الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 19 / سبتمبر 22:02

تصعيد عسكري واسع النطاق في القطاع وجمود استراتيجي في الجبهات الاخرى

خالد خليفة
نُشر: 31/08/24 13:20,  حُتلن: 18:29

في الوقت الذي تتسع فيه قواعد الاشتباك بين إسرائيل وخمس جبهات عربية، بات من الواضح انها اختارت تصعيدا واسع النطاق أيضًا، على ساحة الضفة الغربية وخاصة في مخيمات جنين، نور الشمس، طولكرم والفرعة، هذا ومن الواضح للعيان أن إسرائيل جلبت قوات ضخمة وكبيرة، ولا نعلم إذا كان ذلك من قواتها في جبهة قطاع غزة، ام من قوات الاحتياط والذي يمكن ان تقدر هذه القوات بأكثر من 30 ألف جندي زجت الى الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من القوات الضخمة، فإن إسرائيل ينقصها القوات والجنود والعتاد لتلك المواجهة، كونها تستعمل في هذه المواجهة أمورا لا إنسانية تتمثّل بقصف جوي بالطائرات، على مناطق سكنية تحت سيادتها منذ أكثر من خمسين عاما لم تكن تستعملها في الماضي، حيث انها بدأت تقصف مخيمات ومناطق سكنية ومركبات بحجة استهداف مقاتلين فلسطينيين بهذه المخيمات كأبو شجاع ووسام حازم وآخرين.

وبدأت أيضا باستخدام الاقتحامات داخل مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان، وتدمير البنية التحتية هناك بدبابات ومعدات عسكرية ثقيلة، وفي نفس الوقت فإنها تقوم بقطع المياه والكهرباء عن هذه المناطق السكنية بنفس الشكل الذي قامت به في قطاع غزة قبل الغزو، إضافة إلى ذلك فإنها تقوم بأمور منافية للقانون الدولي في عصر الحروب وهو محاصرة المستشفيات في هذه المخيمات والمدن الفلسطينية بحجة منع المقاتلين من الهروب والعلاج فيها.

وكان يسرائيل كاتثس وزير الخارجية الإسرائيلي، الذي يدير معركة إعلامية من قبل إسرائيل ضد محكمة العدل الدولية التي تتهمه هو ونتنياهو وغالن، بجرائم حرب قد قال إنه يمكن لإسرائيل ان تقوم بعملية اخلاء سكاني في هذه المخيمات، وقد هاجمه جوزيف بوريل رئيس الاتحاد الأوروبي واستنكر تصريحاته هذه علنا، الامر الذي اغضب كاتش، ويدل ذلك على الضعف والوهن السياسي للقيادة الإسرائيلية التي لا تملك الحلول السياسية، لحل المشاكل المستعصية بالضفة الغربية وأيضا قطاع غزة والجبهة اللبنانية، سوى القول بان هذه المقاومة ضد الاحتلال هي مقاومة مخربين، وان هذه المنطقة من فلسطين تسمى يهودا والسامرة، إضافة إلى أن هذه الانتفاضة أيضًا، تتمركز في شمال السامرة ومخيمات طولكرم، وهذا ما يركز عليه الاعلام الصهيوني الممنهج.

في نفس الوقت فإن القيادة الإسرائيلية تستعمل كل الخطوات العسكرية الممنوعة دوليا في مناطق الاحتلال، كالقصف والحصار والتجويع والاقتحامات، فإنها لا تعترف ولا تتهم نفسها بما يجري الآن على ساحة الضفة الغربية بالتصعيد واشتعال الاحداث هناك، ويقول آفي دختر، وزير الزراعة الحالي، الذي شغل منصب رئيس الشاباك عام 2002 عند نشوب انتفاضة الأقصى في الضفة الغربية، التي سُميت بعملية السور الواقي،  إنه على إسرائيل ان تستعد لهذه المواجهة وتصعد من هجومها، بحيث تستهدف مناطق المقاومة في الضفة الغربية، تماما كما يحدث في غزة الآن على عكس ما يحدث في الجبهة اللبنانية التي تملك غطاءً خلفيًا داعمًا لها، في سوريا والعراق وايران، اما الضفة الغربية لا تملك مثل هذا الغطاء الداعم وعليها استغلال الفرصة الآن لضرب هذه المقاومة اقوال دختر.

كما مدح دختر يسرائيل الكتثس قائلًا إنه محارب مظليي يفهم ما يقوله عندما ينادي بأخلاء السكان في الضفة، ويمكننا القول إن اشتعال وتصعيد الوضع في الضفة الغربية، جاء نتيجة لممارسات إسرائيل التي أغلقت هذه المناطق بالكامل ومنعت أكثر من 250 الف عامل فلسطيني من العمل داخل البلاد، الامر الذي أدى إلى ازمة اقتصادية خانقة ومجاعة بحيث لا يملك سكانها الحلول للعيش بكرامة، وشددت السيطرة والمراقبة الأمنية على القرى والمدن الفلسطينية هناك، وفي نفس الوقت دعم الجيش المستوطنين في مناطق الضفة الغربية المختلفة، بعد استقالة الجنرال يهودا فوكس، من قيادة المنطقة الوسطى وانتقاداته القوية لأعمال المستوطنين هناك، حيث بات من المؤكد أن هؤلاء المستوطنين، يملكون اليد الحرة للهجوم على المواطنين الفلسطينيين، بدعم وغطاء من الجيش.. انظر الى ما حدث في بيت لحم وقرية الجين.

