الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 21 / نوفمبر 23:02

هاريتس وترامب وأبعاد مستقبلية للسياسة الأميركية

خالد خليفة
نُشر: 16/09/24 09:33,  حُتلن: 14:13

لقد فاز دونالد ترامب بالضربة القاضية على منافسه جو بايدن في المناظرة الأخيرة في شهر تموز الماضي، وكانت هذه الضربة قوية وحاسمة بحيث أردته على الأرض بدون أي حركة، وكان مِن المؤكد أنه سيصبح الرئيس المُقبل للولايات المتحدة في انتخابات نوفمبر القادم، لكن شاءت الاقدار بما لا تشتهيه السفن أن تكون هذه الضربة كافية، لأن يقوم الحزب الديمقراطي وأوساط واسعه ومؤيدة له، بالضغط على بايدن والإطاحة به مرشحًا عن الحزب وانتخاب كاملة هاريتس نائبة الرئيس، مرشحةً عن الحزب الديمقراطي، بدلا منه ومنافسة لدونالد ترامب، وهذا ما كان.

وتسارعت الاحداث والظروف المتعلقة بالمعركة الانتخابية بين الطرفين لان تكون المناظرة الأولى بين الطرفين في الحادي عشر من سبتمبر من هذا الشهر، وتوقّع الكثيرون أن يقوم دونالد ترامب بسحق منافسته كاميلا هاريتس، لكن هذا ما لم يكن وقد فاجأت الرأي العام الأمريكي في مناظرة، اثبتت قوّتها وجدارتها أمامه وكانت قوية حازمة، ووجّهت له عدة ضربات إعلامية، اظهرته بالفعل على حقيقته إنسانًا منفعلًا وغاضبًا، وينظر بعنصرية وباحتقار إلى الآخرين، إضافة إلى أنه شخصٌ مسنٌ وغير متزن في بعض الأحيان، حيث يبلغ من العمر 79 عامًا وفي حالة تم انتخابه فسوف يكون في مطلع الثمانينيات تمامًا كالانتقادات التي وجهت إلى الرئيس جو بايدن، والتي أطاحت به في النهاية مرشحًا في الحزب الديموقراطي.

لقد كشفت كاميلا هاريتس التي لم تكن فائقة الذكاء، لكن بتعليم وتخطيط وتحضير كافيين من المفكرين والاستراتيجيين لمعركتها الانتخابية لهذا المؤتمر الإعلامي بكل ما يتعلّق في مواجهة دونالد ترامب حقيقته وجوهره، كما وجهت له العديد من الضربات التي أدت به إلى الهجوم المفاجئ وكشفت في نهاية الامر، عن مفهوم أفكاره الحقيقة والعنصرية، وقد ركز دونالد ترامب في هجومه هذا، على المهاجرين الذين يأتون إلى الولايات المتحدة على الأغلب من المكسيك ودول أخرى من اميركا اللاتينية، بحيث يدعي أنهم يشكّلون خطرًا على المجتمع الأمريكي، وعلى سكان الولايات المتحدة، وبانهم أناس غير حضاريين يأكلون الحيوانات البيتية كالكلاب والقطط لأبناء المجتمع الأمريكي، وبينت هذه الأفكار عمق عنصريته وكراهيتيه واستهتاره بالمهاجريين والأجانب، كما انه لم يدلِ بأي شيء، في كل ما يتعلّق بأفكار اقتصادية لإصلاح الضائقة الاقتصادية وتضخم المالي وغلاء المعيشة الذي تعيشه الولايات المتحدة.

وبالفعل فإن أميركا تمر بأوضاع اقتصادية صعبة للغاية تضرُّ بالأساس بالمواطن الأمريكي العادي، ولم يحضر دونالد ترامب الحلول والأفكار في هذه المناظرة التي يمكن ان تخرج هذا المجتمع من ورطته، وعلى الرغم من أن كاميلا هاريتس أيضًا، لم تأتِ بحلول اقتصادية جدية، يمكن أن تجلب المجتمع الأمريكي إلى دار الأمان بل اقترحت اقتراحات متواضعة وبدائية لحلول اقتصادية, كإعطاء دعم حكومي للطبقة المتوسطة تتمثل بمساعدات، يمكن ان تصل ما بين 20 الى 50 الف دولار لكلّ شخص من هذه الطبقة، ويمكن القول إن نائبة الرئيس كاميلا هاريتس أيضًا، لم تأتِ بحلول جدرية للاقتصاد والسياسة الامريكية، وفي حال انتخبت فسوف تكون رئيسة ضعيفة تحكم من قبل المستشارين في البيت الأبيض مستقبلًا. 

كما أن دونالد ترامب كشف عن نفسه وأفكاره بكلّ ما يتعلّق بعدائه للإجهاض وحرية المراءة في الولايات المتحدة، والتي تبنتها هاريتس كأحد افكارها اللبرالية، لكن ترامب لم يعر اهتماما بذلك بل ركّز داخليًا على قضايا الهجرة من امريكا اللاتينية والوضع الاقتصادي، الذي لم يستطع الصاق التهمة لها بكلّ ما يتعلّق بالتدهور الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة، وبان إدارتها الحالية هي المسؤولة عن ذلك، لكنه ركّز أيضًا، وعلى مدى عدة مرات خلال المناظرة، بقوله ماذا فعلت خلال السنوات الثلاثة والنصف الأخيرة من توليك منصب نائبة رئيس جو بايدن.

