أفتح نافذتي صباحاً.. أو مساءً ــ فلا علاقة للوقت والزمن في ما أقول ــ فمقولة الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.. أكل الدهر عليها وشرب.. فالسيف والوقت .. كلاهما سقطا من حسابات الوجود.. عندنا.
نافذتي الشرقية التي تطل على بلاد الشمس بما تحتويه من جبال وأودية خيال.. وعاصمة وعلم أصفر أو ذهبي.. فلا يهم اللون أيضاً بعد أن فقدنا البصر مؤخراً.. فبتنا كماهم.. \" لا يبصرون \"..
أعشق الليلك والبنفسج .. والنيلفور الذي ما رأيت منه سوى اسمه في إحدى روائع ابن زيدون...
أعشق في النيلفور رائحة الأندلس.. رائحة من كانوا هناك.. عندما كانوا \" فهم يبصرون \" ..
أفتح نافذتي الغربية أو الشرقية ـ فلا فرق بين الإتجاهات بعد فقدان بوصلة الطريق ـ عند الغروب.. كي أودع الشمس الواحدة والستين ملكة \" نكبةستان\"...
إن اللبيب من الإشارة يفهم؟؟؟.... يا سادتي حتى الجنين في ظلمات الرحم يوقن ألم \" نكبةستان\"..
ويعرف جيداً.. من سارق البستان.. ومن علق جده المسكين على جذع شجرة الرمان.. هي ذاتها الشجرة التي نجني ــ حمداً للمغتصب على طيبة القلب ــ ثمارها .. هي ذاتها شربت .. بل رضعت دماء جدي .. أراه جدي عند المغيب يأكل الرمان مستقراً في قرص الشمس.. لا تقلقوا يا سادتي.. فالشمس ليست جهنم.. بل.. غربتنا في وجودنا الدائم ها هنا.. جهنم فأي احتراق أكثر من هذا بلا دخان .. وبلا حاجة للإطفائية وقوات الإنقاذ.. احتراق بلا أثر للجريمة..
أسمعت يا جدي؟؟ أبناء العم يتحدثون عن التعايش الثنائي.. هل تذكر يا جدي ما يدعونه
\" دو كيوم\" ؟؟ ..\" ما أشهى الزيتون والزيت .. هل لنا ببعض اللبنه؟؟\" \" أحلفك بأغلى ما تملك يا صديقي.. أن تجلب لنا بعض خبز الدروز..\".. هذا هو \"دوكيومهم\" يا جدي فهل أنا فعلاً صديقه؟؟.. يغمسون زعترنا.. بدمائنا.. يأكلون ويشبعون.. ويطلقون غازاتهم.. ورصاصاتهم.. ثم ينامون كالدببة القطبية.. ينتظرون موسم الرمان يا جدي.. كي يجددوا اتفاقية التعايش الثنائي.. فهنا.. لا تكتمل جلسة التعايش إلا ببعض من المقلوبة .. والدجاج المحشي والملوخية.. ثم يسألوننا..\" هل تملكون بقرةً تحلبونها كل صباح وتصنعوا اللبنة؟؟ \" ويدهشون عندما نتحدث بمعنى السلام.. والتعايش.. فالمعدة فارغة يا جدي.. والكف مقطوع والمتسولون كثر...
ثم يشربون الشاي يا جدي.. وينامون في فراشك الذي تركته خاوياً .. حتى أنصفه \" شريك الرزق\" بنومة لن يخلو فراشك بعدها.. فقد أصبح ميراث لشريك لقمتنا..
فراشك يا جدي.. أملاك غائب..
ثم يا جدي.. يقتلون شبابنا.. يبدو أن المجانين عند أبناء العم كثر.. فهل هذا يا جدي نتيجة زواج ـأو بلا زواج ـ الأقارب؟؟ أم ربما.. مجانينهم أكلوا كثيراً من لبنتنا.. فأصيبوا بجنون ال\"دو كيوم\".. ما أجده أقرب للمنطق يا جدي.. أن ابن العم بريء من دمائنا يا جدي.. فهو يطلق الرصاص في الهواء.. ونحن نلحق به.. والتفسير لذلك يا جدي.. أن في نشرات الأخبار نستمع دائماً إلى القول المأثور \" فلان لاقى حتفه\".. فيبدو أننا نلحق الرصاص باحثين عن حتفنا فنجده مستقراً.. في الخصيتين.. أو بين العيون الجامدة... هو التفسير الأقرب للمنطق يا جدي.. فهل توافقني الرأي؟؟
ثلاث سنوات سجن فعلي لكل من \" يحتفل \" بالنكبة... هذا هو نص القانون المتداول في أوساط أبناء العم الذين بينما ينصون قانونهم يطلبون من أحد العرب الجالسين.. بعضاً من الزيت والخبز العربي والطابون.. \" فأم العيال في البيت تنتظر أبو الشمعون على أحر من الجمر.. لما وعدها ببعض من كريات اللبنة البضياء .. ففيها من الفيتانينات ما يثير أنوثة أم العيال.. فتريح أبو الشمعون.. وحين يستريح أبو الشمعون.. تستريح الحكومة كلها..\" دورنا فعال في إراحة الحكومة إذن..
ثم يحكمون على نكبتنا بالإبادة.. في إحدى أفران الماضي.. فهم لا زالوا يذكرون..
يا سادتي.. نص القانون يمنع الإحتفال بالنكبة.. أما نحن فلا نحتفل بل نحيي ذكراها.. لأن الإحتفال يكون لعرس الزين... ليس لبلوة ذات سنين...
وأما عن سنوات السجن.. فلذيذة هي الحياة عندما نأكل وننام ونشرب على حساب \"شريك لقماتنا\".. بعد أن أكل ونام وشب وشرب وبرطع على حسابنا.. منذ شروق الملكة\"شمس الأولى\".. لمطلع عام النكبة الأول...
أعود إلى شباكي الشرقي.. أغلقه.. فشيء من الريح البارد.. بدأ يقرص جبهتي.. وأعود إلى الفراش لأنام.. لكن.. بالطبع أفسح \" للشريك\" مجال كي يشاركني الفراش.. فهل لي مناص .. أو خلاص؟؟