طغت شخصيات كتّاب وشعراء اشتهروا لهذا السبب أو ذاك، في بلادنا على الكثيرين من المبدعين الحقيقين وحجبت بالتالي شموس النور عنهم، وطالت أكثر ما طالت من هؤلاء المستحقين لأن يُعرفوا ويقرؤوا، ويستفاد من تجاربهم المتعمّقة الواعية، أقرب الناس إليهم وأقصد إخوانًا لهم سلكوا الطريق التي سلكوها هم ذواتهم، فوضعتهم في الظلّ وكان الاجدر بهم أن يوضعوا في الشمس كونهم امتلكوا طاقات إبداعية ذات كينونة وخصوصية. بغض النظر عن العوامل الأساسية في شهرة هذا وخبوّ نجم ذاك، وبغض النظر عن الفارق الكبير بين الشهرة والأهمية، فقد يكون المبدع مشهورًا وليس مهمًا ومهمًا وليس مشهورًا، بغضّ النظر عن هذا كله، وعبر نظرة موضوعية تهتم بالإبداع الادبي ذاته، ولا تولي الظروف المناسبة وغيرها من تيسُّر إمكانيات النشر اللائقة، فقد مكث مبدعون حقيقيون في بلادنا في الظل إلى حد بعيد، للسبب الملمح إليه آنفا.. كونهم أشقاء لمشهورين . أمثال محمود درويش، سميح القاسم وراشد حسين. فيما يلي أقدم معلومات عن عدد من الاشقاء المقصودين ضمن محاولة ورؤية شخصية غير مُلزمة.
زكي درويش – شقيق الشاعر محمود درويش
ولد عام 1944 في قرية البروة المهجّرة. قبل نحو الأربعة أعوام من ولادة شقيقه الشاعر محمود درويش. عمل في التدريس. وابتدأ حياته الأدبية في أواسط الستينيات. انبأت مجموعته القصصية الأولى "شتاء الغربة" الصادرة عام 1971، بموهبة ستواصل التفتّح عبر أكثر من نصف قرن من الزمان، وتجلّت فيها الروح الأدبية الراقية بكلّ ما تعنيه من حسّ جماعي وانتماء للذات والأخر، ولعلّ عنوان قصة شتاء الغربة ذاته يحكي الكثير من العمق عن الغربة في الوطن والإقامة قسرًا في قرية هي الجديدة المكر التي لا تبعد كثيرًا عن مسقط راسه الأول- قرية البروة المهجرة حاليا من أهلها. في مجموعته الأخيرة "ثلاثة أيام" الصادرة عام 2012، يتألق زكي في روحه الساردة ويكتب قصصًا لاقت شيئًا من الحفاوة أمكنها ان تدخله إلى ديوان النثر الفلسطيني بجدار واستحقاق. لن أقدّم المزيد من المعلومات عن زكي وانتاجه الادبي الغني الثرّ. وأكتفي بهذه الرؤية الخاصة له ولإنتاجه الادبي، تاركًا الرغبة لمن يود ويريد امكانية الإبحار في عباب الشبكة العنكبوتية.. ففيها ما يكفّي ويوفي.. وإن كان لا يعني الشهرة الحافزة على قراءة هذا الكاتب الهام أطال الله في عمرة.
