بالرغم من ان العرب يسكنون على رقعة جغرافية واحده، ولهم عقيدة مشتركة وتاريخ مشترك ,ويتكلمون نفس اللغة، ولهم عادات مشتركة ويدعون انهم امة واحدة موحدة لها اواصر قربى وروابط اخوية، وهم كأعضاء الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهذه الميزات والمقومات والقواسم المشتركة والروابط من المفروض ان توحدهم بسهولة في دولة واحدة، ويكونوا قوة عسكرية واقتصادية لها مكانتها بين الامم، الا أن للأسف واقع هذه الامة عكس ما ذكر اعلاه، هكذا كانوا في العصر الجاهلي قبائل متناحرة، وجاء الاسلام وحدهم تحت قيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لحقبة من الزمن وبعد وفاته دب الخلاف بالامة وقتل ثلاثة خلفاء عمر وعثمان وعلي عليهم السلام، واستمر الصراع والحروب بين القبائل والاحزاب على الحكم، وما زالت الامة مفككة ومنقسمة على ذاتها منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا بل ساء وضعها اكثر فأكثر، ويا حصرتاه تتعرض للاعتداءات ولا تقوى على الدفاع عن نفسها، والكل يتفرج على المعتدي ولا يقدمون يد العون لبعضهم البعض، فلو كانوا امة واحدة لتوحدوا وحموا وصانوا اوطانهم وشعوبهم من الاعتداءات عليهم، ولم يتعلموا من وحدة شعوب الهند التي تضم مئات الاعراق والقوميات وغيرها من شعوب توحدت بالرغم من انهم من قوميات مختلفة، والمصيبة الكبرى انهم لا يتعظون ولا يتعلمون من أخطاء الماضي والعصبية القبلية متغلغلة بهم حتى النخاع.
قد يجوز ان الانظمة الحاكمة والعداء بينهم يقف عائق امام الوحدة هذه الايام حيث ان هذه الانظمة مسيرة ومدارة من وراء الستار من قبل المخابرات الامريكية الاوروبية التي تمنع كل وحدة وتقارب بينهم لتحقيق مصالحها وسلب ثرواتهم اتباعا للسياسة التي رسمها هنري كامبل رئيس وزراء بريطانيا سنة 1907 والتي لا زالت متبعة حتى يومنا هذا اتجاه الأمة العربية، حينها جمع رؤساء الدول الاستعمارية وقال لهم: " اذا توحد العرب سيعيد التاريخ نفسه ويصبحوا قوة تهدد دول اوروبا ومصالحها، ولذا علينا وضع جسم غريب بينهم يفسخهم ووعلينا منع وحدتهم ويجب تقسيمهم لدويلات صغيرة وننصب عليهم قيادات فاسدة ليسهل علينا التحكم والسيطرة عليهم".
المبنى الاجتماعي لمعظم المجتمعات العربية هو قبلي –عائلي بامتياز، ومن الصعب تغير هذا المبنى لعدة أسباب لا مجال لذكرها، ولم تحاول الأنظمة الحاكمة صهر القوميات والقبلية في بوتقة المواطنة الصالحة، وغرس التربية الوطنية والولاء للوطن في نفوس أبنائها، لذا بقيت التربية القبلية هي السائدة في المجتمعات العربية والتي تركز على الولاء والانتماء للقبيلة وليس الانتماء للوطن وللمجتمع الكبير ووضع مصلحة القبيلة في اول سلم أولويات الفرد، ومن هنا نرى ان ما يهم المواطن العربي في الوطن الكبير هو ما يحدث في قبيلته وليس ما يحدث في وطنه والمجتمع الكبير الذي يعيش فيه، ولذا عندما يحدث اعتداء على شعب من شعوب الامة العربية لا تهب الشعوب الاخرى لمساندته وردع العدوان عنه، لان ما يهم المواطن العربي هو ما يحدث فقط في قبيلته وليس ما يحدث في الوطن العربي الكبير بسبب تربيته القبلية، وينطبق على العرب المثل: أُكلت يوم أكل الثور الأبيض.