"سمعت صوتا هاتفا في السحر نادى من الغيب غُفاة البشر،
هُبّوا املأوا كأس المُنى قبل ان تملأ كأس العمر كف ّ القدر،
لا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان،
واغنم من الحاضر لذّاته فليس في طبع الليالي الامان،.."
هذه الابيات البديعة هي مطلع قصيدة رباعيات الخيام، "أغنية ام كلثوم رباعيات الخيام"، التي كانت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تصدح في جميع مقاهي المشرق العربي والمغرب العربي، وربما في العديد من دول العالم،
هذا هو الفنّ الراقي يعمّ ويدوم تتداوله الاجيال من جيل لجيل،
في هذا المقام والمقال والصدد، تفاجأت منذ عدة ايام ان ابنتي كارمن، الشابة الصبية التي انهت التوجيهي هذا العام وتتحضّر لدخول الجامعة باذن الله، والتي كانت مغرمة باغاني "فرقة البي تي اس" الكورية الجنوبية، قد فاجأتني وهي تستمع إلى اغنية رباعيات الخيام لام كلثوم، وقالت لي: "ابي انها اغنية رائعة"،
تصوّروا يا سادة يا كرام مدى سعادتي وابنتي تتابع الفن والطرب العربي الاصيل من الزمن الجميل، وماذا اقول انا؟؟، وقد توقّفت معرفتي الحقيقية بالفن عند اغاني ام كلثوم وحفلات ام كلثوم الشهرية في القاهرة،
لا اعرف ما هي فرثة البي تي اس الكورية ولم اسمعها مطلقا، مع انه يُفرض علي احيانا، وانا اضحك سماع اغاني مثل "رجب حوش صاحبك عنّي رجب صاحبك حيجنني"، للفنانة اللبنانية هيفاء وهبي التي تغنّي بهز اردافها اكثر من صوتها،
اتذكّر ايضا حادثة طريفة وانا اعمل في تونس اثناء تواجدنا في الدولة الخضراء،
كان لدي في سيارتي كاسيت اغاني ل صباح فخري، الطرب الاصيل الجميل، اسمعه وانا اقود سيارتي، سافرت في تلك الفترة في مهمة عمل إلى احدى الدول الاوروبية، عندما عُدت إلى العاصمة التونسية وكنت قد اودعت سيارتي لشقيقي الصغير، الطالب في كلية طب الاسنان، ووضعت كاسيت صباح فخري في مسجّل السيارة، والا اندفع من المسجل صوت وضوضاء اغاني شبابية لم اسمعها من قبل ولم افهم منها شيئا،
سألت شقيقي الصغير: "ماذا جرى للكاسيت؟؟، فاجابني بكل برود انة سجّل اغاني حديثه جديدة له بدل الاغاني "المملّة الرتيبة" التي كانت عليه!!! ةماذا سأقول وما هي الدوبارة؟؟، الله غالب على امره، حادثة اخرى طريفة حصلت في اجتماع مجلس قيادة الثورة المصرية زمن جمال عبدالناصر،
في الاجتماع المذكور اتت سيرة حفلات ام كلثوم الشهرية في القاهرة، فانبرى احد مجلس قيادة الثورة معترضا على الحديث عن ام كلثوم واغانيها في مثل هذا الاجتماع، وقال: "ان جميع الذين يحضرون حفلات ام كلثوم ويستمعون اليها هم من السكارى والحشاشين!!"،
استفز هذا الكلام جمال عبدالناصر وردّ عليه على الفور: "انا من سمّيعة ام كلثوم وعاشق لاغانيها"،
فما كان من العضو المذكور إلا الاعتذار بخجل من "السيد الرئيس".