بات من المؤكد أن السياسة الإسرائيلية والامنية في قطاع غزة وفي الجنوب اللبناني، قد وصلت إلى طريق مسدود، بحيث لا تملك إسرائيل الان الخيارات التكتيكية واستراتيجية للاستمرار في المعركة ومواجهة حركتي حزب الله وحماس، ومن هنا فقد أصبح واضحا أنها بدأت تلجأ باستخراجية جديدة لتحقيق أهدافها وهو تصعيد الردع بالمفهوم الإسرائيلي القديم الذي يتمثّل بسياسة اغتيال القيادات في غزة، بيروت وطهران.
ويمكن القول إن نتنياهو وبأوامر اغتيال القيادي الحج محسن في حارة حريك في الضاحية الجنوبية في بيروت، قد خرق قواعد الاشتباك مع حرب الله وتمادى في اغتياله لاحد قياديي ورموز ومؤسسي الحزب القدامى الذين يسكنون في العاصمة بيروت كمواطنين عاديين، وليس مقاتلين بالصف الأول حيث بلغ من العمر اكثر من 70 عامًا، وقد وعد حسن نصر الله بالردّ السريع على هذا الاغتيال ولم تمض ليلة الـ 30 من يوليو/ تموز 2024 ، حتى تم تنفيذ عملية اغتيال اخرى طالت قائد حركة حماس إسماعيل هنيه، في بيت الضيافة لقدامى المحاربين في قلب طهران، عندما حلّ ضيفًا على الامام خامنئي الرئيس الروحي للجمهورية الإسلامية في ايران، وكان لإسرائيل الشجاعة، لأن تعترف انها قصفت الضاحية واغتالت القائد اللبناني الحج محسن في عُقر داره في حي الضاحية الجنوبية لبيروت، ولكنها لم تعترف أنها هي التي اغتالت إسماعيل هنيه في طهران، غير انها سرعان ما اعترفت لحليفها الأمريكي، بانها وراء اغتيال هنية حسب ما نشرته صحيفة "الواشنطن بوست".
ويبدو ان هناك تشابهًا في عمليتي الاغتيال للقائدين اللبناني والفلسطيني، ويرى بعض الصحفيين والمحللين الإسرائيليين، ان نتنياهو يدفع الجهاز العسكري والسياسي بقوة لتنفيذ عمليات الاغتيال ضد القادة الفلسطينيين، تماما كنظرية الاغتيالات التي قامت بها ونفذتها جولدا مئير ضد القادة والدبلوماسيين الفلسطينيين، بعد عملية ميونخ 1972 ، حيث أمرت آنذاك رئيس الموساد تسفي زمير باغتيال العديد من القادة الفلسطينيين، بحجة مشاركتهم في قتل واختطاف الرياضيين الإسرائيليين المشاركين في اولمبياد ميونخ.
وعلى الرغم من أن هنالك الكثير من الجدل حول أن هنالك خلافا قويا بين الجهازين السياسي بقيادة نتنياهو، والعسكري بقيادة الموساد والشاباك والاجهزة الأمنية الأخرى، إلا أن نتنياهو هو المقرر الأساسي في عمليات الاغتيال وبكل ما يتعلق بقرار وقف إطلاق النار و إبرام أي صفقة التبادل مع حركة حماس، هذا ومن المؤكد إن عمليات الاغتيال التي أمر بها نتنياهو، تهدف بشكل واضح إلى إحباط التوقيع على أي الصفقة، اتفاقية او أي نوع من التفاهم مع حركة حماس، بل الاكثر من ذلك، فإن اوامر الاغتيال التي طالت الحاج محسن وإسماعيل هنية، هدفها بشكل واضح، تعطيل الصفقة وهو يسعى جاهدا للقضاء على أي شكل من اشكال السيطرة والسيادة الفلسطينية على قطاع غزة.
ويحاول نتنياهو إضافة بندين إلى شروط تنفيذ الصفقة، حيث انه يطالب بعدم تواجد أي قوة سيادية فلسطينية، حتى لو كانت رمزيه على معبر رفح، كما يطالب بوضع حواجز تكنولوجيه في قلب محور فيلادلفي على الحدود المصرية التي تبلغ 14 كيلو مترا، وهنالك شورط اخرى بحيث يريد منع رجوع السكان المتواجدين في الجنوب، الى شمالها بحجة تسليحهم عبرة قاطع نيتسريم، لكن هدفه الخفي والحقيقي هو اخلاء المناطق الشمالية من القطاع، بهدف السيطرة عليها كمناطق قريبه في الحدود مع إسرائيل، وبالمقابل يمكننا الجزم أنه من الصعب ان تتم مثل هذه الصفقة مع أي طرف فلسطيني، خاصة مع الرئيس الجديد لحركة حماس يحيى السنوار.
وإزاء ما يجري الان وإصرار إيران وحزب الله للرد على عمليتا الاغتيال في بيروت وطهران، فقد وضع ذلك نتانياهو وإسرائيل في ورطة لا تحسد عليها، الامر الذي حدا بنتانياهو للاتصال بجو بايدن، مطالبا ايه بإنقاذ إسرائيل من الرد المزدوج الذي يمكن ان يكون خلال اقل من أسبوعين أي حتى الـ 20 من هذا الشهر آب 2024.
على الرغم من رد بايدين القاسي لنتانياهو الذي قال له إنك تحتال علي، الا انه ارسل المدمرة ابراهم لينكولن، بدلا من حاملة الطائرات روزفلت، وزودها بطائرات F22 لترسو في بحر الخليج، ويحاول في نفس الوقت العمل على إقامة تحالف عسكري امريكي فرنسي الماني بريطاني إيطالي، مدعوم من الأردن مصر السعودية، للحفاظ على إسرائيل وامنها من أي هجوم إيراني وشيك، وبدلا من ان تطالب كل تلك الدول بوقف الحرب على قطاع غزة، الا اننا نرى هذه الدول تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل في استمرار القصف على قطاع غزة وجنوب لبنان، الامر الذي يؤدي الى قتل المئات من المدنيين يوميا.
وصوريا فان نتانياهو وافق على التفاوض والاجتماع مع الوسطاء على الصفقة، لكن وضعه ووضع إسرائيل الاستراتيجي في اسوأ حال، حيث انه لا يملك أي مخرج لإنهاء الحرب على غزة، وسيغوص في رمالها مدة لا يعلم احد متى ستنتهي، ويمكن ان تنتهي فقط بهزيمته الفادحة، إضافة الى ان إسرائيل فقدت سياسة الردع في المنطقة، خاصة ضد حزب الله وايران، حيث ان هذه السياسة مرتبطة تماما بالولايات المتحدة دعمها العسكري الذي توقف هُنيهة واعيد ضخه الآن للمرحلة الثانية للمواجهة مع ايران، لأنها بحاجة ماسة لمزيد من صواريخ القبضة الحديدية والطائرات النفاثة الحربية قطع الغيار والذخيرة المختلفة، وفي نفس الوقت لا نرى أي بصيص من الامل على الرغم من التدخل الأمريكي، لا على المواجهة مع غزة لبنان او ايران حتى المواجهة المقبلة.