الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 21 / نوفمبر 17:02

تغطية الإعلام الإسرائيلي لخسائر الجيش وتأثيراتها الاجتماعية والنفسية  

خالد خليفة
نُشر: 20/11/24 11:12,  حُتلن: 14:46

لا يوجد الكثير من الأبحاث واستطلاعات الرأي عن المجتمع الإسرائيلي وعن تأثير الحرب، التي ما زالت مستمرة ومستعرة بكل قوة منذ أكثر من أربعة عشر شهرًا، على المجتمع وعلى الأفراد، وخاصة على الجنود الإسرائيليين الذين خدموا ويخدمون في هذه المعركة المتعددة الجبهات، سواء أكانوا من جنود الخدمة الإجبارية أو من جنود الاحتياط، علمًا أنّ الإعلام الإسرائيلي يلعب دورًا كبيرًا وفعالا في الدعم النفسي لهؤلاء الجنود الذين يخدمون في الجيش، وتصويرهم وكأنهم يخدمون أمورًا مقدسة! فعلى كل جندي يُقتل تتسابق القنوات الإخبارية الإسرائيلية لتحكي قصته وتجري المقابلات مع عائلته، والده، أمه، شقيقه أو صديقه أو صديقته البعيدة.
يحاول هذا الإعلام أن يُظهر هؤلاء الجنود كجنود مثاليين تتراوح أعمارهم ما بين الـ 19 و21 عامًا، إضافة الى جنود احتياط تصل أعمارهم الى 45 عامًا، ويحرص الإعلاميون الإسرائيليون في القنوات المختلفة للراديو والتلفزيون على إظهار شخصية الجندي الإسرائيلي الذي قتل في نفس اليوم، في قطاع غزة أو جنوب لبنان، على أنه شخصية مثالية فرحة، هوايته الغناء والموسيقى والسياحة والسفر الى الخارج، الى أميركا الجنوبية أو الى آسيا، بعد إنهائه الخدمة العسكرية لتحقيق أحلام الشاب الإسرائيلي النموذجي! كما يُظهر الإعلام أيضًا أن هؤلاء الجنود القتلى كانوا يحترمون ويحبّون آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم أو عشيقاتهم، ويعشقون الخدمة العسكرية من أجل الوطن! ودائمًا يزعم الإعلام الإسرائيلي أن الجنود الذين يصابون في المعركة، بإصابات من قبل حماس أو حزب الله، يُصرّون على الرجوع بعد مدة قصيرة الى ساحة المعركة والالتحاق بكتيبتهم على الرغم من أن القيادة العسكرية لا تلحّ عليهم بالرجوع الى ساحة المعركة ومواصلة الخدمة في الجيش. كما تبث الإذاعات يوميًا، وفي بعض الأحيان إذا تواجد مراسل عند عائلاتهم، تسجيلات صوتية ورسائل واتساب أرسلت الى عائلاتهم قبل أن يُقتلوا ويتم بثها عبر الإعلام.
 وتتفاوت أعداد القتلى ما بين إسرائيليين من الطوائف الاشكنازية الغربية والشرقية والمتدينين والمستوطنين. ويقول بعض المحليين إنّ هناك إجماعًا على أن المجتمع الإسرائيلي، وبكافة طوائفه، يدفع الثمن بشكل متساوٍ لهذه الحرب. وتعتبر هذه الحرب من أطول الحروب التي خاضتها إسرائيل، حيث إنها ما زالت مستمرة منذ أربعة عشر شهرًا، وهي مرشحة للاستمرار الى ستة أشهر أخرى، أي الى شهر نيسان المقبل من عام 2025، الأمر الذي يزيد من عدد الضحايا من الجنود ويؤدي بطبيعة الحال الى زيادة الضغط الشعبي لإيقاف هذه الحرب. وما يحدث الآن من ضغوط على الجبهة اللبنانية لإجبار الطرف اللبناني على قبول تسوية أمريكية يأتي في هذا السياق، كي يتفادى الجيش الإسرائيلي مزيدًا من الخسائر البشرية، ولذلك يحاول وبدعم أمريكي الضغط على حزب الله لقبول شروط التسوية لصالحه.
