الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

الصُّدع في الجدار- عودة بشارات


نُشر: 06/06/09 16:07

* سياسة بوش شكلت قمة الفظاظة والعدوانية، وحربه على العراق تدهورت لتهدد كل بيت أمريكي بأزمة مالية خانقة

* إدارة أوباما قلبت المعادلة، أمام الموقف الإسرائيلي الذي يريد إقناع العالم وكأن نتنياهو مستعد لتنفيذ كل ما يُطلب منه

* اللوبي الصهيوني قوي النفوذ، وباستطاعته من خلال معادلات معينة تغيير سياسة الرئيس الأمريكي، ولذلك لا يمكن لأوباما الصمود أمام هذا اللوبي دون تأييد شعبي أمريكي


في حينه قال السادات، الرئيس المصري السابق، وعاد وقال حتى الإملال، إن 99% من أوراق اللعبة موجود في يد أمريكا. اليوم، بعد 31 عامًا على اتفاقية كامب ديفيد، التي تُوِّجت بحل انفرادي بين مصر وإسرائيل الأمر الذي مهد للعدوان البربري على الشعب الفلسطيني في حرب لبنان الأولى، يتضح أن 100% ، وليس 99% فقط، من أوراق الحل، وليست اللعبة فقط، هي في يد الشعب الفلسطيني، لأنه حتى ولو سلّمنا بحسن نوايا الرئيس الأمريكي الجديد، أوباما، فإذا كان هنالك تغيير في السياسة الأمريكية، فإنه يأتي فقط نتيجة الصمود الفلسطيني الأسطوري خلال عقود من الزمن. 
الشعوب لا تغير مواقفها من خلال تغيير مواقف القادة إلا في أحيان نادرة، في الغالب تغير الشعوب مواقفها من خلال تغيير قادتها أنفسهم. لقد شكّلت سياسة الرئيس بوش قمة الفظاظة والعدوانية، وحربه على العراق تدهورت لتهدد كل بيت أمريكي بأزمة مالية خانقة، تهدد مكان العمل ومستوى الحياة وحتى خسارة البيت. وهكذا، كما ورد، لأن الشعوب المتحضرة تغير قادتها، ولا تبقى أسيرة لهم، فقد تم تغيير بوش، وتم تغيير النهج الجمهوري من أساسه.. (في المقابل، في العالم العربي، بدلاً من أن يكون الرئيس في مقدمة من يدافع عن الناس، تجد لدينا الملايين \"المملينة\" -والمملينة هنا للتفخيم كالألوف المؤلفة- وقد \"تجندت\" لتدافع عنه.. يموت الشعب ولا تسقط شعرة من رأس الزعيم..)
ولذلك ما يجري الآن على الساحة الأمريكية ناتج أولاً وقبل كل شيء  عن فحص دقيق لما هي مصالح امريكا، وبعد تجربة العراق التي هي بالأساس تطبيق إستراتيجية الأوساط المتطرفة في إسرائيل، نجد اليوم توجهًا نحو معادلة أخرى، معادلة تحاول أن تتجنب المواجهة واعتماد القوة العمياء وأن تخاطب مصالح الآخرين. ولدينا هنا عدة نقاط يجب أخذها في عين الاعتبار؛
لأول مرة منذ سنوات تضع الإدارة الأمريكية الأمور في نصابها الصحيح، فليس \"الإرهاب\" هو مصدر الكوارث في المنطقة، بل الاستيطان، الذي هو وليد الاحتلال. إدارة أوباما قلبت المعادلة، أمام الموقف الإسرائيلي الذي يريد إقناع العالم وكأن نتنياهو مستعد لتنفيذ كل ما يُطلب منه وان العائق هو \"الإرهاب\" الفلسطيني. اليوم يقول أوباما أن المشكلة هي الاستيطان، وفي المستوطنات بدأوا بإصدار بوسترات تحمل صور أوباما على رأسه كوفية فلسطينية، وتذكرون كيف انتشرت مثل هذه البوسترات عشية اغتيال رابين.
والأمر الذي لا يقل أهمية، وبرأيي هو الأساس، هنا أن هنالك تناقض في الرؤى الإستراتيجية بن الإدارة الجديدة وبين إسرائيل، فبينما يريد نتنياهو، وفي هذا المجال نجده مدعومًا من قبل حزبي العمل وكاديما، أن يتم توجيه ضربة عسكرية لإيران الأمر الذي قد يشعل مواجهة عنيفة في المنطقة.. مقابل ذلك يتبلور توجه أمريكي جديد، اعتمادًا على تجربة العراق المدمرة، يقضي بضرورة إجراء حوار مع إيران والاستعداد لقبول مفاعل نووي إيراني لأغراض سلمية.
والشعار الذي ارتفع مؤخرًا من قبل الإدارة الأمريكية، مثير للاهتمام \"يتسهار مقابل بوشهار\"، فلأول مرة يبرز الربط بين تفاقم التسلح في المنطقة وبين الاستيطان، ومع أن هذا التطور في الموقف الأمريكي ليس كافيًا، ولكن هذا الشعار بمثابة هزة أرضية بالنسبة للقيادة الإسرائيلية.. وبالتالي هنا يمكن رؤية أمرين، خاصة لمن يبحث عن الصدع في جدار التأييد الأمريكي لإسرائيل، فلأول مرة يقول الأمريكيون بشكل واضح إن الاستيطان يشكل تهديدًا للسلام في العالم، والأمر الثاني أن هذا الشعار قد قلب المعادلة بدون حل القضية الفلسطينية لا يمكن إستباب السلام في العالم.
اللوبي الصهيوني قوي النفوذ، وباستطاعته من خلال معادلات معينة تغيير سياسة الرئيس الأمريكي، ولذلك لا يمكن لأوباما الصمود أمام هذا اللوبي دون تأييد شعبي أمريكي، والجمهور الأمريكي غير مستعد حاليًا، بعد التجربة الخاسرة في العراق، أن يدخل في مواجهة أخرى مع إيران.. و\"جنرال موتورز\" ومصانع السيارات الأمريكية الأخرى التي تقف على حافة الافلاس، هي الجرح النازف الذي يذكّر كل يوم بما جلبته الحرب على العراق.. ولذلك نجاح أوباما في إعادة الحياة لهذه المصانع، بمئات آلاف عمالها، هو الضمانة لنجاحه في السياسة الخارجية.
ولذلك، ونعود إلى أوراق اللعب، فهذا الشعب الذي لا يملك سوى قضيته العادلة، من خلال صموده ومن خلال حسن تصرفه قادر ان يُفشل كل المؤامرات على قضيته. صحيح أن الشعب الفلسطيني صغير، بضعة ملايين قليلة من بين بضع مليارات، ومساحة جغرافية صغيرة، ولكن قضيته، على مر العقود الماضية، أصبحت قبلة الحق والضمير في العالم، وما دام هذا الحق مهدورًا فسيبقى مصدرًا للغضب والقلاقل وانعدام الاستقرار، على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم.
واجب علينا لا نحمّل الأمور أكثر مما يجب، ولكن هنالك أصوات جديدة يجدر الإصغاء لها، وواجبنا، حتى في ظل جدار سميك وخانق، أن نتلمس الصدع، فالجدار القائم على الظلم وانتهاك الحقوق، مهما ارتفع فسينهار لا محالة.
 

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.75
USD
4.02
EUR
4.84
GBP
288514.86
BTC
0.52
CNY