الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 03:01

قناة السويس بحاجه إلى تأميم أخر


نُشر: 25/07/09 15:57,  حُتلن: 16:55

لا يمكن أن نُكحِّل عيون زماننا وأن نُعمِّد أنفسنا خلوداً وقراءةً وكتابة بتاريخ ثورة 23 تموز يوليو الناصرية دون الوقوف أمام إحدى أهم محطات سيرتها وانجازاتها رغم أنها كانت لا تزال في بداية مشوارها.
هذه المحطة: تأميم قناة السويس حيث توّجت الثورة انجازاتها وشقت طريقها يوم 26\7\1956، لأن التأميم كان بمثابة اكتمال دائرة الاستقلال بعد الجلاء.
بعد الانتهاء من شق وحفر هذا المشروع بسواعد المصريين الصلبه أصبحت قناة السويس جزءاً من حاضر مصر وماضيها ومستقبلها، القناة  إحدى رموز مصر وعَلماً وَمَعْلَماً هاماً من وجودها فهي أكبر المفردات والتعابير في تاريخها اللغوي والجغرافي والانساني.
عندما نقول الأهرامات نعني عظمة مصر، وعندما نقول النيل نعني مصرَ بعطائها ورائحة التاريخ الذي يغمر وجودها، وعندما نقول القاهرة نغوص داخل غمار التاريخ العربي المشرق، تمر من أمامنا سيناريوهات وأحداثاً كثيرة، نشاهد الخليفة عمر بن الخطاب بعدله، ونسمع قعقعة سيوف عمرو بن العاص وعبادة بن الصامت وصلاح الدين الأيوبي والمعز لدين الله ، نرى الأزهر الشريف وما لحقه من دور العلم ومدارس الفقه والفرق
الصوفية ودور الطباعة والنشر، نصافح أحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول ثم نقف أمام صروح ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر.
قناة السويس هي مصر ومصر هي القناة، بفضلها أصبحت مصر قبلةَ العالم التجارية والسياسية والاتصالات البحرية هذا اضافةً الى أبعادها الاستراتيجية غير المحدودة، انها الحلقة التي اختصرت العالم عندما ربطت ثلاث قارات يتكون منها في زاوية واحدة.
من يشاهد قناة السويس الذي يبلغ طولها حوالي 160 كيلو متر وعرضها يتراوح ما بين سبعين الى مئة متر وعمقها حوالي 15 متراً لا يصدق أنها من صنع الانسان، لقد تم حفرها في الفترة الواقعة ما بين 1859-1869 بالأيدي والفؤوس والسلال وغيرها من الأدوات البدائية، لأن الروافع والجرارات والمضخات لم تكن قد دخلت التاريخ.
ان عظمة هذا الشريان المائي الهام يدل على عظمة الشعب المصري الذي حفره بمخالبه وأسنانه تحت ضربات سياط الخديوي سعيد واسماعيل وسياط الفرنسيين، الشعب المصري وحده القادر على ذلك لأنه أكثر شعوب العالم صبراً وقوةً وارادةً.
ذكر المستشرق الألماني "بروكلمان" أن عدد العمال المصريين الذين كانوا يشاركون في عملية الحفر حوالي 60 الف عامل في الدورة الواحدة، كانت مدة الدورة ثلاثة شهور يعمل خلالها عشرون الفاً بشكل مباشر، أما الباقي
نصفهم عائدون الى بيوتهم للاستراحة والقسم الأخر كانوا في طريقهم الى مواصلة العمل.
لم يتم العمل في ظروف طبيعية لأنه أولاً كان مجانياً بالسخرة، وثانياً لم تتوفر أدنى الشروط الصحية والغذائية للعاملين هذا اضافةً الى شمس الصحراء الشرقية الحارقة، لم يرحم الخديوي سعيد عماله فقد فرط في عرقهم ودمهم وأرواحهم من أجل صديقه وشريكه في هذا المشروع التاريخي المهندس الفرنسي "دلسبس".
اليوم فان التاريخ يعيد نفسه فما فرط به الخديوي سعيد وخليفته اسماعيل للفرنسيين والبريطانيين من حق مصر في قناة السويس كرره خديوي أخر هو السادات، الذي سمح لاسرائيل المرور في قناة السويس على طبقٍ من ذهب رغم استمرارها احتلال الأراضي العربية وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني، ثبت هذا التنازل وهذا التفريط الخديوي حسني مبارك الذي حول مصر وقناتها وموانئها الى مسارحٍ مفتوحة الأبواب أمام القطع الحربية الاسرائيلية، تتفسح فوق مياه القناة تحت حراسة سفن مصر الحربية.