نديم حسين- شقيق الشاعر سميح القاسم
من مواليد قرية الرامة قبل اثنين وسبعين عامًا. ربطتني به علاقة ومودّة منذ سنوات بعيدة. كتب وأنتج الكثير في مجالي الشعر والنثر، وكان مثقفًا واسع الاطلاع، وكنت في كلّ لقاء لي به أزداد احترامًا وتقديرًا له ولثقافته الأدبية الواسعة، علمًا أنه درس اللاهوت والطب وعمل سحابة عمره طبيبًا. أمضى المرحوم نديم حسين – رحل عن عالمنا العام الماضي 2022 عن عمر ناهز الواحدة والسبعين عاما، سحابة طاغية من عمره وهو يكتب ويجوّد، ويشعر أنه ما زال هناك متسع، وكنت أرى إلى لهفته الأدبية خلال لقاءاتي به في مكاتب صحيفة الاخبار النصراوية بحضور صاحبها ومحرّرها الكاتب الصديق محمود أبو رجب أمده الله بالعافية ومنّ عليه بالصحة. تمكن نديم من فنّ القول الشعري تمكنًا حقيقيًا ووشت لقاءته في سنواته الأخيرة مع الإعلامي الصديق المحترم رشيد خير- عبر منصته الفيسبوكية، عن ثقافة وعلم غزير، دلّ فيما دلّ على أنه عمل على تثقيف نفسه طوال الوقت وأشير فيما يلي إلى عدد من مؤلفاته، ضمن رغبة جامحة في إنصافه وإعادة الاعتبار له، فنجمٌ لا يلغي نجمًا وإنما يؤكد حضوره كما تقول الحقائق المتعمّقة في الوعي والحضور الانساني.
أحمد حسين- شقيق الشاعر راشد حسين
ولد هذا الكاتب الشاعر في مدينة حيفا عام 1939، وأقام جُلّ حياته حتى يومه الأخير، في قرة مصمص (صادفت ذكرى رحيله السادسة يوم الأربعاء من اب الجاري، علما انه رحل بتاريخ 23-8-2017. عمل نحو الثلاثة عقود في سلك التعليم، وكان هاجسه اليومي هو الكتابة والابداع كما لمست هذا، في لقاءاتي المتباعدة به، تلك اللقاءات الجازمة بأن الابداع هو هاجسه الرئيسي. كما لمسته في كتابات له أعتبرها بالضبط كما اعتبرها آخرون، منهم المرحوم الشاعر الاب في شعرنا الفلسطيني في البلاد حنا أبو حنا- من عيون الابداع الأدبي في بلادنا. تألق أحمد حسين في مجموعة قصصية حملت عنوان "الوجه والعجيزة". صدرت ضمن منشورات الصوت الثقافية النصراوية عام 1979، أعقبها بملحمة شعرية ساحرة حملها عنوان الربّة الكنعانية القديمة "عنات" واعقبه بعنوان فرعي هو- "او سفر الخروج من الزمن الهجري". وكان ذلك عام 1983، أما في مجموعته القصصية الآسرة تلك فقد صال وجال في الذاكرة الفلسطينية الأدبية، متنقلاً بمخيال خصب نادر بين أروقتها ودهاليزها، وباعثًا في قصصه وسرّدياته ذاتها روح الابداع الذي لا يتوفّر إلا لمن عاش هواجسه طوال أيام وعيه ولياليه. فيما يتعلق بملحمته الشعرية المذكورة استعار قناع الاسطورة ليوجّه نقداته الواعية العميقة، لتصويب المسيرة الثقافية لأبناء شعبنا وكأنما هو يريد أن يقول لنا لقد كنّا أبناء ثقافات رحبة واسعة فأين نحن منها. وواضح من هذا أنه أراد بنقده هذا تصويب تلك المسيرة جريًا على نهج أبي الطيّب المتنبي- شاعر العرب بإجماع الأكثرية وهو "يا امة ضحكت من جهلها الأمم".
موجز القول: صحيح أن لكلّ من الأشقاء المشهورين مكانته ومكانه الذي تسنمه عن جدارة واستحقاق، زائد أمور جانبية تمثّلت في ظروف مناسبة كما رأى الشاعر المغربي المبدع منصف الوهايبي في مقالة جيدة جدًا عن الشاعر محمود درويش نشرها قبل فترة في صحفة القدس العربي. وامور أخرى تعلقت بالظرف السياسي ودار النشر التي اهتمت وأصدرت. غير أن الحقيقة يُفترض أن تُرى كالشمس حين تحجبها السحب الكثيفة، فالعالم يتّسع لكلّ مبدع حقيقي، ولا يتوقّف على عدد من الأسماء المحظوظة لهذا السبب أو ذاك، وهذا لا يعني بالحتم انها غير جديرة.