ويعتبر الوزير  فصلأيل سموترش وزير المالية الإسرائيلي، الحاكم الفعلي للضفة الغربية، وهو الداعم الأساسي والمركزي للمستوطنين هناك ويسعى بشكل متواصل، الى تدمير السلطة الفلسطينية كوادرها ومؤسساتها وهيكلها السياسي، وفي نفس الوقت يمنع الدعم المالي الذي يسمى بالمقاصة التي يبلغ أكثر من واحد ونصف مليار شاقل في الشهر، من الوصول الى ميزانية السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة أبو مازن، الامر الذي كان يمكن ان يحسّن وضع المواطنين الاقتصادي هناك، لكن واقع الامر هو منع العمال الفلسطينيين من الدخول والعمل في إسرائيل وعدم اعطائهم تصاريح، واتهامهم المتواصل بانهم يدخلون الى البلاد بشكل غير قانوني اضعف كثيرًا البنية الاقتصادية الفلسطينية في الضفة بقرار إسرائيلي.

وتعتبر الضربات الإسرائيلية على تلك المخيمات الأقسى منذ احتلال عام 1967، لكن أريئيل شارون كان قد بدأ أيضا، هو حملة عسكرية ضخمة ضد المواطنين الفلسطينيين في عام 2002 واستهدف القرى والمدن الفلسطينية أيضا، بالدبابات والمدرعات الإسرائيلية وقد قتل منذ تلك الانتفاضة الاف الفلسطينيين في هذه المناطق.

اما السؤال الذي يُسأل فهو الهدف من هذا التصعيد في الضفة الغربية في نفس الوقت الذي تتشابك فيه الجبهات الخمس الأخرى في قطاع غزة لبنان اليمن والعراق، ويقول العديد من المحللين الإعلاميين والعسكريين الإسرائيليين، إنه على إسرائيل ان توقع صفقة مع الجانب الفلسطيني في قطاع غزة وتنسحب من هذه المناطق، كي تجنب الجيش المزيد من الخسائر، وتستذكر نائبة رئيس مجلس الأمن القومي السابقة ايتي لانكري، ان الجيش الإسرائيلي يواجه جمودا استراتيجيا في الجبهة اللبنانية وفي جبهة القطاع، لذا عليه الإسراع بالتوقيع على صفقة تؤمن له الانسحاب من غزة، كونه لا يستطيع الاستمرار في معارك في عدة جبهات وبشكل متواصل، ويكفي ان يعلن النصر هناك، لان استمرار المعركة في هذه الجبهات سوف يؤدي حتمًا إلى خسارة الجيش وإلى جمود استراتيجي على كل الجبهات من حيث تحقيق الأهداف.

وتضيف انه في حالة التوقيع على صفقة ووقف الحرب في غزة، فإن الجبهة اللبنانية ستتوقف أيضا عسكريا، لان الجيش الإسرائيلي قد خسر الكثير، ومن المفضل ألا يستمر في هذه المهمات الخاسرة التي لا تحقق أمرًا استراتيجيًا.

اما الجنرال السابق إسحاق ابريك، فيقول إن نتنياهو قال له في اجتماع معه قبل أشهر، بان محور فالدلفي غير مهم من الناحية الاستراتيجية لإسرائيل، وهو يقترح ان تتوقف الحرب وتعلن إسرائيل عن انسحابها من غزة، ويضيف ابريك قائلًا إنه بات من المؤكد اننا خسرنا الحرب في قطاع غزة، والاستمرار في الحرب سوف يؤكد ويعزّز هذه الخسارة وللحفاظ على سمعتنا 

الدولية، وعدم الانهيار الاجتماعي والاقتصادي وتكامل الجيش، من المفضل ان تتوقف هذه الحرب.

وهنالك محللون آخرون لا يجهرون بتحليلاتهم على الساحة الإسرائيلية، يقولون إن فتح جبهات إضافية، خاصة في الضفة الغربية ضد مواطنين عزل في مخيمات اللاجئين، يأتي في إطار رفع المعنويات وصرف  الأنظار عن هذه الخسارة العسكرية المدوّية في غزة ولبنان التي تجتاح مركبات وقطاعات الجيش الإسرائيلي في الجبهتين الشمالية والجنوبية، والتي بات من المؤكد انه لا يحقق أي انجاز استراتيجي، لا على المدى البعيد ولا على المدى القريب، بل يحقق ما تتوقعه ايتي لانكري فيما يتعلق بتبلور الجمود الاستراتيجي المتواصل، الذي أصاب الهرم القيادي في الجيش واضعفه امام الجهاز السياسي وامام نتنياهو.

مهما يكن، فان استمرار الهجوم على المدنيين في الضفة الغربية، والقتل اليومي بالعشرات يمكن ان يؤخذ من هذا المنبر، وبالتالي سوف يقضي على أي إمكانية لتعاون مستقبلي مع السلطة الفلسطينية، وأيضا اتجاه أي تسوية سياسية شاملة في المنطقة، بل يكره سياسة إسرائيل في فرض سيطرة مطلقه على المناطق الفلسطينية، بواسطة بناء غيتوات غير متواصلة في قطاع غزة والضفة الغربية، شبيهة بسياسة الابارتهايد في جنوب افريقيا إبّان الثمانينات.

مقالات متعلقة