للحماية والإصلاح والمحافظة على النسيج الاجتماعي ، فلجان افشاء السلام تنظيم مفتوح تشارك فيه تشكيلات المجتمع المختلفة ويقودها أكثر الأفراد معرفة بالعادات والقيم والأعراف والتقاليد.
ووجود هذه الجاهات واللجان افشاء السلام في كل بلد افضل بكثير من وجود مراكز الشرطة المنتشرة في بلداتنا ولا تمنع وقوع الجرائم , وهي لا تزال لها القوة والتفوق على المحاكم المدنية في حل الخصومات وتطويق الأحداث ومحاصرتها؛ فقد أثبتت الجاهات أنها أفضل آلية شعبية للتصدي للأزمات وتطويقها.
إقبال المجتمع الى اللجوء الى الجاهات واللجان افشاء السلام نتيجة الثقة بقدرتها على معالجة القضايا الاجتماعية والبت بها وتحقيق العدالة وإرضاء الأطراف من أجل إعادة التوازن للمجتمع في أعقاب كل حادثة أو جريمة أو تهديد بوقت سريع .
إن مهمة إصلاح ذات البين لها أهمية قصوى في هذه الايام وهي مطلب جماهيري سواء بين الأفراد والجماعات وبين الأزواج والزوجات وبين الأقارب والأرحام والجيران ، والقبائل والعائلات والطوائف وفي حالات القتل وفي النزاعات والخصومات .
مهمة إصلاح ذات البين مهمة وطنية واجتماعية ودينية وإنسانية وعظيمة لها الكثير من الأجر والثواب .
مهمة إصلاح ذات البين أصبحت اليوم مهمة ومسؤولية تحتاج إلى تفعيلها على المستوى الرسمي وبطرق مباشرة في جميع القرى والمدن العربية من خلال التدخل وحل المشكلة قبل وقوعها بالاشتراك مع لجان افشاء السلام وليس التدخل بعد وقوعها , لكي نمنع مضاعفاتها ونتائجها على مجتمعنا.
الدكتور صالح نجيدات