ويجدر بالذكر أن دونالد ترامب وفي تلخيصه لهذه المناظرة، كشف العديد من أفكاره التي لا يدلي بها عادة، فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث اتهم إدارة جو بايدن ونائبته كاميلا هاريتس، بانها المسؤولة عما يجري بالحرب في أوكرانيا وتدهور العلاقة مع روسيا وما يجري في الشرق الأوسط والحرب على غزة، حيث اتهمها بأن هذه الإدارة لا تساعد إسرائيل بالشكل الكافي، واتهم هاريتس أيضًا، بكل ما يتعلّق بالانسحاب الكبير وواسع النطاق من أفغانستان. 

ويمكن القول إنه في هذا التلخيص قالها وبشكل واضح، وهو أن اميركا لا تملك رؤية وسياسة استراتيجية  واضحة المعالم، وانها تقطع علاقاتها مع العديد من الدول، وبأنها لا تملك قيادة حقيقية تؤثر على مجريات الأمور، وما يجري في العالم لا علاقة له بالسياسة والتحولات الامريكية الجارية، وبمعنى اخر وواضح فإنه يقول بان روسيا التي تملك أسلحة نووية واذا استمر الوضع في هذا الحال، فان حربًا عالمية ثالثة يمكن ان تنشب قريبا، وأضاف بانه يملك العصا السحرية لإيقاف الحرب مع روسيا في أوكرانيا، وإيقاف الحرب في إسرائيل، وانه حان الوقت لان يكون رئيسا.

واذا كنا قد التقطتنا اقوال دونالد ترامب هذه، التي استطاعت كاميلا هاريتس ان تغضبه وتدعه يصرّح بما صرح، فان مثل هذه الاقوال تدل في الواقع على السياسة الامريكية الحالية في الشرق الأوسط، بحيث يمكن اتهام الولايات المتحدة بانها تقوم بأرسال كميات هائلة من الذخيرة السلاح الى أوكرانيا، من اجل توريطها في حرب لا نهاية لها مع روسيا، واذا استمرت سياسة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا في نفس النهج، فان هذا الواقع سيدخل البلدين في حرب لا نهاية لها، يمكن ان تكون مدتها عشرة أو خمسة عشر عاما، الامر الذي يؤدي في النهاية إلى اضعاف موسكو ويمكن ان تكون ذلك هي الاستراتيجية وراء هذا الدعم وليست إيجاد الحلول السياسية الدولية والاستقلال لأوكرانيا وتحريرها من الاحتلال الروسي، إضافة الى ان هناك تكهّنات بان الدولة العميقة التي لا يحكمها الرئيس الأمريكي والمتمثلة مثلًا بال C.I.A والمخابرات العسكرية، يمكن ان تكون معنيه في هذا السيناريو من اجل تمديد زمن الحرب بين هاتين الدولتين.

 اما ما قاله دونالد ترامب من انه يملك علاقات الصداقة والحوار مع الرئيس بوتين والتأثير على الجانب الأوكراني، بصفته الداعم لهذه الدولة من اجل إيقاف الحرب، فإنه يقول في هذه المناظرة وقبل أن ينتخب رئيسًا بانه يستطيع التكلم والتحادث بشكل مباشر مه بوتين الذي يملك سلاحا نوويًا، من اجل إيقاف الحرب تمامًا كما حاور في الماضي حركة طالبان وادى الى إيقاف الحرب، ويستطيع في نفس الوقت، التأثير على وقف الحرب في قطاع غزة أيضًا، لأن هذه الحرب طويلة ومكلفة وايقافها يمكن ان يؤدي الى الحفاظ على أمن إسرائيل، على عكس كاميلا هاريتس، التي لا تفقه الأمور ودعمها لاستمرار الحرب، سوف يؤدي بالتالي الى تدمير إسرائيل.

ويمكن الاستنتاج أيضا بان هذه الإدارة الامريكية الحالية او المنتخبة مستقبلا، اذا كانت جمهورية ام ديموقراطية سوف تستمر في دعم إسرائيل عسكريا وماليا وتعطيها الحرية في الاستمرار في حربها وتدميرها للشعب الفلسطيني وتستمر أيضا بدعم أوكرانيا في حرب ضد روسيا، بحيث ان أي إدارة تنتخب لا يهمها الكثير بإيقاف الحروب وما يهمها هو استمرار النزاعات الإقليمية والدولية، لان الولايات المتحدة في الواقع، فقدت تأثيرها وقوتها السياسية في ميزان القوى والعلاقات الدولية، ومن الأفضل اذا كان للجمهوريين بقيادة دونالد ترامب، او الديموقراطيين بقيادة كاميلا هاريتس، ان تستمر هذه النزاعات المختلفة وان يأخذ الرأي العام الأمريكي والدولي الانطباع،  بان الولايات المتحدة ما زالت الدولة العظمى في النظام الدولي الحالي.

مقالات متعلقة