الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 31 / أكتوبر 15:02

إسرائيل وإيران والمواجهة المرتقبة

خالد خليفة
نُشر: 31/10/24 10:29,  حُتلن: 15:10

لقد بدا واضحا أن الصراع بين إسرائيل وإيران، هو صراع مستمر في الاشتعال والتصعيد على مدى العديد من السنوات، فمن المؤكد ان بنيامين نتنياهو، هو الذي بدأ المواجهة مع ايران،  في أواخر عام 2009 عندما استطاعت الولايات المتحدة القضاء على النظام العراقي، بقيادة الرئيس صدام حسين بعد غزو استمر ست سنوات، كدولة إقليمية قوية ومؤثرة في المنطقة، حيث قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق، تدميره وأضعاف نفوذه وتأثيره في المنطقة، وفي عام 2010 أعلن الرئيس الأمريكي براك أوباما، عن انسحابه من العراق، حيث لم يتم بالكامل حتى يومنا هذا، ومازالت القواعد الامريكية، كقاعدة عين الأسد، مستمرة في العمل والتواجد في بغداد، وهذا الامر من الأمور المثيرة، لدولة عربية تسمح بوجود عسكري امريكي في أراضيها، لدولة قامت بقتل أكثر من نصف مليون عراقي في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة عام 2003 .

ومباشرة بعد نشوب الربيع العربي والانهيارات السياسية في العديد من الدول العربية، كسوريا ومصر ودول أخرى، بدأ يظهر التأثير الإيراني في المنطقة، الذي حظي بدعم شعبي وقوي في العراق، سوريا ولبنان، وحتى في اليمن وفي بعض الأجزاء الشرقية من السعودية، وايزاء هذا النفوذ المتصاعد، فقد أراد نتنياهو إيقافه، بتعاون قوي مع الولايات المتحدة، خاصة مع الإدارات الامريكية الجمهورية المتعاقبة، التي تمثلت بدونالد ترامب، ولاحقا الرئيس الديموقراطي جو بايدن، حيث اقترح نتنياهو إعادة فكرة تطبيق سياسية الاحتواء المزدوج، التي اعتمدت في الثمانينيات من قبل الإدارات الامريكية السابقة، التي بنيت ابّان إدارة الرئيس كلنتون في أواخر عام 1992 والمتمثلة باحتواء الرئيس صدام حسين آنذاك.

ونظام الثورة الإسلامية، بقيادة الامام الخميني آنذاك في ايران، ونفذت هذه السياسة بدقة حتى أواخر التسعينات، لكن نتنياهو بعد عام 2010 وبعد صعود الربيع العربي،  طالب الإدارة الامريكية بصياغتيها من جديد أيضًا ضد النظام الإيراني وبقوة، وقد استطاع نتنياهو اقناع هذه الإدارات الامريكية، باحتواء ايران ومواجهتها، ففي الوقت التي وقعت فيها إدارة أوباما اتفاقية منع انتشار التسلح النووي مع ايران سميت بـ CTO، لكن نتنياهو استطاع لاحقا، اقناع إدارة ترامب بفك الارتباط مع ايران في هذا الاتفاق عام 2019.

وخلال كافة تلك الفترة قام نتنياهو بحملة تحريضية واسعة النطاق ضد ايران في المجتمع الدولي، على انه نظام يتوق الى التسلح النووي ويدير الإرهاب في الشرق الأوسط وخارجه، ويدعم حركتي حزب الله وحماس والحوثيين والحشد الشعبي في العراق، ثم بدأ نتنياهو يتحرك سياسيا في أوساط الادارة الامريكية، خاصة ابان فترة دونالد ترامب، حيث لاقى أذانًا صاغية لدى هذه الإدارة، وبدأ يعد العدة لتحضير اسرائيل والولايات المتحدة، لمواجهة ايران وما ان وقعت اتفاقيات إبراهيم  في عام 2018 التي وجهت بالأساس ضد ايران والقضية الفلسطينية، حتى طلع علينا نتنياهو بان إسرائيل، هي التي ستقود المحور العربي المؤيد للولايات المتحدة، ضد ايران والمكون من دول الخليج والسعودية، بحيث ان هذا المحور، حسب المفهوم الإسرائيلي والامريكي، يهدف بالأساس الى التخلي عن القضية الفلسطينية بالكامل والتحضير لمواجهة ايران وضرب مفاعلاتها النووية .