من يسمح لسفن اسرائيل الحربية المرور في قناة السويس يسمح لجيشها التدريب سراً فوق الأراضي المصرية كما يتدرب في الولايات المتحدة وكولومبيا، ويسمح لطائراتها الحربية أيضاً استخدام الأجواء المصرية متى شاءت.
المضحك المبكي هو انبراء وزير بلاط الخديوي مبارك ابو الغيط المكلف دائماً بضخ رذاذ من التعابير المخصصة للتخلص من الأثار والروائح التي تخرج من بطون الطهمة الحاكمة في مصر كي لا يشتمها أحد.
العقاقير التي رشها ابو الغيط أخيراً لمسح أثار العار المتواصل الذي يلحقه مبارك وجهازه المتسلط على رقاب الشعب المصري بعد انكشاف حقيقة سماح مصر للسفن الحربية الاسرائيلية التي دمرت بيروت وغزة المرور من قناة السويس، حاولت حكومة نظيف التستر على هذا العار لكن وسائل الاعلام الاسرائيلية كما تفعل كل مرة قامت بكشف هذه الحقيقة، بعد هذه الفضيحة اضطرت حكومة نظيف الاعتراف بهذا العار والسقوط والخزي الذي لحقها ثم جاء دور أبو الغيط لازالة الروائح التي خلفتها فتعامل مع الأمر بكل برودة وبساطة، مستغرباً هذه الزوبعة وهذا التساؤل، لأن هذا الأمر بالنسبة له عادي، فهو كل يوم يرى ويقابل ويعانق الاسرائيليين في القاهرة وتل أبيب والقدس وشرم الشيخ، اذا ما هو العجيب والغريب من وجهة نظره اذا مرت سفن اسرائيل الحربية من قناة السويس.
من العقاقير التي رشها ابو الغيط أن مصر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية ومن ضمنها اتفاقية القسطنطينية التي وقعت سنة 1888 الخاصة بمرور السفن من قناة السويس، ما هذا الالتزام الطفولي الساذج المهزوم باتفاقية طمرها التاريخ ووقعت قبل حوالي 120 سنة؟ أما اسرائيل فانها لم تلتزم حتى اليوم بأية اتفاقية دولية لها علاقة بحقوق الشعب الفلسطيني.
المبررات التي قدمها أبو الغيط سخيفة وبالية جاءت للهروب فقط من المسؤولية وتؤكد أن نظام مصر الحالي قد جرد نفسه نهائياً من كل القضايا
القومية والوطنية الخاصة بالأمة العربية والقضية الفلسطينية، ان مصر أخرجت نفسها من دائرة الصراع بطريقة استسلامية مذلة غير موضوعية وغير متوازنة، لا فرق بينها وبين أية دولة أجنبية، لقد فصل نظام مبارك مصر الحالية عن تاريخها النضالي منذ عهد صلاح الدين حتى رحيل جمال عبد الناصر.
ان تفكير أبو الغيط المحدود ومواقفه المعروفة بلزاجتها وتراجعها جعله يحاول تلفيق المبررات والتجني على التاريخ، ان من فرض اتفاقية القسطنطينية على مصرَ والدولة العثمانية سنة 1888 هي بريطانيا وفرنسا أثناء حكم الخديوي توفيق الذي تآمر مع بريطانيا للقضاء على ثورة أحمد عرابي، أبو الغيط لم يقرأ التاريخ فقد لقنه له بعض الجهلة الذين حوله، لو كان جاداً في قراءته لوجد أن هذه الاتفاقية غير ملزمة لمصر لأنها كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني ولم تكن قناة السويس تحت سيطرتها ولم تمتلك سهماً واحداً من أسهمها بعد أن باعها الخديوي اسماعيل لبريطانيا.
بقي الشعب المصري محروماً من قناته حتى جاءت ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر وأعادت الحق الى نصابه عندما أممت القناة يوم 26\7\1956.
كان مهرُ عودة السيادة المصرية الكاملة على قناة السويس غالياً جداً، تجسد بالعدوان الثلاثي الذي راح ضحيته عشرات الآلاف من أبناء الشعب المصري استشهدوا وهم يدافعون عن شرف مصر..
اننا نقول لأبي الغيط ونظام مبارك لو لم تكن اتفاقية القسطنطينية لأوجدتم اتفاقية من عندكم كي تجدون المبررات للتعاون والتكافل مع اسرائيل وهل حصار غزة من قبل النظام المصري ورد أيضاً في اتفاقية القسطنطينية؟
انتم لستم بحاجة الى اتفاقيات للتطبيع مع اسرائيل لأن تاريخكم منذ أن ابتلي العرب بكم عبارة عن وثائق من التنازلات.

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.76
USD
4.03
EUR
4.71
GBP
215852.00
BTC
0.52
CNY