يبدو أن هناك خلافًا وعدم توافق قوي داخل المجتمع الإسرائيلي بكل ما يتعلق في النقاط والتحديات العالقة التي تواجه، حكومة نتنياهو وإسرائيل بشكل عام في هذه الحقبة من الحرب على غزة، على الرغم من أن نتنياهو لا يُدلي الكثير من تصريحاته للأعلام الإسرائيلي، بل يركّز بالأساس على الاعلام الأمريكي المحافظ واليميني هناك، وفي أحد تصريحاته الأخيرة بالعبرية وقبل يومين قالها وبشكل واضح، إن حماس استطاعت خلق شرخ وخلاف داخل المجتمع الإسرائيلي. وهذا هو ما يذكره رئيس الوزراء بكلّ ما يتعلّق بشرح وتفسير المعارضة الشرسة لسياسة حكومته المتعلقة بالاستمرار في الحرب على غزة وعلى كافة الجبهات، التي لم تحقّق حتى أي انجاز عسكري واستراتيجي يُذكر، بل جلبت البلاء والخسائر الفادحة بالأرواح والعتاد لإسرائيل بعد أحد عشر شهرا من هذا الحرب، كما أن الخلاف مع الجهاز العسكري، الذي يقول له كفى فنحن لا نستطيع الاستمرار في هذه الحرب غير المفهومة والواضحة أهدافها.
إضافة إلى جمهور إسرائيلي واسع من معارضي الانقلاب القضائي الذي يخطّط له هو وحلفاؤه في الليكود، ومناوئوه بالرأي العام الإسرائيلي الذين يطالبونه بأبرام صفقة مع يحيى السنوار من أجل تحرير الرهائن الإسرائيليين 101 المحتجزين في غزة.
وإذا حاولنا تحليل هذا الواقع الإسرائيلي المتعلّق بنتانياهو وسياسته، يمكننا القول إنه سياسي متطرّف بأفكار غير واقعية وصعبة المنال، يحيط به حلفاء له في الحكومة متطرفون ومهووسون أكثر منه بكثير، كسموط ريتش وبن غفير وديختير يسرائيل الكتث وهانقبي وغيرهم. في مطلع الثمينينات كنت طالبًا في قسم العلوم السياسة والعلاقات الدولية في الجامعة العبرية، وكان ساحي هانقبي رئيس مجلس الأمن القومي الحالي بحكومة نتنياهو ويسرائيل الكتث وزير الخارجية الحالي، من الزملاء الذين درسوا في نفس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية هناك، حيث ركز هذان الاثنان جلّ نضالاتهم ضد الطلاب العرب، الذين بدأوا آنذاك ينظمون أنفسهم من ناحية سياسية لمواجهة سياسية الجامعة العنصرية، وكان الاثنان قد انهيا الخدمة العسكرية وشاركا في سياسة المعارضة القاسية والمواجه القوية ضد حكومة مناحيم بيجن آنذاك، حيث حاولا التصدي لخطواته المتعلّقة باتفاقية كامب ديفيد والانسحاب من سيناء آنذاك، وقد استطاعا آنذاك توحيد مستوطني ياميد التي أقيمت كمستوطنة اسرائيلية في شبه جزيرة سيناء بالقرب من سواحل غزة، لمنع اخلائها وعدم ابرام اتفاقية كام ديفيد وحاولوا مع هؤلاء المستوطنين العمل على منع اخلاء هذه المستوطنة .
وكما يعلم الجميع فإن الضغوط الامريكية والوعود بمساعدات ضخمة، أدت في نهاية الامر، إلى الانسحاب من سيناء وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وبعد أن وُقّعت هذه الاتفاقية، جاء هذان الاثنان كاتث وهانقبي إلى الجامعة العبرية للاستمرار في نضالاتهما ضد الطلاب العرب وبعد مدّة قصيرة لم تتجاوز سنوات قليلة، انضما الى الليكود وتعاضدا مع بنيامين نتنياهو الذي أتى من نيويورك، حيث شغل مندوب لإسرائيل في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الوقت لم يفارقاه سياسيًا، ثم انضما إلى حزب الليكود واصبحا نوّابًا هناك وما زالا يؤمنان بنفس الأفكار التي كانا يؤمنان بها منذ أواخر السبعينات، أي بأرض إسرائيل الكبرى، وأن الفلسطينيين لا يستحقون اي حقوق، وما يمكن الحصول عليه هو حكم ذاتي، تمامًا كالحكم الذاتي الذي وقع في أوسلو عام 1993 ويشاركهما نتنياهو بذلك.