ومن ثم بدأت هذه المواجهة بين الطرفين، حيث بدأت ايران أيضا تفكر بان إسرائيل هي الخصم الأساسي لمكانتها الإقليمية في المنطقة، الامر الذي زاد من تأييدها ودعمها لحلفائها، في لبنان والعراق واليمن، أما نتنياهو فقد استمر في التحريض على ايران والعمل المستمر، في عدم التفكير في إيجاد أي حل للقضية الفلسطينية، بحيث لم يقترح ولم يوافق على أي حلول ومقترحات دولية للتقدم بكل ما يتعلق بحوار مع الفلسطينيين وحتى اللبنانيين أيضا، الامر الذي زاد من جذوة الصراع  في السنوات الأخيرة، وقد ادى  ذلك دورًا مُهمًا في اشعال جذوة الصراع مع ايران، وزيادة تأثير ونفوذ ايران في المنطقة، على حساب العناد الإسرائيلي، وتنكرها لاي حلول ممكنة، اما الولايات المتحدة فقد استمرت في دعمها لإسرائيل بكل ما يتعلق بإيران ومواضيع مختلفة في الشرق الأوسط، خاصة في حربها الحالية الغاشمة ضد لبنان وقطاع غزة.

ويمكن الجزم بان  الرئيس جو بايدن يعتبر الأكثر صهيونية من كافة رؤساء الولايات المتحدة قاطبة واهم الرؤساء المؤيدين لإسرائيل منذ 50 عامًا، وقد سمى نفسه بانه لو لم يكن صهيونيا فقد اعتنق الصهيونية، وتحيط ادارته مجموعة من موظفي البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الامن القومي المؤيدين تأييدا اعمى ومطلقًا لإسرائيل.

وقد زادت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة والخسائر الفادحة التي اوقعتها بشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والحرب الطاحنة على البنان واغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله، ورئيس حركة حماس يحيى السنوار الى إعادة تجدد وتأطير النفوذ الإيراني في المنطقة، بحيث ان إسرائيل بدأت تتهم ايران بانها هي الدولة التي تدعم المحور اللبناني الفلسطيني الذي يحيط بها، وكانت إسرائيل قد قامت بعدة عمليات ضربت فيها السيادة الإيرانية في عُقر دارها، بحيث اغتالت رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران.

كما اغتالت العديد من المسؤولين الإيرانيين في قلب القنصلية الإيرانية في دمشق، واغتالت السيد حسن نصرالله الحليف الاستراتيجي لإيران في قلب العاصمة بيروت وبعده السنوار في قطاع غزة، الامر الذي حدا بإيران ان تعلن عن نيتها الرد العسكري على إسرائيل انتقاما منها على اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، وقد اعتبرت هذه الازمة السريعة التي نشبت بين الدولتين ازمة على القيم السياسية والاستراتيجية لهذه الدولة، مما أدى الى البدء بالتخطيط لشن هجوم مدمر آخر، بعد هجوم الـ 13 من ابريل/ نيسان الماضي عام 2024 الذي نفذ في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول من هذا العام، بصواريخ باليستية من قلب ايران، إلى قلب إسرائيل على بنى تحتية مدنية وعسكرية في تل ابيب ومدن أخرى.