وينظر المجتمع الإسرائيلي بنوع من الاحترام الى رئيس الأركان السابق الجنرال غادي ايزينكوت الذي فقد ابنه في معارك خان يونس وفقد اثنين من اقربائه، ابن أخته وابن أخيه، في هذه الحرب. ويتسابق بعض القياديين الإسرائيليين الآخرين على جلب أولادهم للمشاركة في هذه الحرب، حيث كان وزير الأمن السابق يوآف غالانت قد جلب ابنه من الولايات المتحدة للمشاركة في الحرب على غزة كجندي احتياط كي يمنع أي انتقادات ضده كقائد أعلى للجيش الإسرائيلي يزج الجنود الى الجبهة ويستثني ابنه. ولكن الرأي العام الإسرائيلي ينتقد في بعض الأحيان بنيامين نتنياهو الذي لا يضغط على أولاده للخدمة في الجيش كابنه الأكبر يائير الذي يسكن في الولايات المتحدة، أما ابنه الأصغر أفنير فلا توجد أي معلومات عن خدمته في الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب، ولكن نتنياهو يتفاخر دائمًا بأنه ترعرع وتربى في عائلة ثاكلة، حيث قتل أخوه يوني في عملية عنتيبي عام 1976. 
وتسود المجتمع الاسرائيلي حالة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية واسعة النطاق نتيجة لحرب استنزاف طويلة ومستمرة دون أي وقف لإطلاق النار. فهنالك ضغوط نفسية فائقة الخطورة، حيث تشتكي العائلات من القلق وعدم النوم نتيجة البعد عن أبنائهم، وتعيش حالة من القلق المفرط جرّاء أخبار القتلى اليومي من جنود الجيش الإسرائيلي. وتعتبر الجملة الأخطر والأصعب في الإعلام الإسرائيلي "هوتار لبيرسوم" أي (سُمح بالنشر)، والتي تبث يوميًا من قبل المراسلين العسكريين، كالصحفية كارميلا مناشي وآخرين في القنوات المختلفة، حيث إن هذه الصحفية اصبحت الأكثر شهرة في إسرائيل، فهي بمثابة رمز قومي، فعندما يُسمع صوتها فإن المستمع يفكر مباشرة بعدد الضحايا المعلن يوميًا، وهي تشارك الجيش في حملاته على جباليا وخان يونس في قطاع غزة وبنت جبيل في جنوب لبنان.
وقد أصبح واقع الخدمة العسكرية للجنود، والذي يصل الى أكثر من 300 يوم للفرد الواحد بشكل متواصل، هو رمز للعبء الثقيل الذي يلقى على هؤلاء الجنود، بحيث إن الخلافات داخل الحكومة والأحزاب وصلت الى أوضاع يرثى لها، فهم يحاولون تجنيد عشرات الآلاف من المتدينين الذي يرفضون بشكل قاطع الخدمة العسكرية. ويقدر المحللون أن هنالك أكثر من 250 ألف جندي إسرائيلي مجندون ويشاركون في كافة الجبهات، أي في الجبهة اللبنانية وقطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي لم يسبق له مثيل منذ بدء حروب إسرائيل التي لم تجنّد في أي حرب مضت أكثر من 150 ألف جندي. 
وهنالك تأثيرات قاسية جدًا على الوضع الاجتماعي في إسرائيل، حيث يؤدي ذلك الى تفكك العائلات وانهيار الاقتصاد وعدم قدرة حكومة إسرائيل على دفع تعويضات لعائلات مهجّرة من بيوتها، سواء أكان ذلك في الشمال أو الجنوب. كما أن الآثار النفسية تعتبر خطيرة، فهنالك عشرات الآلاف من الجرحى الذين يحتاجون الى تأهيل صحي، اجتماعي واقتصادي، قد يستمر الى عدة سنوات. كما أن هناك تأثيرات نفسية على الجندي الإسرائيلي، الذي شارك في عملية التدمير الشامل والممنهج لمناطق واسعة في غزة ولبنان، حيث لن يقوى على إعادة بناء حياته الطبيعية من جديد، وكل ذلك قد يتكشّف مباشرة بعد انتهاء الحرب.

مقالات متعلقة