* التشتت الفلسطيني اليوم شبيه بالتشتت اليهودي القائم اليوم والذي كان قائما قبل اغتصاب أرضنا فلسطين
* زيارتي لإخوتي أبناء شعبي في مخيمات لبنان كانت الأكثر تأثيرا على أفكاري وأحاسيسي، حين رأيت أوضاع المخيمات التي اعجز عن وصفها من شدة بؤسها وشقائها
كنت هناك في لبنان حيث تعمدت زيارة كل المخيمات الفلسطينية والتقيت بقيادات الفصائل المحلية وممثلي الفعاليات الشعبية، وعقدت العديد من الندوات في المخيمات، وأجريت معهم نقاشات حامية ومعمقة وطويلة .. وقبلها كنت في الأردن وسوريا ومصر، والتقيت بالفلسطينيين من مختلف المشارب السياسية والمستويات الطبقية.. كما وأتيحت لي فرصة ذهبية في عامي 2006 و 2007 لحضور لقاءين هامين-- أولهما في اسبانيا وثانيهما في فرنسا-- ضمت شبانا فلسطينيين من اكثر من 30 دولة من دول العالم، يحملون جنسياتها ويعيشون هناك وآباءهم-- كما عاش أجدادهم منذ عدة عقود من الزمن.. وكانت حصيلة تجوالي مذهلة-- كان يمكن ان أبقى بدونها أسيرا لأفكاري وتصوراتي التي آمنت بها هنا حيث اسكن في مخيم صغير على جزء من الوطن الذي مازال يئن من وطأة الاحتلال والعدوان.. والمذهل في حصيلة تجوالي أنني رأيت فسيفساء فلسطينية غاية في التنوع والتعقيد-- أجيال تكبر دون ان تعرف شيء عن فلسطين الجغرافيا والتاريخ.. جاليات فلسطينية منقطعة عن الحدث الفلسطيني رومانسية في أحلامها تعيش الغربة ولاحظت الاغتراب والتهميش والإهمال.. مخيمات فلسطينية بائسة تعيش الشقاء وكأنها تعيش مرحلة اللجوء الاولى إبان عام 1948 وسنوات الخمسينيات التي تلتها.. فلسطينيون يحلمون بالعودة لأنها خلاصهم الوحيد من شظف العيش وهدر الكرامة.. سياسيون تائهون نسيهم الزمن وتوقفوا عند مرحلة الكفاح المسلح..
وكانت زيارتي لإخوتي أبناء شعبي في مخيمات لبنان الأكثر تأثيرا على أفكاري وأحاسيسي، حين رأيت أوضاع المخيمات التي اعجز عن وصفها من شدة بؤسها وشقائها، حيث الفقر الشديد والبطالة الرهيبة والحزن البادي على الوجوه في نفس الوقت الذي لا يمكن البدء بأي حوار أو نقاش أو ندوة دون الحديث عن حق العودة وأهميته وقدسيته.. رأيت السلاح بيد الجميع صغارا وكبارا في المكاتب والشوارع رأيت الزي العسكري هو الزي الشائع ليس لبقايا مقاتلي التنظيمات ولكن للمواطنين العاديين الذين من المؤكد أنهم في معظمهم كانوا مقاتلين وخاضوا معارك مهولة دفاعا عن وجودهم في معارك الشرف أحيانا وأحيانا اخرى كجزء من الوضع العام في لبنان الشديد والسريع التقلب..
سمحت لنفسي أحيانا بسؤال الفلسطينيين من العامة والبسطاء.. وتجرأت وسالت القيادات المحلية السياسية والعسكرية.. لم تحملون السلاح في مخيمات لبنان ولم تدخلون في خلاف مع الحكومة فيها.. فكان جواب الجميع لأننا لسنا مطمئنين من عدم تكرار جرائم العدو الاسرائيلي ومن الممكن ان يعاود العدو مغامرته ويعتدي على لبنان وستكون المخيمات الفلسطينية أولى أهداف عدوانه وبالتالي نحن نحمل السلاح تحسبا لذلك اليوم لندافع به عن أنفسنا.. كما أننا لسنا مطمئنين على استقرار الوضع السياسي الداخلي في لبنان فمن الممكن ان تتطور الصراعات السياسية في أي لحظة بين الأطراف اللبنانية وتتحول الى صراعات مسلحة ونحن نعرف ان هناك اكثر من طرف لبناني يرفض وجودنا في لبنان حتى ولو سلمنا كل أسلحتنا ورفعنا الرايات البيضاء ومازالت تجربة تل الزعتر وصبرا وشاتيلا ماثلة امام عيوننا.. وقد أقنعتني مبرراتهم لاستمرار التمسك بالسلاح الفلسطيني لكنني قلت لهم ان الامر يتطلب التفاهم والتعاون مع الدولة اللبنانية وفي الوقت الذي لابد من النضال من اجل نيل كل الحقوق المدنية.. فانه عليكم ان لا تسمحوا بتحول المخيمات الى ملاذات للخارجين عن القانون ومرتكبي الجرائم بحق القانون والنظام اللبناني.. وافقني معظم من قابلتهم بالرأي لكنهم قالوا ان فوضى السلاح وغابة التنظيمات المسلحة في مخيمات لبنان ليست على الدوام انعكاس لاحتياجات الفلسطينيين بل هي في أحيان كثيرة انعكاسات لتأزم الوضع السياسي العام في لبنان وفي المنطقة بشكل عام.
