كاتب المقال: بلال سعيد حسونة- مدرس لغة انجليزية في تكنولوجية نور الغد "عتيد" اللد
في كل مرة يدخل فيها أبناؤنا للعطلة الصيفية، يذهبُ قسمٌ منهم الى سوق العمل، والقسم الآخر يبقى في البيت، تختلف وجهات النظر لدى الاهل والناس عامة بخصوص هذا الموضوع، فمنهم من يؤيّد عمل الشبيبة في العطلة الصيفية، ومنهم من يعارض. سواء هذا أم ذاك، لكل واحدٍ من هذين الطرفين ادعاءاتُهُ الخاصة التي بناها حسب أفكاره ورؤيته للأمر، تعالوا نستعرض سويا حسنات وسيئات هذا الموضوع كي نضعها في كفة الميزان، لعلنا نخرجُ سوياً بوجهة نظر موحدة.
كما يقولون: "لكل عملة وجهان". فهذا مثلٌ تداولته شعوب العالم، مغزاهُ أن لكل عمل أو توجه حسنات وسيئات، قد يقول البعض أن ذهاب الشبيبة من شباب وشابات الى سوق العمل وهم لا يزالون في المرحلة الثانوية يمكن أن يكون خطراً عليهم أو غير مناسب لهم، خصوصاً في ظل الانحلال الأخلاقي الذي يشهدهُ العالم بشكل عام ومجتمعنا المحلي بشكل خاص. من حق الأهالي القلق على أبنائهم، فهم فلذات أكبادهم. ولكن من ناحية أخرى عندي سؤال: هل من المعقول أن شابا عمره 17 او 18 سنة يبقى نائماً في الفراش نهاراً ويسهر طوال الليل؟ هل من المنطقِ أن اسرته تعاني من ضائقة مادية وهو جالسٌ في البيت يأكل ويشرب ويدخن على حساب أمِّهِ المسكينة التي تعمل جاهدة على تأمين لقمة العيش للأسرة؟ وهل يعقل أن تذهب الى الجامعة مباشرةً فتاة دون خبرة حياتية ومهاراتِ تواصلٍ حقيقية؟
نعيش اليوم في عالم متطور، يتطور بوتيرة سريعة تتطلب من أبنائنا مواكبة هذا التطور، والاستعداد له جيدا، سواءً في حاضرهم أو في مستقبلهم. حسب رأيي فان العمل للشبيبة سواء كانوا شباب او شابات له كثير من الحسنات التي تعود عليهم بالفائدة استعدادا لمتغيرات الحياة التي ذكرت، أذكر منها:
الخروج الى العمل يعلم الشبيبة الجدية والمسؤولية، فالحياة العملية تختلف تماما عن أحضان العائلة.
العمل يعلم الشبيبة الانضباط في الحياة، فالمواعيد هي مواعيد، والتزام بقوانين العمل وإنجازه بالوقت المحدد وبالطريقة المطلوبة، يكسبان الشبيبة رؤية أفضل للأمور من حولهم.
الالتزام بالعمل يعلم الشبيبة مهارات حياتية عديدة، مثل مهارة التواصل مع الاخرين، فن الإصغاء وأساليب النقاش والجدال، الأمر الذي سوف يقوي شخصيتهم ويصقلها استعداداً لمراحل المستقبل القادمة.
ذهاب الشبيبة الى العمل يعود عليهم أيضا بمنافع مالية، فهم يتقاضون أجراً مقابل عملهم، وهو ما سوف يعلمهم الرزق الحلال والابتعاد عن الوقوع في الحرام.
العمل مقدس والإنخراط فيه يجعل الشاب يشعر انه جزء من مجموعة، مجموعة سوف يشعر وسطها انه متساوي معهم وبالتالي تنمو عنده روح الانتماء لمجموعته وللمجتمع عامة.
العمل يمنح الشاب الاستقلالية والاعتماد على النفس، فخروجه الى العمل سوف يعطيه القوة والمعرفة للاهتمام بنفسه وإدارة شؤونه الخاصة ولكن بشرط أن يبقى تحت رعاية الوالدين.
الذهاب الى سوق العمل يعطي الشبيبة خصوصاً الشابات مهارة حل المشكلات، فالعمل يجعلها تعيش الواقع كما هو وليس كما تصورته في البيت والمدرسة ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي يبعدها عن الدلال والدلع اللذان عاشتهما في أحضان اسرتها. الامر الذي سوف يجعلها أكثر قابلية للنجاح في حياتها الزوجية مستقبلا.
العمل يجعل الشبيبة يدركون أكثر أن المال يأتي بعد تعب، ولا يجوز تبذيره يميناً ويسارا، وهو ما سوف يفتح الباب أمامهم أن يفكروا كيف ينفقونه بالشكل الصحيح وكيف يمكن أن يحافظوا عليه.
الخروج الى العمل يجعل الشاب او الشابة يتخلصان من العادات القبيحة مثل الكذب والكسل والاتكالية والغرور، الأمر الذي سيفتح لهم الطريق أن يغيروا مسار حياتهم الشخصية الى الأفضل.
الذهاب الى العمل يعطي الشاب القوة أن يدعمُ اسرته من الناحيتين الماديةِ والمعنوية، وهو ما سوف يغرس فيه روح الانتماء والمحبة والعطاء لها.
وختاماً، نرى كم هو مفيدٌ عملُ الشبيبة طلاب المرحلة الثانوية في العطلة الصيفية، وكيف يمكن أن يكون هذا العمل محطةً هامةً في حياتهم، محطةً تعطيهم القوة والمعرفة الواسعة لإكمال مشوار الحياة. ومع ذلك، أُنوه هنا أن كل هذا يجب أن يكون تحت رعاية واشراف الوالدين، فالعمل والمال هما سلاح ذو حدين، وأنهُ يمكن أن يصبح شيطانا ضد العائلة بأسرها، وهنا مطلوب من الوالدين أن يكونوا دائما حول أبنائهم يقدمون لهم النصح والإرشاد حول هذا العمل وحول المال الذي جاء منه. على سبيل المثال، يجب أن نحذّر أبناءنا من رفاق السوء في العمل، ويجب أن نحذَّر بناتنا من الشباب الضالين الذين يمكن أن يضايقوهنَّ أو يخدعوهن. وأيضا حول المال الذي يجنوه كيف ينفقونه وكيف يحافظون عليه، وليعلم هؤلاء الشبيبة أنهم ذاهبون الى العمل بشكلٍ مؤقت، ولغايات محددة، وبعد ذلك عليهم الرجوع الى التعليم لإكمالِ مسيرةِ المستقبل.