وخلال زمن طويل يمكن القول إن نتنياهو اعتبر ذكيًا، حيث أنه لم يدلِ بشكل واضح بأفكاره المتعلّقة بأرض إسرائيل الكبرى والسيطرة عليها، وعلى الرغم من انه يحكم إسرائيل منذ أكثر من 20 عامًا، فإنه يخفي آراءه ولا يبيّنها على الملأ بشكل قاطع، لأنه مارس العلم السياسي في الولايات المتحدة وهناك في نيويورك يديرون السياسة بشكل مختلف عما يدلون ويصرحون بها هنا.
في مقابلة فريدة من نوعها مع عيدو نتنياهو الأخ الأصغر لبنيامين نتنياهو، الذي يشبهه بنفس الصوت والفكر، وفي مقابلة بُثت في الثامن من سبتمبر/ ايلول 2024 في قناة موري شيت الإسرائيلية، يسخر شقيقُه من عشرات آلاف المحتجين والجهاز العسكري في إسرائيل، خاصه من قياده الشاباك وقيادة الأركان الذين، برأيه لا يملكون رؤية بعيدة المدى، كما يملكها أخوه بنيامين نتنياهو، ويضيف أيضًا أن نتنياهو يفكّر كثيرًا بالرهائن وتخليصهم، لكن ذلك يعتبر هدفًا قصيرَ الأمد، أما القضاء على حماس وتحقيق النصر ضد هذه الحركة، فهو الهدف بعيد المدى بحسب استراتيجيته، الامر الذي يشرح عدم اهتمامه بعملية تبادل الرهائن الإسرائيليين مع حركة حماس .
وبمعنى آخر فإذا حاولنا شرح سياسة نتنياهو الحالية بحسب اقوال أخيه، فإن نتنياهو يسخر أيضًا، من الاحتجاجات اليومية ضد سياستيه المطالبة بإطلاق سراح المختطفين والتوقيع على صفقة مع حماس، كما أنه في نفس الوقت، لا يعير الجهاز العسكري أي اهتمام، وينظر إليه بان عليه الامتثال لأوامر الجهاز السياسي الذي يقوده هو، ويتهم هذا الجهاز العسكري بأن نظرته قصيرة المدى وليست استراتيجية وبعيدة المدى، وهذا هو الأمر الذي يشرح عمّق الخلاف بين الجهازين السياسي والعسكري، كما يشرح استمرار وطول هذه الحرب، على غزة لعدم إيجاد اتفاق على أهدافها.
فاذا اخذنا في الحسبان مساحه غزة التي تبلغ أقل من 260 كيلومترًا مربعًا، فعلى مدى أحد عشر شهرًا، لم تستطع إسرائيل السيطرة المُطلقة عليها، ويستمر الجهاز السياسي في نفس الوقت، بإيجاد خطط وأعذار مختلفة، لعدم قدرته في تحقيق أهدافه كقرار في التواجد عسكري في محور فالدلفي، أو محاولة السيطرة على شمال غزة، بحسب خطة مجموعه الجنرالات الأمنيين، التي سميت بخطة قيروايلين، حيث تنادي هذه الخطة بإخلاء أكثر من 350 الف فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه والسيطرة على ممر نتسارين، والدخول إلى هذه المناطق الفارغة سكانيًا للقضاء على ما تبقّى مِن قوات حماس هناك. مهما يكن فيمكننا القول إنه بعد أحد عشر شهرًا، ما زال ناتنياهو وحلفاؤه يتخبّطون بالطريق الذي عليهم نهجها عسكريًا وسياسيًا، ولم يحققوا حتى يومنا هذا، أهدافهم التي وضعوها نُصب أعينهم للقضاء والسيطرة الأمنية المطلقة على غزة وأيضًا في مواجه حزب الله وفي نفس الوقت أيضًا.
فإنهم لم يحققوا أي إنجاز عسكري ممكن في الضفة الغربية، حيث بدأوا يواجهون انتفاضه ثالثة هناك، ولماذا ذلك لان حلفاء نتنياهو كبن غفير وآخرين، يريدون استغلال ما يحدث في غزة وفرض حالة من الفوضى في الضفة الغربية تسمح للمواطنين والجيش، بضرب المواطنين والسكان بيد من حديد، وتهجريهم من بيوتهم، وهذا ما يريده هناك أيضًا حلفاء نتنياهو، لكنه يعطي انطباعًا بأنه لا يعلم الكثير عمّا يجري هناك، حيث أن استمرار هذه المواجهة والمراوحة على كل الجبهات شمالا وجنوبا سوف، تؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية مؤكدة على كل الجبهات، يمكن أن إسرائيل ستكون غير قادرة على مواجهتها في المنظور القريب.. وهذا ما يؤكده الكثير من خبرائها وإعلاميها.