تبدو المحادثات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على توقيع صفقة تنهي الحرب الدامية والمجازر اليومية في قطاع غزة صعبة وشاقة للغاية، ففي الوقت الذي سمي هذا الاقتراح بمقترح ومبادرة بايدن الشخصية لوقف اطلاق النار بين حماس وإسرائيل، الا انه اعترف لاحقا وبسرعة بان هذه المقترحات هي إسرائيلية وتبناها الرئيس الأمريكي، وهي في واقع الامر من أفكار بنيامين نتنياهو، حيث تبنت هذه الإدارة الامريكية الواهية، خاصة بعد المناظرة الفاشلة وصعود ترامب الأفكار الإسرائيلية بالكامل بكل ما يتعلق في التوقيع على صفقة التبادل ووقف اطلاق النار بين الطرفين، وتدفع الإدارة الامريكية وبقوة باتجاه التوقيع على هذه الصفقة من وجهة النظر الإسرائيلية.
وتتبنى أفكار نتنياهو بكل ما يتعلق بسيطرة على معبر رفح ومحور فلدلفي ورفض إسرائيلي قاطع لنزوح الغزيين من الجنوب الى الشمال والاستمرار في السيطرة الإسرائيلية على قاطع "نتسريم"، كما ان هذه الإدارة الأمريكية لا تلمس ببنت شفاه في استعمال سلاح الجو الإسرائيلي في عمليات تدميرية واسعة وانطلاق السكان المحاصرين في الجنوب الى مناطقهم السكنية المدمرة الى الشمال والوسط، بحيث يصبح قطاع غزه غير صالح لسكن، هذا وبات من المؤكد بان إدارة بايدن مستمرة في تزويد إسرائيل بالقنابل الذكية التي يصل وزنها إلى أكثر من خمسة أطنان ويسقطها الجيش الإسرائيلي على مناطق مأهولة بالسكان بحجة محاولة اغتيال قادة حماس كمحمد الضيف واخرين.
وهنالك شبه اجماع على ان نتنياهو كما ذكر في النقاط الأربع التي أعلنها امام الملأ عن نيته الاستمرار في الحرب على غزه، وكما يقول بلسانه بانه مستمر بالضغط العسكري على حماس خلال المفاوضات، وبان هذه الضغوط بحسب رايه سوف تؤدي بالتالي الى استسلام حماس وتسليم الاسرى الذين بحوزتها، وكما يقول هو فانه يريد نصرا ساحقا على حماس في هذه المعركة، ويقول محللون عسكريون إسرائيليون كبار انه لا يمكن لنتنياهو ان يحقق هدفه هذا، بل ان تحقيق مثل هذا الهدف سوف يستمر سنوات، وكما يتبين فانه معني ان يستمر هذا الصراع الى سنوات عديدة، كي يستمر في الحكم وكي يسكت الانتقادات ضد ادارته ويمنع إقامة أي لجنة تحقيق رسمية تقوم بمحاكمته على الإخفاق الفشل والتقصير في السابع من اكتوبر 2023.
هذا ومن الواضح للعيان ان موظفي إدارة بايدن المواليين لإسرائيل وعلى راسهم وزير الخارجية انطوني بلينكن ورئيس مجلس الامن القومي جاك ساليبن ورئيس الـ CIA وليام بارينس، يستغلون ضعف بايدن في الأيام الأخيرة لأدارته كي يستمر في الدعم واسع النطاق لحكومة نتنياهو، خاصة في مزيد من العمليات الجوية للجيش الاسرائيل والتي تلقي مئات الاطنان من القنابل الذكية وغير الذكية على قطاع غزة وتؤدي بالتالي الى استمرار تكبيد سكان غزة بالخسائر والضحايا المذهلة التي وصلت الى أكثر من 50 ألفًا.
ويصور نتنياهو استمرار عملياته الجوية بانه يهدف الى القضاء على قيادة حماس وفي نفس الوقت، يرسل البعثات برئاسة الموساد والشباك والمسؤول عن الاسرى الإسرائيليين الى الدوحة والقاهرة لكن بدون أي صلاحيات تذكر، حيث يذهبون ويرجعون بدون أن يحققوا أي انجاز تفاوضي مع حركة حماس، بحيث لم يبق على زيارته الى واشنطن وخطابه امام الكونغريس اقل من أسبوع حيث سيغادر البلاد في الثاني والعشرين من يوليو/ تموز ويلقي خطابا بدعوة من الأغلبية الجمهورية امام الكونغريس في الـ 24 من يوليو 2024.
هذا وقد تأكدت المعلومات وتحليلات بان نتنياهو سيستمر في عمليات القصف المدمر على السكان في غزه بحجة استهداف قادة حماس، كما انه يعلن ليلا نهارا وعلى الرغم من فشل احتلال رفح بالكامل، الا انه يهدف السيطرة على محور فلدلفي بموافقة ودعم أمريكي ومصري، ويبدو واضحا ان الإدارة المصرية تتوافق وتتآمر مع نتنياهو في مآربه بكل ما يتعلق بالسيطرة الإسرائيلية على هذا المحور الحدودي مع مصر لتجديد السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزه وبموافقة مصرية.
كما يستمر الجيش الإسرائيلي بالسيطرة على المحاور الحدودية في الشمال وفصل القطاع عن الجنوب بواسطة إيجاد منطقة حدودية إسرائيلية عازله تزيد من السيطرة الإسرائيلية المطلقة على قطاع غزة، تتوافق الإدارة الامريكية الضعيفة لجو بايدن مع هذه الخطوات الخطيرة، الذي يقوم بها نتنياهو لسيطرة المحكمة على غزه في نقس الوقت التي لا تهمه مسالة الاسرى الإسرائيليين والذين يتناقص عددهم خلال القصف الذي يقوم به الجيش على قطاع غزة وتعتبر تلك الخطوات التي يقوم بها نتنياهو الاستراتيجية الواضحة للعيان التي ينتهجها لحلّ الصراع مع حماس بدون الاخذ في الحسبان ما حدث في شمال البلاد، في الصراع مع حزب الله واخلاء مئات الآلاف من السكان اليهود في الشمال وفقدان السيادة الإقليمية لـ 4900 كيلو متر في شمال البلاد وهضبة الجولان واكثر من 3000 كيلو متر مربع في غربي النقب في جنوب البلاد .
وقد تأكد الجميع بان خطته هذه سوف تستمر مدة طويلة ومن الصعب ان تتحقق أهدافه التي وضعها نتنياهو نصب عينيه، ويعارض هذا النهج العديد من المحللين الإسرائيليين العسكريين وعلى راسهم رئيس المخابرات العسكرية السابق عاموس يادلين وآخرون، ويقولون انه على إسرائيل ان تدير حربا سريعة وحاسمة وتُفرج عن الاسرى باي ثمن يمكن دفعه وتعيد السيادة الإسرائيلية الى مناطق الشمال والجنوب وبالسرعة الممكنة، وهذا ما يعارضه نتنياهو الذي يريد حربا طويلة الأمد للبقاء على كرسي الحكم وتجنب أي محاكمته من لجنة تحقيق تقام لاحقا في إسرائيل وسوف يدوس، في خطابه في الكونغرس امام الرئيس والمرشح لرئاسة وأعضاء الكونغرس الجمهوريين والدمقراطيين، على صفقة وقف اطلاق النار وإيقاف الحرب من المؤكد انهم سيصفقون له تصفيقا حارا في واشنطن.