سالت الكثيرين عن دورهم في النضال الوطني الفلسطيني وفي معركة التحرر والاستقلال.. فأجابوا جميعا أنهم قدموا آلاف الشهداء في معارك ضد العدو الاسرائيلي وأنهم مارسوا الكفاح المسلح في سنوات السبعينات والثمانينات وعبروا الحدود الفلسطينية الشمالية كمقاتلين ووقعوا شهداء وجرحى وأسرى.. فعاودت السؤال.. أنا أتحدث عن دوركم الآن في ظل سيادة الدولة اللبنانية على معظم أراضيها ومنعكم من استخدام الارض اللبنانية كقاعدة للانطلاق لمحاربة اسرائيل وتوافق كل التنظيمات اللبنانية وحتى تلك المنخرطة في جبهة المقاومة على رفض أي نشاط عسكري فلسطيني ضد اسرائيل انطلاقا من لبنان.. فأجابوا بأنهم لم يفكروا في السابق بالإجابة على هذا السؤال وأنهم بنوا تنظيماتهم وسلحوا عناصرهم وربوا أجيالهم على ان لبنان هو قاعدة الانطلاق نحو فلسطين وان تفكيرهم كان دوما منحصر في الكفاح المسلح..
كان صعبا علي ان أجد الإجابة التي أردتها عند من حددت لهم قيادة شعبهم أفق عملهم النضالي في الكفاح المسلح والتي تخيلت ان أوضاع دول الجوار لفلسطين لن تتغير وان بوابات عبور المقاتلين الى فلسطين ستظل مفتوحة.. هذه القيادة التي لم تقرا تجربة التواجد الفلسطيني المسلح في الأردن بشكل جيد واستنسختها الى حد كبير على الارض اللبنانية الى ان وصلت الى نفس النتيجة وان كان بشكل اقل في لبنان حيث لا فرصة لممارسة العمل المسلح الفدائي.. والأخطر من ذلك ان نفس القيادة لم تصارح نفسها ولا تنظيماتها وقواعدها علاوة على شعبها بان زمن العمل الفدائي من الخارج قد ولى وقد لا يعود في المدى المنظور.. وبالتالي لم تفكر في الكيفية التي سيلعب بها فلسطينيو لبنان وعموم الشتات دورا فاعلا ايجابيا في معركة التحرر الوطني.. هل هو دور إعلامي أم اقتصادي أم سياسي أم كل ذلك..
قد لا تكون لدي الإجابة الشافية على السؤال عن دور الشتات في معركة التحرر الوطني الفلسطيني، ولكنني ومنذ زمن أفكر بضرورة استفادتنا من تجربة عدونا.. فالتشتت الفلسطيني اليوم شبيه بالتشتت اليهودي القائم اليوم-- والذي كان قائما قبل اغتصاب أرضنا فلسطين.. وقد استفاد اليهود من تشتتهم ليشكلوا لوبيات ومجموعات ضغط على حكومات البلاد التي يتواجدون فيها واجتذبوا تعاطف الرأي العام والسياسيين هناك مما امن لهم الدعم والإسناد الاقتصادي والسياسي والإعلامي والدبلوماسي لاقامة دولتهم الغير شرعية على ارض آبائنا وأجدادنا.. واعتقد ان تشتت شعبنا الفلسطيني اليوم يعطينا نفس الفرصة لنقوم بنفس الدور، الامر الذي يتطلب ان نصلح ونفعل منظمة التحرير الفلسطينية لتقوم بدور المؤتمر اليهودي العالمي في الحركة الصهيونية وتلعب دورا قياديا فاعلا في تنظيم جهود الجاليات الفلسطينية في الشتات وتكون عنوانا لهم وعنوان الشعب الفلسطيني كله امام العالم، ليمارس الجميع ومن خلال خطة وطنية شاملة عملا يصب في خانة الهدف الوطني المنشود-- الا وهو التحرر والاستقلال والعودة.