لماذا، بمناسبة الاربعين، خصصوا لحرب الـ67 كل هذه المساحة من شاشات الفضائيات، واعين المشاهدين وعقولهم، والسنة المتحدثين، المعلقين والمحللين من ذوي الغايات.
الجواب عندي بسيط، لاننا لا نزال نعيش مسلسل الوهم والدجل والضلال والتضليل والخداع، والتزوير والتزييف، مسلسل الاعداد المقدسة، الذي جلب علينا من ايام علي بابا والاربعين حرايم جميع الكوارث ، والذي جعلنا نحتل الممكان الاول بين الشعوب المختلفة.
فقد بانت اكاذيب وحقائق تلك الحرب، واكاذيب وحقائق قادتها المشاركين فيها من اول ست ساعات بعد فجر الخامس من حزيران
في ذلك اليوم افاق العرب مؤقتا من وهم ان ساعة الفرج قد ازفت وحانت... وان حلم القضاء على اسرائيل بات اقرب من السواد على البياض. وافاق اليهود من وهم ان هناك خطرا حقيقيا عليهم وعلى دولتهم، الا العالمون ببواطن الامور من الشعبين.
ولذا فقد كانت استعدت اسرائيل اتم استعداد للنصر... وطلوا سيارات الجيش بالوحل والطين ربما تفاؤلا، ونقشوا عليها عبارات "يشير لكهير" (ישיר לקהיר).
وخلت المدن اليهودية من السابلة، ولم يبق في شوارعها سوى العسكر ببدلاتهم الخضراء الموسخة...هكذا كانت بئر السبع، على الاقل كما رايتها.
واستعد العرب للهزيمة ايما استعداد.
ادخل عبد الناصر قواته الى سيناء، فتاهت، وضاعت، واستنفدت، ونفذ زادها وماؤها وهي تتلقى الاوامر اشكالا الوانا... مرة لتتوجه الى الشرق، واخرى الى الغرب، ومرة الى فوق، ومرة الى تحت، واخرى الى الشمال، وغيرها الى الجنوب، الى ان جاءتها الضربة المباغتة على حين غرة، بينما عبد الناصر وزلمه يغطون في سبات عميق بعد ان امضوا ليالي حمراء ساهرة على اغاني ام كلثوم وافلام هند رستم وبيرلنتي عبد الحميد.
واقام العرب لهم قوة مشتركة اقعدوها في الاردن بقيادة عبد المنعم ريا، فكانت قوات متنازعة متناحرة، تحارب بعضها بعضا في الخفاء.
كانت مثل برج بابل، لا يختلفون عن الناس العاديين عندنا في المشهدن والرينة وكفركنا، وصفورية وغزة.
يا حرام... جاء عبد الناصر في هذه الاجواء وامر بطرد قوات الامم المتحدة من شرم الشيخ (اقيمت هذه القوة بعد حرب ال56 ولم ينزع امرها الا بعد ان فضحته الاذاعة الاردنية) فبات امر الحرب مؤكد.
ولذا توقع عبد الناصر في مؤتمؤه الصحفي الذي عقده في العريش يوم الخميس اول حزيران وتوقع فيه ان تبدا الحرب يوم الاحد او الاثنين وكان له ما توقع.
في ذلك المؤتمر ساله احد الصحفيين عن احتمال خطر تدخل الولايات المتحدة، ولفت نظره الى ان امريكا ادخلت الاسطول السادس للمتوسط. فرد عبد الناصر بالحرف الواحد: "اهلا وسهلا بالحرب، وامريكا ما اعجبهاش الامر تشرب البحر الابيض وان ما كفاها نديها البحر الاحمر".
هاجت العرب وماجوا من المحيط الهادر الى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر. وشحذوا اسنانهم ليلتهموا اللحم الابيض مع اسماك المتوسط التي هناها مذيع صوت العرب بما ستلتهمه من لحم اليهود بقوله: "هنيئا لك يا سمك البحر". فاذا وحوش سيناء هي التي التهمت لحومنا.
وبعد يومين من اندلاع الححرب مسكت(التقطت) اسرائيل مكالمة بين عبد الناصر والملك حسين وهو يناشده اصدار بيان عن تدخل قوات اجنبية في المعركة وقال: " يا جلالة الملك طلع بيا، وانا بطلع بيان في قوات اجنبية ندخلت في المعركة".
وكان يشير بذلك الى سفينة ليبرتي التي دكتها طائرات اسرائيل، وقيل انها هي التي خربطت اتصالات الجيش المصري المخربطة اصلا.
ووجه الملك حسين خطابه للأمة الذي ناشدها فيه القتال"باسنانكم، باظافركم". على كل حال، والحقيقة يجب ان تقال، اننا في حرب 76 اكتشفنا بؤس احوالنا فقد كنت والله العظيم سمعت عبد الناصر قبل بدء الازمة يقول في خطاب له بالحرف الواحد " اللي بيقولكم ان في عندي خطة لتحرير فلسطين بيضحك عليكم".
وتساءل اللذون سمعوه : "اذن ولماذ قضيت السنين تمنى الناس باماني كاذبة؟!
الحقيقة ان الذي ورط عبد الناصر في قضية قوات الامم التحدة لم يكن سوى الاردن الذي فضح الطابق وهزأت الاذاعة الاردنية من بطولاته، حتى انهم في مضافة ابو محمود اخذوا يزحفون على بطونهم ليشرحوا معنى شعار " الزحف المقدس" الذي اطلقة عبد الناصر.
اما الذي ورط سوريا ومصر فكانت الانباء التي اذيعت عن حشودات اسرائيلية على الحدود مع سوريا واكدها الاتحاد السوفيتي المرحوم.
هذه هي حرب الـ 67 التي انتهت قبل ان تبدا....والتي بدات بكذبة ووهم.... وانتهت بكذبة ووهم. كذب ووهم ان العرب يريدون القضاء على اسرائيل.
وانتهت بكذب ووهم ان اسرائيل باحتلالها وانتصاراتها قادرة على ان تعيش بسلام.
باختصار حرب الـ 67 كانت نتيجة لمسلسل طويل من الكذب، والخداع، والتضليل، والتآمر على الناس الفقراء المساكين... ليعيش القادة ببذخ ونعيم...
ولا يزال المسلسل مستمرا الى اليوم... والله اعلم