الأمة العربية تعاني من أزمة فكرية طاحنة أودت بها إلى التقهقر الى الوراء ولم تستطع التغلب على تأخرها بل أمعنت في هزيمة ذاتها بخوضها الحروب الاهلية المدمرة للاوطان وتشتيت شعوبها، وهذه الحروب خلقت الأزمة التي تعددت معضلاتها وأشكالها حتى أوصلت الأمة العربية إلى طريق مسدود.
والدول العربية موجودة اليوم في أزمة خانقة وانحطاط لم يسبق له مثيل على مر التاريخ من شأنه ان يقتلعها من أركانها لكون المرجعية الثقافية التي يستند عليها العرب تعتمد في وجودها على الماضي، والماضي لم يكن تاريخا زاهرا ويفتخر به لانه كان مليئا بالحروبات والقتل والانقسامات التي لا زال تأثيرها حتى يومنا هذا، أضف الى ذلك الانقسام بين السنة والشيعة الذي زاد الطين بله.
فمنذ ان قسم الاستعمار الوطن العربي الى دويلات بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية سنة 1914 واتفاقية سايكس--بيكو سنة 1916 وتنصيب انظمة عشائرية على هذه الدويلات المصطنعة ليسهل السيطرة عليهم، رفضت هذه الانظمة الفاسدة التمدن وتطوير شعوبها واهتمت فقط بتثبيت عروشها واعتبار ثروة البلاد ثروة خاصة بهم وحرمت شعوبها من هذه الثروة مرتضية لنفسها نهجا رافضا لكل ما يصل إلى الحياة العامة من تمدن وتقدم كون ذلك التمدن لم يكن عليه السلف الصالح، وكانت أبرز ما حملته هذه الانظمة العشائرية التقليل من اهمية التعليم ومناهجه، كون التعليم يمثل الوعاء الذي ينقل العلوم الغربية إلى المجتمعات العربية من اجل تخريبها مع يقين أن هذه الأنظمة تنفذ سياسة غربية، وان المعضلة هي سعي هذه الأنظمة إلى تمثيل العهود السابقة في كل شيء.. ولأن كل زمن يريد ما يلائمه من تقدم استعصى حل المعادلة وبقيت الأوضاع الاجتماعية جامده تجتر تاريخها الماضي وحمل الناس على العودة للخلف، مع المحافظة على عدم الانغماس والانفتاح مع مجتمعات أخرى متقدمة في الحياة الدنيا، وصيانة كينونتهم ومنع الذوبان في الآخر.
هذه الانظمة هي الداء في الجسم العربي التي ترفض روح العصر والانفتاح والتقدم لتبقى الشعوب جاهله وتنفذ اوامر هذه الانظمة لكي لا تثور الشعوب ضدهم.