وقد بدا واضحًا أن الازمة بين الدولتين اخذت تتصاعد وتتفاقم، في ظل استمرار حرب إسرائيل على قطاع غزة، وبعدها على جنوب البنان مع حركة حزب الله، أثر توغلها في الجنوب اللبناني وقصف اهداف مدنية وسكانية في العاصمة بيروت، وقتل العديد من المسؤولين الإيرانيين في لبنان وسوريا.

هذا وبات من الواضح أن إسرائيل، في ظل اشتداد معاركها على الجبهة اللبنانية وقطاع غزة وجبهات أخرى، باتت بالفعل تواجه حركة اسناد قوية للفلسطينيين في قطاع غزة والذي سميت بوحدة الجبهات، والأخطر من ذلك ان تدهورها في حروب في العديد من الجبهات، حرمها من ان تقرر في حسم أي جبهة من الجبهات المختلفة، على الرغم من أن استراتيجياتها مبهمة بكلّ ما يتعلّق في سياستها في قطاع غزة،  حيث لا تملك أي امكانيه للحل وتحرير اسراها والانسحاب من قطاع غزة، او أي حوار مع حماس او مع اخرين، فمن المؤكد أيضًا، انها لا تملك الحلول على الجبهة اللبنانية وفي صراعها مع حزب الله، ومن هنا فقد بات من الصعب ان يرجع السكان الاسرائيليون النازحون الى بيوتهم في شمال البلاد.

لذا يمكن القول إن مُعضلة نتنياهو وأعوانه صعبة المنال وتحقيقها أصبح مستحيلًا في كافة الجبهات، وعناده واصراره على استمرار الحرب، يمكن ان يؤدي إلى استمراراها حتى منتصف العام المقبل، أي إلى نصف عام اخر تغرق إسرائيل والمنطقة في حرب استنزاف شاملة، لكن نتنياهو، لا ينسى في نفس الوقت خياراته الاستراتيجية  ضد ايران وهيمنتها الإقليمية في المنطقة، ويستمر بمعادات ايران والتخطيط لضربها والتي يتهمها بانها هي السبب لكل العواقب الاستراتيجية التي وقعت بها إسرائيل، وبالفعل قام بالتعاون مع الولايات المتحدة وقواعدها في الخليج، بعملية عسكرية ضد اهداف إيرانية قدمت طائراته عبر الأراضي السورية والعراقية وهناك استباحت الأراضي الإيرانية في ليلة السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الاول 2024.

بعد ذلك يحاول نتنياهو طمأنة الرأي العام الإسرائيلي بأنه حقق أهدافه واستطاع تحقيق النصر المؤكد على اعدائه، بحيث انه حسم الجبهتين اللبنانية والفلسطينية وهاجم ايران، لكن واقع الامر يفيد عكس ذلك بحيث ان جيشه غارق في حرب دموية في جنوب البنان، تكبده المئات من القتلى شهريا في حرب استنزاف لا تعرف بدايتها من نهايتها، كذلك الامر ما يحدث في قطاع غزة حيث ان الجيش الإسرائيلي يواجه حربًا شاملة في الشمال والوسط والجنوب، غير قادر على حسم أي منطقة من هذه القطاعات الجغرافية الصغيرة في قطاع غزة هذا وتأكد الامر بان تحقيق أي تسوية على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية بات صعبا وقاسيا.

وتحاول الولايات المتحدة تحقيق بعض الإنجازات، عبر مسارات التفاوض في قطر، لكن دون جدوى وقد وصلت الأمور الى وضع من الصعب الاستهانة به، بحيث تهدد ايران بانه اذا لم تستجب إسرائيل للانسحاب من الجنوب اللبناني ومن غزة، فسوف تقوم بضربها للمرة الثالثة، الامر الذي يؤدي الى حرب استنزاف وهكذا دواليك، ولا نعرف ما إذا كان بالإمكان التوصل الى أي حلول تذكر على المدى القريب، بحيث يمكن ان تستمر هذه الحرب الى نصف عام إضافي أو أكثر.

مقالات متعلقة